ثورة 26سبتمبر.. والدستور المؤقت الأول
يمنات
محمد ناجي أحمد
مع انتصار ثورة 26سبتمبر 1962 كان اليمنيون يعلنون من خلالها سلطة الشعب ، وينظمون هذه السلطة من خلال مبادئ وأهداف ومواد دستورية ، أصبح الحاكم دستوريا هو الشعب ، والموظف العام في أي موقع من رئاسة الدولة إلى الحكومة إلى كبار موظفي الدولة مكلفين بخدمة هذا الشعب وفقا لنص الدستور المؤقت الصادر في 13أبريل 1963م، والمنشور في الجريدة الرسمية في 8مايو 1968م.
صدر الدستور المؤقت “باسم الشعب اليمني العريق” وحدد بشكل واضح أن ثورة 26سبتمبر 1962 هي ثورة الشعب اليمني الذي قام بتحطيم ” الظلم والطغيان والاستعباد . ودك معاقل وأوكار الرجعية والفساد والاستبداد ، واستخلص إرادته حرة طليقة غداة النصر الذي حققه بثورة 26سبتمبر سنة 1962م”.
في مقدمة الدستور المؤقت تتحدد الأهداف الكبرى للثورة السبتمبرية بـ:
بناء مجتمع يسوده الأمن والاستقرار والرخاء …مجتمع تسوده الأخوة والمحبة والتعاون…يكون فيه المواطنون جميعا سواء لدى القانون متساوين في الحقوق والواجبات العامة…لا تمييز بينهم بسبب الجنس أو الأصل أو السلالة أو اللغة أو العقيدة أو المذهب …وعملا بمبادئ الدين القويم الذي استهجن الاعتزاز بالأحساب والأنساب…
بناء مجتمع تسوده العدالة الاجتماعية …وإقامة جيش وطني قوي يكون درعا لليمن والأمة العربية…وإقامة حياة نيابية تتحقق بها سيادة الشعب باعتباره مصدر السلطات.
وأن ثورة 26سبتمبر ثورة وطنية تسعى لتحقيق الوحدة العربية، وهي جزء من الثورة والكيان العربي “باسم الشعب اليمني العربي: الذي استقر في ضميره أن الوحدة العربية قد أصبحت حقيقة الوجود العربي ذاته من واقع وحدة اللغة التي صنعت وحدة الفكر والعقل…ومن واقع وحدة التاريخ التي صنعت وحدة المستقبل والمصير”.
وانطلاقا من حقيقة أن الوجود اليمني: “جزء لا يتجزأ من الكيان العربي” ينص الدستور المؤقت الصادر في 13ابريل 1963 والمنشور في الجريدة الرسمية 8مايو 1963م على أن :
اليمن جمهورية عربية مستقلة ذات سيادة والشعب اليمني جزء من الأمة العربة.
وينص في مادته الثانية على أن ” الشعب اليمني يحكم نفسه بنفسه وهو مصدر جميع السلطات.
وتنبه الدستور المؤقت لخطورة استخدام الدين في الاستئثار بالحكم باسم الدين ومفسري وشراح الدين فلم ينص على الشريعة الإسلامية كمصدر وحيد للقوانين ،مكتفيا بالنص على أن ” الإسلام دين الدولة ، واللغة العربية لغتها الرسمية” لكن الانقلاب على الدستور المؤقت بفعل ضغوطات مؤتمرات القوى المضادة للثورة، التي تتلفع بالإسلام ،فقد تمت إضافة “الشريعة الإسلامية مصدر القوانين جميعا” وذلك في الدستور الدائم الصادر في إبريل عام 1964، أو الدستور المؤقت الثاني رقم 37لعام 1965م،وصولا إلى استلام قوى خمر ، وتأسيسهم لجمهورية 5نوفمبر 1967م، والذي نصت في الدستور المؤقت الثالث والصادر في 25نوفمبر 1967على أن ” الإسلام دين الدولة والشريعة الإسلامية مصدر القوانين جميعا” فهذه المادة هي السمة والرافعة السياسية لقوى الثورة المضادة، التي تدير السلطة باسم السماء ، وتشرع القوانين التي تخدم وتعزز من هيمنتها وثروتها وتفردها بشئون وحيات الناس باسم الله، ولهذا كانت معركة رفض دستور الوحدة عام 1990م، والاستفتاء عليه عام 1991 معركة مصيرية وليس قصورا في الوعي بالنسبة لهذه القوى، التي استطاعت من خلال الاعداد وتفجير وخوض حرب 1994م أن تنقلب على دستور الوحدة الذي نص على أن الشعب مصدر السلطات جميعا وإن الشريعة الاسلامية مصدر من مصادر التشريع ، لتعاد مادة “الشريعة الإسلامية مصدر القوانين جميعا” كإرث سلطوي لقوى خمر وجمهورية 5نوفمبر، كونها قوى تحالف وتجمع للمشيخ السياسي والعسكر والإسلام السياسي والتجار، وهو التحالف الذي أعلن واتخذ لنفسه اسم (التجمع اليمني للإصلاح)بعد قيام الوحدة اليمنية عام 1990م…
الصراع الذي كان لافتته “الشعب مصدر السلطات” أو “الشريعة الإسلامية مصدر القوانين جميعا” ليس صراع ترف أو عبث أو عدمية أو قصورا في الوعي ، إنه صراع طبقي في محمولاته السياسية والاجتماعية.
فالصراع هنا ليس بين السماء والأرض ، ولا بين الله والإنسان، وإنما بين أولئك الذين حولوا الدين إلى “وثن” يستلبون من خلاله غالبية الشعب اليمني ، ويستعبدونهم باسم الله. استلاب للأجساد والأرواح في آن.
ينص الدستور المؤقت الأول على أن الحرية والأمن والطمأنينة وتكافؤ الفرص تكفله الدولة لجميع اليمنيين …وأن تنظيم الاقتصاد وتخطيطه يكون وفق مبادئ العدالة الاجتماعية ،وتنمية ورفع مستوى المعيشة للشعب…
وعلى ألاَّ يضر الاقتصاد الخاص بمصلحة المجتمع أو يخل بأمن الناس أو يعتدي على حريتهم أو كرامتهم …”تعمل الدولة على أن تيسر للمواطنين جميعا مستوى لائقا من المعيشة أساسه الغذاء والمسكن والخدمات الصحية والثقافية والاجتماعية …وأن الوظائف العامة تكليف وخدمة للشعب، فالموظف العام خادم للشعب. وانه لا جريمة ولا عقاب إلاَّ بنص، ولا عقاب إلاَّ بعد محاكمة عادلة ” ينظم إجراءاتها ويكفل الدفاع عنها قانون تتوافق أحكامه مع مبادئ الشريعة الإسلامية الغراء” وهنا نجد الدستور المؤقت الأول يحيل إلى مبادئ إسلامية وليس إلى شريعة يهيمن عليها الشراح والمفسرون!
وينص الدستور المؤقت الأول على أن ” التعليم حق لليمنيين جميعا تكفله الدولة بإنشاء مختلف أنواع المدارس والمؤسسات الثقافية والتربوية”.
وأن” الرعاية الصحية حق لليمنيين جميعا تكفله الدولة بإنشاء مختلف أنواع المستشفيات والمؤسسات الصحية…”و
وأنه لا يجوز لرئيس الجمهورية وأعضاء الرئاسة والوزراء ونواب الوزراء أثناء توليهم مناصبهم أن يزاولوا مهنة حرة أو عملا تجاريا أو ماليا أو صناعيا أو أن يشتروا أو أن يستأجروا من أموال الدولة أو أن يؤجروها أو يبيعوها شيئا من أموالهم أو أن يقايضوا عليه.
وينص الدستور المؤقت الأول الصادر في القصر الجمهوري 13ابريل 1963م على أن ” القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون…والقضاة غير قابلين للعزل وذلك على الوجه المبين بالقانون .
و”تصدر الأحكام وتنفذ باسم الشعب”…
لهذا ينبغي التأكيد على أن الصراع الذي دار ويدور حول “الشعب مصدر السلطات” وأن الأحكام تصدر وتنفذ باسم الشعب، أو ” الشريعة الإسلام مصدر القوانين جميعا” وأن الأحكام تصدر وتنفذ باسم الدين لم يكن صراع أفكار تهويمية بل صراعا اجتماعيا سياسيا ، إنه صراع بين قوى التسلط التي تراكم استبدادها وثرواتها من خلال استلابها لحرية وجهد غالبية الشعب اليمني وبين سلطة الشعب الذي ثار في 26سبتمبر معلنا سلطة الشعب وحكم الشعب نفسه بنفسه، وأنه مصدر القوانين جميعا…
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.