العرض في الرئيسةفضاء حر

ارشيف الذاكرة .. مدين لناجي بكل جميل

يمنات

أحمد سيف حاشد

عضو الهيئة الإدارية للجمعية عبدالله بشر جازم ـ عضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي والوكيل في وزارة التخطيط، ومعه عضو الهيئة الإدارية والقيادي في حزب الإصلاح أحمد علوان مفلح اقترحا في اجتماع الهيئة أن أرأس تحرير نشرة الجمعية المسماة “القبيطة” إلى جانب مهمتي كأمين عام الجمعية.. أظن أنهما تداولا في الأمر قبل الاجتماع واطمئنا إليه دون أن أعلم، وربما كان الاقتراح دفعا لاحتمالات ومخاوف مما هو أسوأ..

دعم الاقتراح وأيده بحماس رئيس الجمعية محمد عبد الرب ناجي.. لا أتذكر إن هناك من عارضه.. بديت محل وفاق على الأرجح، حتى وإن كان قد أخباء أحدهم مشاعره، وأمتعض أخر على نحو غير معلن بسبب فوات ما كان يطمح إليه.. ربما كنت حينها الممكن، أو الخيار الأفضل الذي سيتم الاتفاق عليه..

بالنسبة لي بدأت المسؤولية أكبر جسامة، وأحسست أن التحدّي القادم يلزمه بذل جهد كبير وتفاني يصنع فارقا يجب أن يراه الناس.. لقد حدثت نفسي يومها:
– يجب أن أشد الحيل على نحو لا يعرف نكوص أو تراخ.. يلزمني أن أستنفر طاقتي وكل قواي.. أستصرخ إرادتي بدرجة قصوى.. أكون جديرا بالثقة لمن أعطوني أصواتهم ووثقوا بي.. أن أكون عند حسن ظن من سلّموني مقود القيادة لأكون الرجل الثاني في ربّانها.. من الأهم أن أثبت جدارة واقتدار واستحقاق للمكان الذي اشغله في الجمعية ونشرتها.. من المهم أن أستحث وأستجمع شروط وعناصر النجاح الذي أروم..

ها أنا أشق الطريق وأتمكن من العبور.. أصعد الدرج إن استحال صناعة المصعد.. ها هو الباب الذي أخبر عنه نجيب محفوظ ينفتح على مصرعيه.. صنعتُ الفرصة التي لطالما حلمت بها، أو بحثت عنها حتى وجدتها بعد أن كاد اليأس يدركني يوما ويضعني بين قبضتيه.. ها أنا أخطي خطوة أخرى في مشوار الألف ميل.. شيّدت مدرج المطار الذي سأقلع منه إلى وجهتي نحو محطة الوصول الأولى، قبل الانطلاق إلى محطة جديدة..

الحقيقة أن من أهم الشروط والعناصر التي اتكأت عليها واستندت إليها هو رئيس الجمعية الأستاذ محمد عبد الرب ناجي.. إداري ممتاز.. عملي قلق وفاعل.. متميز ومتابع حثيث ويجيد إيصال ما يريد.. نبي في النزاهة وعفة اليد.. أصيل ومعطاء وممتلئ.. كتله من النشاط المثابر.. والأهم أنه منحني ما احتاجه من مساحة لأبادر وأبدع وأمارس وجودي الكامل دون نقصان.. اتاح لي كل ممكن لأكتشف قدراتي، واستحث طاقاتي واطلق لها العنان.

نجاح مستمر لفريق ساعدني وساندني وآزر جهودي.. رصيد ماض أعتز به، وسمعة احتفي بها، ورضى رمته وتقت إليه.. جميعهم كانوا معي سندا وعونا..

محمد عبد الرب ناجي كان قائدا فذا وأستاذا يستحق الثناء والتقدير.. صرت أحد طلابه وتعلمت منه كيف أكون رجل عملي، وشعلة من النشاط لا تهمد ولا تخمد.. إليه إدين بمعظم نجاحي خلال سنوات عملي معه في عمل الخير وما ظفرت به من نجاح آنذاك.. قليلون هم رؤسائي الذين أحببتهم بصدق، وأحسست أنني أنتمي إليهم وإلى مدارسهم التي عشقتها.. محمد عبد الرب ناجي الذي لديه حكم واجب النفاذ بخصوص تسوية راتبه التقاعدي ولم تنفذه كل السلطات التي تعاقبت على حكم هذه البلد خلال أكثر من خمسة عشر عام ماضية..

ناجي صار قدوتي وملهمي وجزء من ذاكرتي التي ألوذ إليها واستعين بها كلما أدركني الوهن.. لازال صوته يرن في مسامعي وهو يقول “نشتي عمل.. نشتي عمل”.. شهادة صادقة لم تستطع الأيام وتقادم السينين وتبدل الظروف أن تنتقص منها، رغم ما اعترى الأيام من التبدلات والتغيّرات وحتى الانقلابات..

بدينا ثنائي مائز.. توأمين تجمعنا حميمية العمل والإنجاز وصداقة الكبار.. جمعنا إخلاص وقيم ومبادئ تستحق بذل الجهد والتفاني والتحدّي في مواجهة صعوبات لطالما غالبناها ومعنا فريق عمل منسجم ومخلص ومتفاني حتى جعلنا المُستصعب والمستحيل يتفتت تحت أقدامنا كحجر جير رملي..

مع ناجي كنت دوما أشعر بالأمل والتفاؤل في وجه كل صعب ومستحيل.. تسمع وهو معك صهيل خيول جامحة قلقة لا يستريح لها حال ولا يهدأ لها بال إلا بهزيمة المستحيل.. تعدو وتركض بين جوانحه المتحفزة أحصنة لا يروضها إلا مزيد من العمل الجاد والمنجز، والجهد المثمر والمثابر.. كان لاحتشاد الطيبين والتفافهم حولنا واستمرارهم معنا الدور الأساس في نجاح صنعه الجميع، ودونهم ما نجحنا وما وجدنا ديمومة أو نجاح..

***
يتبع..

زر الذهاب إلى الأعلى