اليمن بين الحرب الأهلية والسلام المفقود
يمنات
قادري أحمد حيدر
الإهداء:
إلى الصديق المهندس طيار/ عبدالملك ضيف الله، أحد شباب جيل السبعينيات الذين غادروا إلى لبنان مبكراً للالتحاق بصفوف المقاومة الفلسطينية، وممن يجمع بصورة خلاقة، بين المهنية الوظيفية المتمكنة، إلى جانب جمعه المبدع بين السياسي والثقافي.. مثقف وطني ديمقراطي حقيقي في سلوكه اليومي، يتعالى في كل ما يقول ويفعل على جميع الصغائر الما قبل الوطنية، والصغائر المادية .. نفس نبيلة، روح باذخة بالعطاء، وعقل ممتلئ بروح مغايرة.
إليه مع خالص المحبة.
*مفتتح بكائي حزين :
الادانة لجريمة المطار الارهابية، وعظيم العزاء للقتلى/الشهداء الابرياء، والتمنيات بالشفاء للجرحى.. مع أن الحكومة في ملابسات تشكيلها الموصوفة لن تحل المشاكل الحياتية للناس، وليس بمقدورها الاجابة على الأسئلة الحائرة ، منذ سنوات ست.. اتمنى أن يوحدنا موقف سياسي وطني ضد الارهاب، للعودة للسياسة، وعلى قاعدة دولة الحرية والمواطنة والحقوق.
إن الحروب هي لحظة ضعف وهزيمة اخلاقية وانسانية حين تكون عملية وحركة نحو استعمار الشعوب، أو التغلب عليها بالعنف والاستبداد على حق الغير، بالاعتداء والقتل والنهب، وهي لحظة قوة وعزة وفخار حين تكون على طريق مقاومة الاستعمار، والتحرر من الاستبداد والتخلف، ولإعلاء راية المثال الاخلاقي والانساني.. على أن الخبرة والذاكرة التاريخية للشعوب تقول لنا أن الحروب الأهلية هي من أسوأ وأقذر أنواع الحروب في التاريخ السياسي للمجتمعات والدول، لأنها في الواقع تنطوي على بعد عبثي، وعمى أخلاقي، وقهقرى إلى هاوية بدائية تكشف ضآلة الإنساني فينا.. حروب معادية للتقدم الاجتماعي في الجوهر، تحكمها مصالح ذاتية، وتقودها في الغالب جماعات فئوية : إثنية / مذهبية طائفية قبلية، أهدافها ذاتية/ شخصانية ، وجماعية تحشيدية (قطيعية)، حروب لا علاقة لها بالوطن، ومعادية في الجوهر للمصالح الوطنية العليا لكل المجتمع والدولة، ونتائجها في الغالب الأعم مدمرة لوحدة المجتمع، ومعوقة لميلاد معنى المواطنة، وضد وجود الدولة المدنية الديمقراطية.
إن الحروب الأهلية (لا تدخل ضمنها – طبعاً وقطعاً – حرب الجمهورية على الإمامة/الملكية من، 62-1969م )، هي الأكثر عنفاً ووحشية، لأنها مشحونة بطاقة كراهية مخيفة ومدمرة تفيض عن قدرة النفس السوية، والمجتمع على احتمالها، وخاصة حين تقوم على خلفية دينية، وسلالية “إثنية” قبلية / مناطقية، والأخطر حين تكون مثل هذه الحروب الأهلية ممولة من الخارج، ولكل طرف منها كفيل، تنوب عنه قوى في الداخل في حربها ضد بعضها البعض ( حروب مصالح صغيرة). وقد عرفنا في تاريخنا السياسي طيلة القرون الغابرة مثل هذه الحروب، على أنها في تاريخنا السياسي –الذي كان- كانت ، حروبا متحررة نسبيا، (أو بتعبير أدق متخففة)، من الطائفية والعنصرية المقيتة، كما أنها لم تكن في كل تاريخها مرتهنة بكليتها للخارج ومنفذة لاجنداته في داخلنا اليمني بهذا الشكل الإنقسامي الفاجع الذي نشاهده اليوم وفي شروط مناخ تطوري عالمي مغاير( وكأن لاوطن للمرتهنين للخارج/وطنهم حيث يقبع الممول وحيث تكون مصالح الجماعات الخاصة).
كان هناك – في الماضي – طرف يجد نفسه في لحظة ضعف وانكسار يلجأ للاستقواء بالخارج على الداخل المتغلب، نماذج ذلك لا تحصى/نجدها في تاريخنا القديم، والإسلامي والحديث، حتى ما نراه اليوم .
الحروب الداخلية أو الأهلية القديمة، كانت محدودة، ودون هيمنة للأبعاد السياسية الطائفية/الدينية، والعنصرية (التفوق العرقي)، وكان لها تاريخيا (قبل قرون) ما يبررها -عفوا- يفسرها ويشرحها، حيث مفهوم “الوطن”، والمسألة الوطنية في تلكم السياقات التاريخية لم تكن واضحة ومتبلورة في الوعي الاجتماعي العام للمجتمع، كما أن معنى الشعب لم يتشكل كما هو عليه اليوم ،حيث مفهوم “الشعب” -في حينه- كان يعني القبيلة (مفهوم الشعب، مساويا لمعنى القبيلة وهو ما تقوله النقوش اليمنية القديمة)،إلى جانب طبيعة النظام السياسي التقليدي، وتركيبة الدولة التي تقوم على التغلب “الشوكة”، فضلاً عن واقع حالة التداخل والاندماج بين الديني، والسياسي في إدارة السياسة والمجتمع والسلطة، وهذا ليس شرعنة بأثر رجعي، لما كان، ناهيك أن الجميع، أو بعضهم، اليوم يقولون إنهم يستهدفون تحقيق وحدة المجتمع، والحفاظ على مصالح الشعب،ورفع راية “المواطنة”، و”مقاومة العدوان” !! ومن أن حربهم منذورة من أجل بناء الدولة الوطنية الجامعة!!.
فكيف تكون حروبا ممولة ومدعومة من الخارج ويكون هدفها مقاومة العدوان ووحدة المجتمع أو بناء الدولة؟! .. إننا لانرى مقاومة العدوان الأجنبي وكل الضحايا/الشهداء يمنيون!!، وبدون رؤية سياسية وطنية للحرب والسلام.. فقط حديث ديماغوجي /شعاراتي عن “الوطنية”، وعن “السلام الممنوع من الصرف” كما هو عند البعض.
أين هي مقاومة العدوان الاجنبي، ونحن وفي كل خطوة نحو الحرب نتمول من الخارج “مال وسلاح وخبراء حتى بالجنود” ومرتهنين للمشاريع الخارجية ؟.
اين هي وحدة المجتمع ونحن نقتتل بالدم اليمني؟بصرف النظر مع من يكون الحق، وعلى من تقع المسؤولية السياسية الأكبر.
إننا حقا أمام مشاريع هوياتية متناقضة، ومتحالفة في الآن ذاته، مشاريع تتناقض في ايديولوجياتها وفي اهدافها الخاصة بكل منها، ولكنها تلتقي وتتخادم فيما بينها البين، في جذرية عدائها للديمقراطية،ورفضها لمشروع بناء دولة المواطنة والحقوق والحريات- على الاقل البعض منها – ذلك أن أساس وجودها الهوياتي لا يقبل بالآخر إلا تابعاً، كما أن كلاً منها معاد- بدرجات متفاوتة – لوجود الدولة المدنية الديمقراطية ومن هنا تناقضها، وتحالفها، تعارضها وتخادمها مع بعضها البعض، وجميعها مشاريع هوياتية متحكم بها بالريموت كنترول من الخارج، بما فيها الحكومة الاخيرة، التي ولدت ميتة.. جاءت بداية قصيدتها كفرًا، حيث خالفت أحد بنود اتفاقها، بأداء اليمين الدستورية في الرياض بدلاً عن عدن، فقد غلبها الحنين للعبودية/التبعية فذهبت لبلد الوصي عليها لتأدية اليمين الدستورية، وهو بداية الكفر السياسي/واعلان مبكر عن الفشل، الذي ستتوالى تداعياته، فما بني على الخطأ في السياسة، حصاده الفساد السياسي.
لو اصر خمسة من الوزراء فقط على اداء اليمين الدستورية في عدن المكان الذي نصى عليه اتفاق الرياض تضامنا مع الناصري الشجاع، لكانت الامور السياسية والعملية تغيرت على الارض، ولكنها العبودية المختارة هي من تحكمنا وتتحكم بقراراتنا .
والسبب في كل ذلك ارتهاننا للخارج بعد أن فقدنا زمام أمرنا، وانقسام وتشتت داخلنا الوطني إلى أكثر من جهة انقسامية، وتراجع دور المكونات السياسية، وقرار قياداتها المسبق بالارتهان لبلدي الانتداب والوصاية، وبالنتيجة غياب الرؤية السياسية والوطنية لدينا للصراع، ومن هنا -كذلك – ضبابية رؤيتنا للسلام والحرب، وكأننا في حالة خبط عشواء، وهو ما يشرح ويفسر انعدام أي أفق سياسي وطني منظور للحل.
وهو- بالنتيجة – ما يوضح ويفسر ظاهرة تحول الشرعية في كل يوم إلى حالة اغترابية، استلابية في صورة الاحتلال، السعودي، الاماراتي، والتدخل الايراني، واستبدال شعار استعادة الدولة بالكانتونات وبالميليشيات.
إن الحرب التي نعيش في خضم جحيمها من سنوات ست، لها ما قبلها، وهي بصورة أو بأخرى امتداد سياسي وواقعي لجريمة حرب 1994م، باعتبارها حرب المركز، والعصبية على الأطراف “أطراف الدولة/ كل الجنوب”. وأود لفت الانتباه هنا أنني حين اتحدث عن الجنوب والشمال، وعن”الاطراف”، أنما أتحدث عن كل ذلك بالدلالة السياسية،والوطنية، أي عن الجنوب السياسي، وعن الشمال السياسي السلطوي، وليس بالدلالة المكانية الجغرافية/الديمغرافية، وفقا لتعبيرات: “اليمن الأعلى” و”اليمن الأسفل” .
فالجنوب، الجغرافي والديمغرافي، وكذلك الشمال الجغرافي والديمغرافي، هما المظلوم، والخاسر الاعظم، في كل معادلة السياسة والحرب. .وهي معادلة قديمة متجددة .
إن الانتقال -تاريخيا- من المحلية (البدوية العشائرية والسلالية والقبلية) وغيرها، إلى الوطنية احتاج إلى قرون من عمليات الانتقال/ التحول في بنية المجتمعات العربية، وفي بلادنا على وجه الخصوص التي ما تزال تعيش مصاعب وتحديات ذلك الانتقال حتى اللحظة.. فالانتقال من مرحلة المحلي ما دون الوطني، إلى المجتمع الوطني، إلى دولة المواطنة هو تاريخ طويل وشاق من الصراع، ومن التحول السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والقانوني/ الدستوري.
وفي تقديري أننا بحاجة إلى كفاح سياسي مدني أطول واصلب من أجل ذلك، ومن أجل السلام، وإلى خطاب فكري وسياسي ووطني واضح، حول معنى “السلام” و”الحرب”، خطاب يستوعب تناقضات وتعقيدات المشهد السياسي والاجتماعي والثقافي، وتداخلاته الاقليمية، والدولية، لأننا -اليوم – أمام خطر وجودي يطال بالتهديد تفكيك وتدمير الكيان الثقافي والحضاري لليمنين قاطبة، ولا خيار أمامنا سوى الاعتصام بالتأسيس لوجود الدولة المدنية الديمقراطية،(الجمهورية)، دولة المواطنة والحقوق، والحرية للجميع دون اقصاء ولا إستثناء لأي مكون.
هناك اشكال من” السلام المفخخ”،ومن ” نصف المصالحة”،ومن التسويات الناقصة، يبدوا في الظاهر أن هدفها السلام إلا أنها في الجوهر تتقصد وتستهدف التأسيس لتقديم حلول سياسية سلاموية مؤقتة، تؤبد في الواقع، وعلى المدى البعيد، سلطات الأمر الواقع، تحت غطاء السلام، وتقطع الطريق أمام حلول سياسية وطنية تاريخية وفقا لشروط التغيير ولشروط السلام المنشود القابل للحياة، حتى لا اقول المستدام ،لأنه ليس هناك من سلام مستدام بالمفهوم التاريخي..سلام يجعل من حالة الاستقرار والتنمية القاعدة، ومن الحرب وضع عابر، وحالة إستثنائية.
هناك من يهيئ ويرعى تسويات ناقصة، ومصالحات ملغومة، تقود إلى استقرار هش، استقرار مفخخ بالغام الحرب، وإلى “سلام” يترنح بين حالتي : اللاحرب، واللاسلم، والدليل تسوية، 2012م، (المبادرة الخليجية)، التي قبلنا فيها بنصف ثورة، كان من نتيجتها أن انفجرت في وجوهنا في صورة حرب سبتمبر، 2014م، وتداعياتها المستمرة حتى اللحظة.
إن أحد أوجه الحرب الجارية في بلادنا اليوم، هو أن الهويات الما قبل وطنية ( القبلية والعرقية، والمذهبية الدينية)، ما يزال هناك من يراهن عليها ويشتغل لإعادة انتاجها في الداخل،تحت الشعارات المختلفة : العدوان، والسلام، والوطنية، وبدعم اقليمي ودولي، ضمن مشروع الفوضى الاستعمارية غير الخلاقة.
ففي الشمال، هناك من يشتغل لصناعة أكثر من هوية ما قبل وطنية ومعادية لمعنى الهوية اليمنية الجامعة، في صورة هوية سياسية مذهبية سلالية، مستجلبة، أثني عشرية (الإمامة/على منوال النموذج الإيراني)، وزيدية هادوية تاريخية تبحث لها عن مكان ودور بعد قمعها وتغييبها لعقود من قبل الوهابية السياسية،(السعودية)، في مقابل هوية سياسية مذهبية سنية، وهوية سياسية/ أيديولوجية (إخوانية لها حضور بشري / ميليشوي خاص بها، وعسكري في قلب السلطة الشرعية في مناطق الشمال والجنوب).
وفي الجنوب، هناك من يوظف أويتدثر بالهوية السياسية الجنوبية (الجغرافية). بعد تجريدها من دلالاتها السياسية والوطنية اليمنية التاريخية، لإعادة إنتاج صراعات الجنوب ضد الشمال، ولا مانع عند هؤلاء من أجل الانتصار في هذا السبيل، من الاستعانةبـــِ”السلفية الجهاديةالتكفيرية” وبـــِ”السلاطين”، وبالخارج (الإمارات بدرجة أساسية) وحتى بإسرائيل، كما صرح هاني بن بريك،”نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي “وكله باسم “القضية الجنوبية”، واستعادة “دولة الجنوب السابقة”!! التي لم يتبق منها في واقع الممارسة سوى “العلم” علم الحزب الاشتراكي اليمني، وكل ما عداه من ذاكرة الجنوب الوطنية والتاريخية والمعاصرة، ومن هوية دولة الجنوب السياسية التي كانت مع الحزب الاشتراكي فهو ليس أكثر من قبض ريح شعاراتي للاستهلاك السياسي اليومي .
اليوم، نحن –جميعا –نسقط من علياء الدولة ومن سماء الوطن والشعب إلى قعر مستنقع ما دون الوطن، وما دون الدولة، حتى بالقياس لما كان سائدا في زمن التشطير.
نحن اليوم وفي ضوء ما يجري إنما نبذر بذور تخصيب الارض للتأسيس لحروب”جنوبية جنوبية”،و”حروب شمالية شمالية”،و”حروب شمالية جنوبية” وكلها في خدمة مصالح خارجية، وعلى حساب اليمن واليمنيين جميعا.
إن الحرب الجارية من أحد وجوهها- في تقديري -هي نتاج طبيعي (سياسي، تاريخي) لفشلنا في بناء الدولة، وفي محاولات البعض فرض هويته المذهبية أو الأيديولوجية على كل المجتمع قسراً، أي محاولة تنميط المجتمع، والسلطة، قسرياً لصالح السلالة والمذهب والقبيلة، كما هو حاصل اليوم في مناطق شمال البلاد، في صورة (إعادة إنتاج ثنائية الإمامة، والقبيلة المسلحة)، وعلى طريق مذهبة المجتمع والدولة، وهو ما نعيشه مع تطبيقات الحوثي، في جميع تفاصيل حياتنا : الدستورية والقانونية-بداية من الاعلان الدستوري بعيد الانقلاب مباشرة – حيث يتم عمليا، إعادة صياغة البنية التشريعية والقانونية، والثقافية ، والاجتماعية، والتعليمية، والقضائية، حتى اعادة صياغة بنية الشعائر والطقوس الدينية، والاجتماعية بعد تحويل المناطق الواقعة تحت سلطاتهم إلى مناطق جبائية/”خراجية”، ويعتذرون بكل صلافة وجلافة طبع عن صرف مرتبات ملايين الفقراء من موظفي الدولة الذين يقعون تحت سلطتهم السياسية، ولاكثر من خمس سنوات، وكله باسم “مقاومة العدوان”، دون أي شعور أو احساس بالمسئولية الوطنية، وهناك من يعد لقوانين “ردة”، و”تكفير” ضد المجتمع/المعارضين، كما كتب حول ذلك بعض الاساتذة : عضو مجلس النواب /احمد سيف حاشد وشرف الويسي، وحسن الدولة.. إلخ ، وكل ذلك لا يراه بعض دعاة “السلام الطيبون”، فقط السلام وكفى!!، وهذا الطريق في التفكير، وفي العمل السياسي الذي يمارسه البعض على مستوى السياسة، والسلطة، كارثي ومدمر لا يختلف في شيء عما تدعو له “القاعدة” و”داعش” والجماعات المتطرفة من الاسلام السياسي، ل”أسلمة” الدولة والمحتمع.
ومن هنا تراجع الهوية الوطنية اليمنية الجامعة أمام قطيعية التجييشات والتحشيدات الهوياتية الماضوية والما قبل وطنية، والحداثية المشوهة.
هناك من يتوهم اليوم بتأسيس حالة من الاستقرار السياسي مبنية على سلام هش.. سلام ليس سوى هدنة بين حربين.. سلام مبني على قاعدة المحاصصة الطائفية والقبلية والسلالية(نموذجها، رؤية جون كيري حول الاقليات الدينية التي دعمها بعض “التقدميين”!!)، سلام يجعل بالنتيجة من سلطات الأمر الواقع حالة سياسية وسلطوية دائمة، تدخل معها البلاد في خط بياني هابط نحو حروب صغيرة وكبيرة، حروب لاتنتهي، وكله باسم “السلام”، سلام هو عمليا الوجه الٱخر للحرب، على منوال مصالحة، مارس1970م، أو على شاكلة سلام ومصالحة الطائف اللبناني،1989م، الذي سيجعل من البلاد سياسيا ، وعلى مستوى البناء الفوقي، دولة طائفية، تجعل بالنتيجة من السلطة والثروة غنيمة في قبضة تجار السياسة، والمال، والميليشيات، وقادة المشايخ، وبعض قادة الاحزاب. .خطوة على طريق تطييف بنية النظام السياسي إلى مدى غير معلوم.
إن الغائب الأعظم اليوم ، بعد أكثر من خمس سنوات من الحرب عند الجميع بدرجات متفاوته، هو: وحدة المجتمع، وحرية الشعب واستعادة الدولة، كمقدمة لسيادة الشعب على أرضه.. والبداية تتحدد في أنه يجب أن يكون لنا موقفاً سياسياً، ووطنياً واضحاً من كل الأجنبي الداعم للحرب، هذا أولا، ومن كل الداخل المرتهن للخارج ،وهذا ثانيا ، ومن كافة الاحتلالات ،وهو ثالثا، وفقا لرؤية سياسية وطنية واضحة لوحدة المجتمع، وحرية الشعب، واستعادة الدولة، على طريق التأسيس لدولة المواطنة والحقوق والحريات، دون “ولاية” من أحد على كل المجتمع، سواء باسم الحق السياسي،أو الحق الوطني،أو الحق الإلهي . . فرحلة الألف ميل تبدأ بخطوة صحيحة نحو الهدف.
لست مثالياً، ولاطوباوياً، ولا ممن يقفزون على حقائق الواقع، ولكن ما يجب أن يكون مفهوماً للجميع، أن ليس من طريق للاصلاح والتغيير يأتي للشعوب على طبق من ذهب الكلام الفضائلي عن “السلام الفارغ من المعنى”، ولا من أوهام انتظار الحل من الخارج، عبر تسويات سياسية، توقف الحرب لبرهة من الزمن، “هدنة حربية”، وبالمقابل تستديم الحرب إلى ما شاء الله، كما أن الطريق نحو التغيير لن يأتي من خلال لعبة أيهما الاسبق: الدجاجة، أم البيضة، اقصد، الحكومة، أو تنفيذ الشق العسكري من اتفاق الرياض– الذي لن ينفذ إلا بأمر من الإمارات، أو ممن يقفون خلف الإمارات – لأن تشكيل الحكومة في السعودية، وتحت اشراف المندوب السامي، محمد ٱل جابر،الذي يحج اليه صغار النفوس، وقد بدأ بذلك وزير الكهرباء، الذي قبل أن يجلس على كرسيه في الوزارة ذهب حاجا اليه،ولن يطول الوقت كثيرا لنسمع ونرى المماحكات السياسية، والاضطرابات الامنية تمهيدا لدورات عنف جديدة لن تتوقف،والايام بيننا، لأن معطيات الحرب لما قبل تشكيل الحكومة، هي، هي، لم يتغير فيها شيئ.. وجميعها تسليات بالدم اليمني، وتمزيق لوحدة النسيج الاجتماعي والوطني اليمني،وتفريطا بالارض، وبالسيادة، وتضييعاً للوقت، وتكريساً وتثبيتاً لسلطات الفوضى والميليشيات -سلطات الأمر الواقع- في مجتمع معقد لم يفك بعد اشتباكاته السلبية التاريخية مع ما كان (جنوبا، وشمالا) وما يزال الميت في قلب المجتمع، وفي السياسة،” لم يمت”، ويتشبث – في كل لحظة- بتلابيب الحي ليجره معه للقبر، (إلى ما قبل الدولة، وما قبل معنى الشعب). كل ذلك نطالعه من ست سنوات عجاف ولم يقل عنه أو يصدر حوله بيان سلاموي واحد.. اعرف أنها مهمة صعبة ومعقدة سياسياً ووطنياً وعملياً، وأن التحديات أمام ذلك جمة -داخلياً وخارجياً- على أن المعرفة السياسية بتواريخ كفاح الشعوب والدول تقول لنا : إن البداية السياسية والوطنية والعملية في أي خطوة ونحو أي فعل، هو الإرادة، هو التحرر من الخوف، هوالوعي والفهم، فهم جدل النظرية بالواقع .. ففي البدء كانت الكلمة/الرؤية، المتوحدة بتفاصيل الواقع(الفعل) التي توصلنا لامتلاك “بوصلة الرؤية/خارطة الطريق” لتحديد من هي قوى الاصلاح والتغيير، من هم الاصدقاء والاعداء.
وبعدها سنستضئ طريقنا للرشد السياسي ، طريقنا للرشد الوطني .. طريقنا للتغيير.
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.