العرض في الرئيسةفضاء حر

ارشيف الذاكرة .. حكايتي مع الأشباح .. صمود وغموض

يمنات

أحمد سيف حاشد

  • صارت الأشباح في وعيي شيئا من الماضي .. ليس فيها ما هو واقعي .. ربما بدت لي مجرد وهم في رؤوس بعض البشر المعتقدين بوجودها .. صرت أعتقد أن لا أثر لهم و لا وجود .. قناعة بدت لي راسخة و قوية، مع بقاء بعض الغموض في تفسير تلك الحادثتين التي تعرضت لهما أيام طفولتي، الثعبان الذي شاهدته على الأرض، و العجوز الشمطاء التي شاهدتها في المرآة، و مع ذلك لازلت أعتقد أن هناك تفسير علمي حتى لهاتين الحادثتين، أو حتى توهمي لهما، يختلف قطعا عمّا هو سائد في وعي الناس..
  • لم أعد ذلك الطفل الذي يخاف من الأشباح و الظلام، صرت أبحث عن أولئك الأشباح، و لا أجدهم .. أضع لما أسمع من حكايات الأشباح ألف تفسير و افتراض إلا افتراض وجودهم .. و لكن حدث أمر غريب، يستحق السؤال المعرفي أو التفسير العلمي لما حدث، بعيدا عمّا هو شايع و راسخ في وعي الناس، مع التأكيد مرة أخرى أن طرحي للأمر هنا هو من قبيل السؤال المعرفي ليس إلا .. من المهم معرفة حقيقة الواقع كما هو بالضبط، و تصحيح ما يستحوذ في وعي الناس من معتقدات و أفكار خاطئة، و كشف ما لا زال غامضا أو ملتبسا أو عصيا على الفهم..
  • كنت قد صرت أحمل يقينا أن لا وجود للأشباح إلا في وعي الناس، و في زيارة لأسرتي و دارنا في القرية أثير ما هو غامض و يلقي الحيرة و السؤال .. ففي أول يوم الزيارة، و قبل أن أنام بمعية أفراد أسرتي، سمعت وقع خطوات، و ركض، و حركة نشطة على سقف الديوان الذي ننام فيه .. تتالت تعليقات الأهل .. واحدا يقول: “ندّروا” و آخر يجيب: “وقتهم”، و ثالث يعلق: “دروا أنه بدأ موعد نومنا”، و رابع يقول: “الحين زامهم” .. كان أهل البيت قد تعودوا و تعايشوا مع هكذا وضع، فيما أنا وجدتها فرصة لاستكشاف الأمر و أعيش التجربة بنفسي..
  • كان اللافت و الأهم بالنسبة لي أنني ليست وحدي من يسمع ما أسمع، بل كلنا نسمع و بالتفاصيل .. أي حركة نسمعها جميعنا .. ليس فينا واحد يسمع ما لا يسمعه الآخرين .. كنّا نسمع ركض أشبه بركض أطفال يلعبوا على السقف .. تلتها حركة نشطة و كأنها ذهاب و إياب لبعض الأفراد على ممشى السقف .. ثم وقع خطوات ثقيلة جدا، تبدو و كأنها لشخص ثقيل الحجم، تستطيع أن تعد خطواته و هو يمشي .. الحقيقة لم أشعر بالخوف، بل شعرت إنها فرصتي لاستكناه الأمر بنفسي، و معرفة ما يحدث و سببه..!!
  • سألت شقيقي عبد الكريم من متى يحدث هذا الأمر الغريب..؟! فأجاب:

– أكثر من شهر..! يتكرر بشكل يومي .. ما ان نهم بالنوم حتى نسمع هذه الاصوات، احترت كثيرا و لجأت إلى عدة حيل لمعرفة السر و حدوث هذا الأمر الغريب .. استشرت عدة اشخاص ممن اثق في رأيهم و لم تكن اجابة أي منهم مقنعة أو مفيدة..

  • و يضيف:

– لجأت لشخص يدعى بـ “السيد” لكن ما قاله لم يكن مقنعا .. لجأت الى عدة اساليب و حيل عملية لرصد ما يحدث و كشفه .. ذررت رماد على السقف لعلي اجد اثر لقدم او لمرور أي شيء و لكن دون جدوى .. حاولت أن أضع صاعق قنبلة و خيط يمكنه أن ينفجر بمرور أي جسم، فأنفجر عن طريق الخطاء فوق أمي..! و في كل حال لم اصل الى نتيجة تستحق شيئا من التعويل أو الاهتمام .. عندما أنزل من السقف للنوم، و ما ان اغلق باب الديوان لننام نسمع ما تسمعه الآن .. أذهب لأستطلع الامر و لا اجد شيئا مما أبحث عنه .. افتش كل الأمكنة في الدار و لم أجد أي أثر لأي شيء غير عادي..

  • بعد شرحه لما فعله، زاد شغف فضولي المعرفي المتحفز لتفسير ما يحدث..!! وجدت من المهم أن اعتمد على تجربتي و حواسي، و محاولة استكشاف الأمر بنفسي .. حملت بندقيتي، و عمّرتها، و صارت جاهزة لإطلاق الرصاص، و وضعت أصبعي على الزناد .. تسللت إلى السقف و مكثت مدة ساعة أرقب الأمر..
  • لم أرَ شيئا..!! لم أسمع شيئا غير طبيعيا، بل كان الصمت يلف المكان..!! السكون يسود و يطغى .. أعود إلى الديوان أسمع كل شيء أنا و أسرتي.. أعود مرة ثانية إلى السقف لا أسمع شيئا، فيما أسرتي التي في الديوان يرقبون الأمر معي من مكانهم، و لم تنقطع الأصوات التي في السقف عنهم..
  • أضيء الكشاف .. أفتش السقف، و كل ما له صلة فيه أو لصيقا به، و لكني لم أجد شيئا، و لم أسمع أكثر من حركتي و أنفاسي التي أحاول خفضها و تعويضها بمجال أوسع لصالح السمع .. أنزل مرة أرى إلى الديوان فاسمع ما يسمعه الجميع .. أعود فلا أسمع و لا أرى شيئا .. حيرة بلغت حد أغرقتني في الذهول..
  • شعرت بفشلي المؤكد، غير أن فضولي ظل متحفزا، يرفض الاستسلام، و يتوق لمعرفة ما هو غامض .. انتظر قليلا في الديوان و ما أن أسمع بركضة في السقف أهرع إليه بسرعة و كأنني أريد ان ألحق ما أريد اكتشافه أو القبض عليه متلبسا .. أعود بتحدي أكثر و بحب و شغف معرفي و عناد مثابر .. فلا أجد ولا أرى شيئا غير طبيعي في السقف .. أمكث بعض الوقت حد الملل و السأم و لم ألحظ أي شيء، و لم أسمع إلا صمت مطبق كصمت المقابر .. أفتش كل شيء في الدار و لا أجد و لا أسمع شيئا .. و أتسأل بحيرة: كيف أكون بالسقف و لا أسمع شيئا، فيما لا تنقطع الأصوات عمّن هم في الديوان..؟!
  • أعيتني الحيلة و أعجزتني الوسيلة لاكتشف شيئا ما .. كنت شغوف لأعرف شيئا يفسر الأمر .. كانت دوافعي معرفية أكثر من أي شيئا آخر .. لم أنس فرضية أو احتمال إلا و وضعته في الحسبان .. لم أترك احتمال إلا و اختبرته .. أريد أن أعرف السبب لأبدد حيرة استولت على تفكيري، و بدلا من إزالتها كبرت حيرتي و استغرقني الذهول..
  • لاذ أحد أقربائي إلى الطلاسم و التعاويذ و بعض من الذكر، غير إن الأمر أشتد يومين حتى بتنا و كأننا نغالب قدر يريد إخراجنا من منزلنا بالقوة تحت تأثير الرعب و الهلع .. رفضنا الخروج .. قاومنا احتلال مسكننا بإصرار عنيد .. لم نتخلِ عن قيد أنملة منه.

 كان الرعب يشتد، و لكن كنا نواجه هذا الرعب باستحالة الخروج مهما اشتدت و بلغت كلفة البقاء في منزلنا .. إنه العنوان الأول لأبجديات وطن يستحق الدفاع .. كانت لا تزال تلك العبارة على منصة الاستعراض العسكري في الميدان الأسود بالكلية العسكرية شديدة الحضور في نفسي و أعماقي: “وطن لا نحميه لا نستحقه”.

  • بعد يومين أو ثلاث أيام من صمودنا العنيد زالت صناعة الخوف .. أنتهى كل شيء لصالحنا .. كسبنا الحرب و انسحبت الأشباح و قد خسرت حربها معنا .. و بقي غموض تلك التجربة يحتاج إلى علم و بحث و معرفة..
  • ظل غموض ما مررنا فيه من تجربة قائما إلى اليوم، و بقيت الأسئلة بالنسبة لي دون جواب..!! لم أجد منطق يسندني أو تفسير مقنع يشفي حيرتي عن حقيقة ما حدث .. بقي السؤال الرئيس بالنسبة لي دون جواب .. ماذا الذي حدث و كيف..؟!

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416

زر الذهاب إلى الأعلى