فضاء حر

ابو الروتي

يمنات

عبد الكريم الرازحي

بعد ان ادرت ظهري للولد العدني ولدراجته شعرت بضئالتي انا القروي القادم من القرية ،و داهمني شعور بالخوف من المدينة، ومن ناسها الذين كانوا يمرون من جنبي مرور اللئام ،فلا يتوقفون للسلام ولا للكلام .

كنت اسلم عليهم فينزعجون من سلامي، ولايردون السلام .وحين أستوقفهم واسألهم عن فرن ابن عمي عبد الله عبده حميد لايتوقفون ،ولايردون على اسئلتي ،ولايعيرونني اي اهتمام .وانما كانوا يهشونني كالذبابة من امامهم، ويزحموني ويبتلعوني في الزحام مثلما يبتلع احدهم حبة اسبرين.

وفي سوق الطويل الذي طال وصار اطول مماهو عليه كان شعوري بالضياع يقوى كلما تراخت قبضة الشمس ومالت الى الغروب.

بعدئذ وقد راحت الشمس تتوارى وتغطس مثل جمرة في مياه البحر شعرت كما لوان ليل المدينة بئر اغطس فيه ،ولاامل لي في الخروج منه .

وعلى الرغم من سطوع شمس الكهرباء التي انارت الشارع والحوانيت ووجوه المارة الا اني لحظتها كنت ارى الشارع مظلما، والحوانيت مظلمة ،ووجوه المارة والمدينة كلها مظلمة ، وكان الظلام يحيط بي من جميع الجهات لاشيئ اراه واضحا سوى الضياع ،ضياعي.

وفيما كنت اخبط خبط عشواء بحثاعن درب العودة تذكرت قريتي وندمت على مغادرتها ،واجتاحتني رغبة عارمة في العودة اليها ،ورحت وانا اواصل البحث عن الشارع الذي اضعته استحضر روح جدتي التي تخلت عني، وقذفت بي الى المدينة مثلما كانت تقذف بي وعمري خمس سنوات الى البركة لاتعلم السباحة.

كانت قدقالت لي وهي تودعني بان جدي علي اسماعيل سوف يكون في استقبالي وسوف يستقبلني اخوالي محمد وعبد الوهاب واخوتي الثلاثة سيف وعبد الحليم وعبد الحكيم وبأني لن اضيع .

لكن شعوري بالضياع تعاظم عندما تذكرتُ ان لااحد من هؤلاء استقبلني، او زارني، اوسال عني .

كنت قد اشتقت اليهم من قبل السفر وسالت عنهم ليلة وصولي سالت عن اخي الكبير سيف فقيل لي بأنه في العيدروس ولم اكن اعرف ماهو العيدروس!وهل هو اسم رجل! ام اسم فرن! ام انه اسم لشارع اومنطقة!.
سالت عن عبد الحليم !فأخبروني بأنه يشتغل عند النصارى في منطقة بعيدة اسمها التواهي .وحين سالت عن اخي عبد الحكيم قيل لي بانه يشتغل عند جدي في منطقة اسمها الخساف.

وكانت معلوماتي عن جدي علي اسماعيل هو انه الوحيد من قريتنا لديه بنجلة ولم اكن ادري ماهي البنجلة
لكني بعد مرور اربع ساعات على ضياعي،
ولشدة احساسي بالضياع انفجرت ابكي ورحت اسال الناس الذي تحلقوا حولي عن بنجلة جدي علي اسماعيل وكان لدي يقين بأن شهرة جدي في عدن توازي شهرة جدتي في القرية وان الكل يعرفه ويعرف البنجلة.

لكن الناس الذين تحلقوا حولي صدموني بكلامهم ..جميعهم قالوا بأنهم لايعرفون من هو جدي، وانهم لم يسمعوا به ولاببنجلته .

ثم ترامى الى مسامعي صوت احدهم يقول لي :
– انا اعرف جدك علي اسماعيل تعال معي .
وعندها لشدة فرحي رحت اكفكف دموعي وامضي خلف الرجل الذي قال لي بانه يعرف جدي ويعرف البنجلة
وفي الطريق سالني : كم معك فلوس ؟
قلت له : خمسة شلن
قال : هاتها اركبك تاكسي لاعند جدك .
وكانت تلك الشلنات الخمس قد اعطتني اياها جدتي وهي تودعني ومعها اعطتني ايجار السيارة من الراهدة الى عدن .
اعطيته الخمسة الشلن ووقفت انتظره في ناصية الشارع ريثما يحضر التاكسي وكنت بيني ونفسي مغمورا بالفرح لسببين:
احدهما:ان الرجل يعرف جدي علي اسماعيل
والثاني :هو انني ساركب تكسي لاول مرة في حياتي
لكني وبعد مرور وقت من الانتظار ادركت بان الرجل نصب علي
وحينما سالت احدهم عنه صاح فوقي وقال لي :
– ليش جبت له الخمسة الشلن !!
قلت : حق التكسي
قال :ايش من تكسي!! لو يشتي تكسي التكاسي مليان هذا نصاب شافك اهبل وزاد علوك !!

وبعدان يأست من عودة رجل التكسي وفقدت الامل في العودة الى البيت لمحت شخصا طويلا يمرا امامي في سوق الطويل وقد عرفت لحظة لمحت صورته انه من قريتنا.. وعندما لحقت به واقتربت منه عرفت انه “شُبَاطَة ”
ومن شدة فرحي جريت نحوه اسلم عليه :
– السلام عليكم ياشباطة
– وعليكم السلام
وبدا شباطة مندهشا يحملق في وجهي بفضول وكأنه لم يعرفني
قلت له : موماعرفتناش !!
قال : منوانت ؟
قلت له : انا بن ثابت حميد
قال : انت محمد!
قلت : لا، انا عبد الكريم
قال لي وقد تذكرني :
– هاااا انت عبد الكريم “المُمْخِطْ ”
وشعرت لحظتها كمالوانه صفعني بجزمة.

من حائط الكاتب على الفيسبوك

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى