السعودية وحركة الإخوان المسلمين في الساحة اليمنية
يمنات
صلاح السقلدي
قبل يومين أصدرتْ هيئة كبار علماء الدين في المملكة العربية السعودية بياناً شديد الحِــدّة والغضب ضد التنظيم الدولي لحركة الإخوان المسلمين، ليس هو الأول الذي يصدر من المؤسسة الدينية والأمينة والسياسية السعودية، فقد أدرجت السعودية بالسنوات القليلة الماضية هذا التنظيم بقوائم الإرهاب التي تشمل جماعات دينية وسياسية وفكرية بالمنطقة ترى فيها السعودية خطرا على الدين الإسلامي بحسب، ومرّت العلاقة بينهما بمراحل من الصدام الوئام منذ عقود من الزمن. لكن البيان الأخير كان الأشد ضراوة وعدوانية ضد هذا التنظيم باستخدامه مفردات عنيفة وذات نزعة هجومية تدعو لقمع هذه الحركة (التنظيم) بوصفها جماعة إرهابية تثير الفتن والفرقة، جماعة منحرقة خارجة عن العقيدة الإسلامية تنشر الشرور في الدول وتنشر كل ما يخالف الدين الإسلامي، ولا تأبه للقرآن والسنة النبوية وتصف المجتمعات بالجاهلية، وبأن الجماعات الإرهابية خرجت من رحمها، وقائمة على منازعة ولاة الأمر والخروج على الحكام – بحسب البيان-. -العلاقة بين السلطة الحاكمة في المملكة العربية السعودية بمؤسستيها: السياسية والدينية هي علاقة تاريخية متأرجحة بين الوئام والانتقام بحسب تقارب وتضارب المصالح، علاقة محكومة بمبدأ التنافس السياسي المتدثر بالدين والعقيدة، علاقة تعود جذورها الى السنوات الأولى لتأسيس الحركة بالنصف الأول من القرن العشرين على يد الإمام حسن البنّاء في عهد الملك عبدالعزيز الذيَن ظلا على علاقة جيدة ببعضهما بعض، أو قُــل في حالة من التربص الدفين والخصام المدفون، حتى توترت علانية على خلفية ثورة اليمن الدستورية عام 1948م ومقتل إمام اليمن يحيى حمد الدين، حين تدخلت المملكة بكل ثقلها بوجه تلك الثورة التي كان معظم قادتها ومهندسوها منتمون لحركة الإخوان المسلمين، – قيادات أخوانية يمنية وعربية شاركت بتلك الثورة من أبرزهم الجزائري فضيل الورتلاني- وكان للمملكة العربية السعودية ما أرادات من ذلك التدخل حين نجحت باجهاض تلك الثورة في مهدها لمخاوف إخوانية وهواجس من ابتعاث روح الثورات والتمردات على الأنظمة الملكية، وسلمت للإمام الجديد أحمد بين يحيى حميد الدين مقاليد حكم والده الراحل.
قبل أن تعود تلك العلاقة(السعودية الإخوانية) الى سابق عهدها من الدفء والانسجام، بعد الثورة المصرية عام 1952م وبزوغ التيار القومي الناصري التحرري وقيام الثورة والجمهورية بشمال اليمن عام 1962م بدعم مصري قومي، وهو الأمر الذي أثار هلع وحفيظة المملكة السعودية من سقوط نظام ملكي على مقربة من حدها الجنوبي وقيام نظام جمهوري على انقاضه وتغلغل عوضا عنه نفوذ ناصري قومي جامح يحظى بتأييد جماهيري عربي جارف، جعل المملكة السعودية تدفع بكل طاقاتها المادية والمالية ومكانتها الدينية وتأثيرها السياسي الإقليمي والدولي لإفشال تلك الثورة ومحاربة الوجود المصري العسكري باليمن ودعم الطرف الملكي اليمني، متناسية أي السعودية الهواجس الشيعية الزيدية المزعومة، وعمدت بشكل متوازٍ على إحياء العلاقة القديمة مع حركة الإخوان في عموم المنطقة العربية ،في مصر خصوصاً للاصطفاف ضد الخصم الناصري بالداخل المصري وفي الساحة اليمنية المستعرة حينها وفي عموم الوطن العربي.
واحتضنت المملكة العربية السعودية على إثر هذا التحول كبار رموز التنظيم الإخواني من مصر وسورية واليمن وغيرها من الدول، بحفاوة ودعم كبيرين ماليا وسياسا وإعلاميا وفكريا، الى درجة أن يتم طبع أكثر الكتب الإخوانية إثارة للجدل في مطابع وزارة المعارف السعودية وتدريسها في المدارس والمعاهد السعودية، ومن بين هذه الكتب كتاب سيد قطب (معالم في الطريق) الذي يمثل أكثر الكتب صراحة للدعوة للعنف والتطرف، لتحدث من ذلك الحين اختراق إخواني هائل للمؤسسة الدينية السلفية الوهابية بالسعودية وتنشى حالة تلاقح بين الفكر الإخواني والسلفي الجهادي لينسل من بين معطفه ما عُــرف بالسرورية.
بعد أن تحول التنظيم الإخواني في نظر قيادات سعودية في ذلك العهد الى تنظيم يستحق الاحترام الدعم بحسب قولة الأمير فيصل: (الإخوان أبطال جاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم). وعلى ذات المنوال يضرب رئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة الشيخ عبدالعزيز بن باز بقوله : «أقرب الجماعات الإسلامية إلى الحق وأحرصها على تطبيقه أهل السنة وهم أهل الحديث، وجماعة أنصار السنة، ثم الإخوان المسلمون…). ومن ذلك العهد وحتى اليوم ظلت العلاقة بينهما في حالة من الودِّ الى حدٍ كبير. حتى إذا ما أتى العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين وتُـفجُـر ثورات الربيع العربي مطلع عام 2011م ويتصدر المشهد الثوري تنظيم الإخوان المسلمين بخطابه الفكري والثوري الداعي الى اقتلاع كل أنظمة الحكم الاستبدادية بالمنطقة من المحيط الى الخليج وطغى معه الشعار الإخواني الدفين: (الحاكمية لله)، شعرت معه المملكة بارتجاف الأرض تحت أقدامها وعلى تخوم حدودها الجنوبي، امتداد نيران الثورة الربيعية في اليمن، وعلى وقعها تتداعي سلطة الرئيس اليمني صالح لمصلحة خصمه حزب الإصلاح ذو الميول الإخوانية الصريحة.
ومرة أخرى وجدت السعودية نفسها أمام تحدٍ جديد في اليمن، بطله هذه المرة أيضاً تنظيم الإخوان المسلمين (حزب الإصلاح)، وتنحاز الى صف الرئيس صالح، لكن دون جدوى، فقد أصبح ذلك النظام حينها في حالة انهيار وتشظي، وكان مبلغ ما وصل إليه الإنقاذ السعودي هو صياغة مبادرة سياسية باسم (المبادرة الخليجية) لعمل تسوية سياسية بين صالح وإخوان اليمن يتقاسم فيها الخصمان السلطة بالتساوي وخروج صالح من الرئاسة ليحلُّ محله نائبه الضعيف/ منصور هادي. ولكن الأوضاع ما لبث أن تدهورت بطريقة دراماتيكية عنيفة، ويدخل على الخط لاعب محلي جديد وقوي هو الحركة الحوثية (أنصار الله) الناهضة بعنفوان من رماد ستة حروب مريرة في معقلها محافظة صعدة أبان حكم الرئيس صالح، لتتقدم بقوتها وقواها المندفعة حثيثاً صوب صنعاء ليس لاقتلاع الخصم القديم نظام الرئيس صالح الذي تم خروجه من المشهد مع احتفاظ قوته العسكرية والحزبية بشيء من التماسك النسبي ويتحالف مع هذه الحركة في فترة لاحقة من ذلك الصراع قبل أن ينفرط العُــقد بينهما بعض الشيء) بل لضرب حزب الإصلاح الإخواني الذي كان قد استحوذ على مقاليد الأمور في مؤسسات الرئاسة والحكومة مستغلاً ضعف الرئيس الجديد وتضعضع مواقف بعض رموز وأركان حكم صالح.
– وعلى وقع تقدم الحوثيين صوب صنعاء كانت الرياض ترصد المشهد بشيء من السرور المشبوب بالقلق، على أمل أن يحدث الصدام المنتظر بين خصيمها: الحركة الحوثية والإخوانية في شوارع صنعاء. ولأن إخوان اليمن ممثلين بحزب الإصلاح قد فهموا الخديعة السعودية وأدركوا خطورة الشرَك المنصوب لهم، فقد آثروا الإحجام عن الصدام مع الحوثيين وانسحبوا بصمت من كل أرجاء صنعاء وما قبل وبعد صنعاء، مفسحين المجال للحوثيين بالتمدد شرقا وغربا وجنوبا، قبل أن تتوقف ماكنتهم على الحدود السابقة بين شمال اليمن وجنوبه، لتجد السعودية نفسها في حالة ذهول حين أدركت أنها وقعت في حفرة ظنت أنها حفرتها لحزب الإصلاح ”الإخوان”، وهي ترى حركة الحوثيين قد بسطت جناحيها بكل الشمال اليمني، وهي الحركة التي ترى فيها السعودية ذراع شيعية موالية لإيران. – ومرة أخرى وجدت السعودية وهي تردد قول المتنبي: (ومن نكد الدنيا على المرء أن يرى × عدواً له ما مَـن صداقته بدُّ)..
أنّ لا بد مما ليس منه بدٌ من ضرورة التحالف من جديد مع الخصم الجديد القديم (تنظيم الإخوان فرع اليمن ممثلا بحزب الإصلاح) لمواجهة التمدد الحوثي والنفوذ الإيراني المفترض باليمن، ولإعادة الرئيس منصور هادي الى سدة الحكم في صنعاء الذي كان قد تمكن من الفرار من صنعاء الى عدن بمعية حكومته، ولإسقاط سلطة الحوثيين وحزب صالح من السلطة في صنعاء، وتعلن المملكة لهذا الغرض الحرب باليمن باسم عاصفة الحزم في أذار مارس 2015م، ومن حينها ما تزال السعودية وشركاءها بالمحليين باليمن عالقون في وسط دوامة العاصفة بعد أن تحولت الى ورطة سعودية يتشاركها خصومها المحليين والإقليميين.
وللحكاية بقية..
المصدر: رأي اليوم