العرض في الرئيسةفضاء حر

ارشيف الذاكرة .. مفاضلتي بين المالية وحقوق الإنسان

يمنات

أحمد سيف حاشد

في مايو 2003 شرعوا في تشكيل اللجان الدائمة للمجلس، و عددها تسعة عشر لجنة، وكان يتوجب أن أحدد الرغبة في اختيار ثلاث لجان من قوام الـ 19 لجنة، ليتم ظمي إلى إحداها.. الحقيقة لم أكن أعرف من الذي يتولى حسم قرار اختيار واحدة من الثلاث رغبات التي سأبديها، ولكني كنت أعتقد أن الرغبة الأولى التي سأبديها ستكون هي الراجحة، بل ولها الأولوية عند المفاضلة بين الثلاث رغبات الواردة في الاستمارة المخصصة لهذا الشأن.

كنت أسأل نفسي:

– ما هي رغبتي الأولى التي أفضّلها أو أميل إليها..؟! تسعة عشر لجنة تتخاطف رغبتي، وكل وحده لها مزياها وعليها مسؤولية، وبالتالي يجب المفاضلة وحسم اختياري بواحدة!! أين يمكن أن أنجح من حيث الرغبة والمهام وتوقع النجاح..؟ في أي لجنة يمكنني أن استحث طاقاتي وقدراتي على نحو أفضل، وتكون محل رضاي دون أن يداهمني الندم يوما على سوء اختياري وتقديري؟! أي لجنة يمكنني أن أحقق على صعيدها نجاحا أكبر أعتز فيه أمام نفسي وأمام الناس..؟ أين سيكون عطائي أغزر من غيره..؟ في أي لجنة سيكون حماسي الذي لا ينطفئ، وشعوري بالانتماء، وممارسة وجودي فيها أكثر؟! هل هي لجنة الحريات وحقوق الإنسان، أم اللجنة الدستورية والقانونية، أم لجنة الإعلام، أو لجنة العدل، أم لجنة الشؤون المالية؟!

كانت الرغبات تتجاذبني من كل اتجاه.. كل واحدة تشدني إليها بمزية أو أكثر.. الأسئلة تحتشد في رأسي.. تلتجب وتحتدم فيه الإجابات.. استصعاب الاختيار كان يعني بالنسبة لي التفكير مليا فيما سأختار.. اعتبرتُ اختياري بداية لمسار طويل في حياتي الباقية؛ لهذا يجب أن اتمنى وأحب وأعشق ما سأختاره.. لابد أن أكون مستعدا لدفع كلفة هذا الاختيار أيضا أي كان.. يجب أن أعرف أن هناك مشاق وتحديات كثيره وكبيرة سأجدها تعترضني وتنتصب أمامي في المشوار الذي سأنطلق فيه إلى البعيد.. يجب أن أكون مستعدا لكل ذلك، وعازما التغلب عليها باقتدار يتجاوز حتّى ما هو متاح؟! من المهم النضال ومواجهة المصاعب والمتاعب طالما كان الحلم كبير والهدف يستحق كل مبذول.. تعاطيت مع اختياري كرسالة نبي تستحق التضحية..

قبل أن أملئ بيانات الاستمارة المعدة لهذا الغرض، وأختار ثلاث لجان متدرجة بحسب الرغبة، كان يتعين أن أتداول الأمر واستشير من كانوا بمنزلة خاصتي.. أتذكر أنني تداولت الأمر مع بعض رفاقي من فريقي الانتخابي، ومنهم أنور هزاع وعلي نعمان وأبو سهيل الخرباش الذين حثوني على لجنة الشؤون المالية، كونها من أهم لجان المجلس، ولأن طاهر علي سيف كان أحد أعضاءها في البرلمان السابق، وهو بالتأكيد ما كان لينظم إليها لولا إنه يدرك مدى أهمية هذه اللجنة..

ولكني حدثت نفسي:

– أنا لا أميل إلى عضوية اللجنة المالية.. ليس لدي ولعا في المال وشؤونه.. افتقد لأي حماس نحوها.. أشعر أنه لا يوجد بيني وبين المال أي كيمياء، أو مشترك يدفعني نحوها بحد من الحماس، على نحو يجعلني اضعها في مرتبة الرغبة الأولى في تراتبية الرغبات التي سأبديها، رغم علمي وإحاطتي بأهميته لجنة الشؤون المالية، وتسليمي أنها من أهم لجان المجلس، وهي بالفعل كذلك..

ربما كنت وأنا أفكر بلجنة الشؤون المالية، أجد نفسي بحال أشبه بمن يفكر بالزواج من بنت شيخ كبير، ذو مال وجاه وسلطان.. بإمكان الشيخ أن يوفر له كثير من الاحتياج، ولكني لا أعرف الفتاة أو بالأحرى لا أعرفها مليا.. ربما لم يسبق لي ان بادلتها حتّى بعض الود والاهتمام، ولا أدري إن كنت سأحبها في المستقبل أم لا..؟!! لا أدري ما سيكون عليه الحال! إنه اختيار ربما فيه ما هو أقرب للمجازفة..

بديت أمام نفسي وأنا أفكر باللجنة المالية كمن يحاول استكشاف طريق مجهول بعصا أعمى، أو كمن يبحث عن شيء لازال تحقيقه بعلم الغيب! سأكون أشبه بمن يسير وهو يتلمس الطريق بعصاه رغم الإحاطة التي حصلت على نتف منها هنا أو هناك.. ورغم هذه الهواجس التي كانت تجوس داخلي إلا أن هناك هواجس أخرى كانت تحتدم معها أو في مواجهتها.. صوت داخلي ربما بتأثير بعض من حدّثني عنها كان يقول لي:

– وجودك في اللجنة المالية ستجعلك تدلف بابا مهما، وتعرف الكثير مما يدور خلف الباب من فساد المجلس والحكومة، وربما تعرف كثيرا مما هو ليس معلن، وكثير من الخبايا التي تحدث خلف الكواليس، ستعرف في هذه اللجنة أكثر من غيرها كثير من الأسرار التي لا تذاع ، وبالمفاضلة العامة هذه اللجنة هي التي بالفعل تحتل المرتبة الأولى من حيث الأهمية بين جميع اللجان، وربما فيها كثير من المزايا التي ستجدها أمامك بسهولة ويسر ..

ثم ما يلبث أن ينازعني صوتي الآخر الذي أنتمي إليه وهو يقول لي:

– أنت انتماءك الحقيقي ليس للمال وإنما للإنسان.. الموقع الذي يبحث عنك وتبحث عنه هو موقع الحريات وحقوق الإنسان.. إنك تعشق هذا بلا مواربة.. تعشق المقاومة والنضال والمتاعب.. في هذه اللجنة ستجد نفسك تمارس وجودك على نحو أفضل وبجدارة أكثر.. هنا ستجد ضميرك بحضور أكثر كثافة.. أنت تحب الناس كما تحب التميّز والتفرّد في العمل والنتائج، ولن تجد غير هذا الموقع تقدم به نفسك على نحو يليق بك، وستكون أكثر عطاء وتميزا فيه، بل وانتماء إليه.. في الحريات والحقوق ستقدم الكثير مما لا تستطيع تقديمه في أي لجنة أخرى..

ثم يذهب بي نفس الصوت إلى المقارنة بين لجنة الشؤون المالية في المجلس ولجنة الحريات وحقوق الإنسان ويستأنف صوتي انسياب القول:

– صحيح أن المالية فيها ما تعشقه في إطار الرقابة ومكافحة الفساد إن صار الحال كما ترتجي، كما ستعدك أيضا بأن تكون الأكثر ربحا ورخاء في عائدها المادي، ولكن لجنة الحريات وحقوق الإنسان ستمارس وجودك البهي فيها، ستحس بإنسانيتك أكثر.. سترضي ضميرك الحي، وتتمكن من نصرة المظلوم، وتعمل على رفع الظلم عن الكواهل، والعمل على إيقاف الانتهاكات بحق الإنسان قدر ما تستطيع، وتعمل من أجل حرية عظيمة لطالما كنت تبحث عنها أنت من أجلك ومن أجل الناس..

وأمام هذا التعارض والتناقض والاحتدام البيني حسمت أمري لصالح الحريات وحقوق الإنسان.. ولا بأس أن جعلتُ رغبتي في لجنة الشؤون المالية في المرتبة الثانية أو الثالثة.. الرغبة التي أعشقها هي الحريات وحقوق الإنسان أكثر من أي رغبة أخرى غيرها.. هذا المجال الوحيدة الذي سيروقني وأروقه حد المتعة، حتى وإن جلب لي كثير من المعاناة والمتاعب.. إنه نضال وواجب يستحق التضحية بضمير عامر بالرضا والارتياح..

هذا المجال الذي سأبحر فيه ويبحر فيني دون أن أشعر بسأم.. هو الميدان الذي سأعمل فيه حد الإعياء، ومع هذا لن يخلو من الإحساس بالمتعة واللذاذة، ودون أن أشعر بكلل أو ملل.. الحريات وحقوق الإنسان هي اللجنة التي استحقها وتستحقني.. لكل هذا وذاك قررت أن تكون هي رغبتي الأولى من بين تسعة عشر رغبة وخيار..

مفاضلة تستحق الانتباه، رغم أن موقع اللجنة في تراتبية اللجان باللائحة تأتي في ذيل القائمة وتحديدا بالرقم 19 وهو ما بدا لي أن مُعدّي هذه اللائحة توالدوا من رحم الاستبداد لا من رحم مقاومته..

ومع ذلك عندما تم تشكيل اللجان وجدت كثيرا من الغرابة أهمها أن رؤساء كتل الأحزاب الرئيسية ما عدا الاشتراكي أعضاء في لجنة الحريات وحقوق الإنسان، وهم سلطان البركاني رئيس كتلة المؤتمر، وعبد الرحمن بافضل رئيس كتلة الإصلاح وسلطان العتواني رئيس كتلة الناصرين.. كما وجدت مشايخ وضباط أمن عديدين في عضويتها.. مفارقة بدت لي مذهلة..

وكان سؤالي الأهم هل هؤلاء سيكونون عونا للحريات وحقوق الإنسان، أم سيكونون عونا في وأدها؟!! 

***

يتبع..

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى