أهلاً بكم في الموقع الإخباري الأول في اليمن ، موقع يمنات _ yemenat.net

أخبار وتقاريرإختيار المحررالعرض في الرئيسة

قصّة “بيت بوس” أو أوراشليم اليمن التي دمّرتها الحرب

يمنات

عبير محسن

القبائل و الجماعات التي شاركت في بناء المدينة هي قبائل عربية يمنية تؤمن باليهودية، و لا تزال آثارها هناك. بيت بوس و قصصها و تاريخها الغنيّ، كل ذلك الآن مهدد بالاندثار، و ليس من يسمع…

“نحن سبعة أفراد و لا نملك سوى ثلاثة لُحف لا تكفينا أو تحمينا من البرد”…

كنت أفكر في اللحظات التي كان ينطق بها أحد أطفال القرية ذو السبعة أعوام بهذه الكلمات مسترسلاً في قصة معاناته اليومية التي تبدو بلا نهاية. كيف كان يجدر أن يكون شكل حياته..؟ و ماذا يفترض أن يكون أكبر همومه إن كان في أي بلد في العالم غير اليمن..؟ يشير بيده إلى أعلى قاطعاً حبل أفكاري، “الليل فوق بارد و الرياح لا تهدأ و والدتي ترقد في إحدى الغرف غير المجهزة. تحتاج أمي إلى عملية طارئة لعينيها و أنا و والدي نبيع (البَلَسْ – تين شوكي) كي نجمع قيمة هذه العملية”.

بيت بوس مساكن مهجورة

يتحدث هذا الصغير عن منزل لجأ إليه مع عائلته بعدما هجره سكانه الأصليون، لأنه لم يعد صالحاً لتلبية احتياجات الفرد في الوقت الحاضر و أغلب الخدمات إن لم تكن كلها لا تصله بسبب وعورة الطريق المؤدية إلى هذه القرية. هذا المنزل و غيره من المنازل الواقعة على الأطراف الأولى لقرية بيت بوس تحتضن أسراً مشردة أوت إليها، بعدما اضطرت إلى ترميم بسيط و سطحي لبعض هذه المنازل التي ما زالت صالحة للعيش بشكل نسبي، فيما هدمت عشرات الأبنية و البيوت كلياً. و لم يكن أمام هذه العائلات خيار آخر سوى القبول بالمنازل كما هي، حتى لا تتوسد أرصفة الطرق في زمن الحرب هذا.

ترك يمنيون كثيرون منازلهم أو تم تهجيرهم عنوة و شُردوا في مختلف المناطق. و بلغ عدد النازحين داخلياً حوالى 4 ملايين شخص بحلول نهاية عام 2019 بحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة.

أما هذه القرية فقُرنت في الروايات باليهود، إذ تقول مراجع إنها كانت خاصة بهم لكنهم كانوا متجاورين مع المسلمين و سميت القرية بهذا الاسم نسبةً إلى الجد “ذو بوس بن سحر بن شرحبيل””، ويقال أيضاً نسبة إلى اليهودي “بوس” أول من سكنها و عمرها. فقد هجرها سكانها الأصليون بعدما بدأ منفذ الماء الوحيد يجف، و هو عبارة عن سد ضخم كبير يحجز الأمطار و يدعى سد كمران. و استمر الحال هكذا حتى عصر الإمام الهادي الذي اقترح على اليهود بيع أراضيهم بصكوك و بصائر مؤرخة مقابل نقلهم إلى تجمعات أكبر في صعدة و ريدة و باجل بعدما تضاءل عددهم كثيراً، جراء الهجرات الخارجية إلى فلسطين. فكر الإمام الهادي بتجميعهم لتتسنى لهم إقامة صلواتهم و أعيادهم و تقاليد السبت، فوافق يهود بيت بوس على ترك المنطقة و بالفعل انتقلوا إلى صعدة.

مساكن اليهود حصن المشردين

حصن بيت بوس أحد الشواهد على تعاقب الحضارات التاريخية العريقة على اليمن و هي قرية تقع في الجنوب الغربي من العاصمة صنعاء و يعود بناؤها إلى القرن 18 قبل الميلاد، تمتد القرية على مساحة جبلية يبلغ طولها قرابة نصف كيلومتر، و تتكون من نحو 200 بيت مبني من الحجر الأحمر من طبقات عدة، و تم تشييده على قمة الجبل من أحجار الجبل نفسه و هذا دليل آخر على التمايز المعماري لدى اليمني الأول الذي كان ينحت أعالي الجبال مساكن له، “تحصناً”، و يترك الأودية للزراعة و الرعي. من يحدّق بهذه القرية من بعيد يخيل له أنها قوس رباني مشيد بطريقة مدهشة، فلا منافذ فيها من الشمال، الشرق و الغرب، لها منفذ وحيد في الجهة الجنوبية حيث كانت توجد بوابة خشبية اختفت قبل سنوات كما يروي أحد سكان القرية. كانت مثالية جداً للتحصن ضد العدو الخارجي على مدى الحضارات التي مرت عليها و استخدمت أحياناً معتقلاً لشخصيات مهمة أو شديدة الخطورة.

هذه القرية الآن تأوي قرابة 33 عائلة من مختلف المحافظات المتضررة جراء الصراع القائم في اليمن منذ خمس سنوات.

خطر محدق

تتميز القرية على رغم قدمها بتنظيم مدني لافت و تقسيم حديث لشؤون الحياة، فأسواقها المتخصصة على طول القرية في الأطراف تعكس النهضة و التطور التي ألفهما اليمني في وقت مبكر. هذه الأسواق دُمرت منذ سنة بعدما صمدت قروناً أمام تجاهل الجهات المسؤولة التي سمحت لعوامل التعرية بأن تنهشها و تنال منها قبل أن يتم اكتشاف خبايا التاريخ التي توارت خلف تعرجات أحجار القرية.

جاءت الحرب لتهدد المكان مرة أخرى بعدما أحيته هذه الأسر، فقد استهدفت المنطقة طائرات التحالف العربي، و برر التحالف هذه الجريمة بوجود معسكر قرب المكان و هذا خرق للاتفاقية التي أقرها المؤتمر العام للأمم المتحدة في باريس عام 1972 و التي تنص في المادة 6 في الفقرة 3، على تعهد كل من الدول الأطراف في هذه الاتفاقية على ألا تتخذ متعمدة أي إجراء من شأنه إلحاق الضرر بصورة مباشرة أو غير مباشرة بالتراث الثقافي و الطبيعي الواقع في أقاليم الدول الأخرى الأطراف في هذه الاتفاقية.

و في المادة 4 من اتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح، وفق الفقرة الأولى، فإن الأطراف السامية تتعهد باحترام الممتلكات الثقافية الكائنة سواء في أراضيها أو أراضي الأطراف المتعاقدة الأخرى، و ذلك بامتناعها عن استعمال هذه الممتلكات أو الوسائل المخصصة لحمايتها أو الأماكن المجاورة لها مباشرة لأغراض قد تعرضها للتدمير أو التلف في حالة نزاح مسلح و بامتناعها عن أي عمل عدائي إزاءها.

كلب السفير الألماني وكنز بيت بوس

“كان هنالك كنز مدفون هنا اكتشفه كلب السفير الألماني الخارق” هكذا يقول أحد شبان هذه القرية الآتي من (محافظة الحيمة) بعدما اشتدت الحرب في منطقته و انقطعت سبل العيش، “قبل 20 عاماً تقريباً جاء السفير الألماني و حاشيته في رحلة استكشافيه للمكان و كان معه كلب مدرب قام بكشف وجود الكنز في جدار هذا المنزل و عندما حفروا وجدوا كمية من الحلي و المجوهرات التي كانت دفنت هنا منذ مدة طويلة”. لم تكن عملية الاستكشاف هذه تحت رقابة الحكومة اليمنية بحسب ما يقول لنا هذا الشاب الذي سمع بقصة الكنز فور وصوله إلى المنطقة..

كتابة حميرية واندثار

قبل عامين كنت أجلس هنا أستمع لبعض الموسيقى المحلية عبر الراديو، و فجأة تم تدمير السوق” يروي لنا شاب نازح شهد تحطم سوق القرية المصمم على امتداد طولها، و الذي كانت دكاكينه مقسمة بحسب الخدمات التي تقدمها، و كان أصحاب القرية يتجمعون يوم الأربعاء من كل أسبوع للشراء و البيع كمهرجان صغير جرت العادة على إقامته منذ نشوء هذه القرية.

لم تهتم الدولة بالمنطقة منذ عصر الطاهريين، و صارت القرية منسية و مستثناة من الدراسة و التنقيب، على رغم الغموض والأساطير التي تحاك حول هذه المنطقة، أبرزها الدراسات التي أجراها عدد من الأشخاص منهم الباحث فاضل الربيعي (عراقي الأصل)، الذي قدّم مؤلفات لتصحيح التاريخ بحسب قوله. شكلت مؤلفاته حلقة أوسع و قراءات أعمق في علاقة الدين اليهودي و تاريخه في جزيرة العرب عموماً، و اليمن خصوصاً، و هو يعتمد في أبحاثه على التوراة المكتوبة باللغة العبرية من خلال مطابقته بين النص التوراتي و الحدث التاريخي و حركات الكلمات ما بين اللغة العبرية و اللغة العربية، و كذا روايات الهمداني “الإكليل و صفة جزيرة العرب” و غيرها من المراجع التاريخية. و في مؤلفه “القدس ليست أورشليم” طرح فكرة أن القدس و أورشليم ليستا المكان ذاته، بل إن أورشليم المذكورة في التوراة التي عاد إليها المنفيون و باشروا أعمال البناء في أسوارها المهدمة هي بيت بوس اليمنية.

و تتجلى المفارقة الكبرى حين ندقق في قائمة أسماء القبائل و الجماعات التي شاركت في بناء المدينة؛ فهي قبائل عربية يمنية تؤمن باليهودية، لا تزال آثارها هناك.

بيت بوس و قصصها و تاريخها الغنيّ، كل ذلك الآن مهدد بالاندثار، و ليس من يسمع.

المصدر: موقع درج

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416

زر الذهاب إلى الأعلى