العرض في الرئيسةفضاء حر

ارشيف الذاكرة .. الضوء الأخضر

يمنات

أحمد سيف حاشد

مهام عضو مجلس النواب وفقا للدستور والقانون اليمني هي تشريع القوانين، واقرار السياسة العامة للدولة، والخطة العامة للتنمية، والموازنة العامة، والحساب الختامي، وممارسة الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية..

غير أن ما تم تكريسه في الوعي الشعبي مدعوما بوعي وممارسة السلطة، هو أن مهام عضو مجلس النواب، هي جلب المشاريع لدائرته الانتخابية، وهو المسؤول الأول عن تنفيذها، وتوظيف وتجنيد أبناء دائرته الانتخابية، ومساعدتهم في منحهم الترقيات والدرجات الوظيفية، والنقل الوظيفي، والدخول إلى الجامعة، وابتعاثهم للخارج، بل وجل المهام التي يسندها الدستور والقانون للمجالس المحلية، والأجهزة التنفيذية للدولة، ويطال الأمر أحيانا بعض الجوانب القضائية، ومنها تلك الأفعال التي تنطوي على ارتكاب جرائم بموجب بعض النصوص الدستورية.

هكذا يبدو النائب في ذهن ناخبيه، وكأنه هو المسؤول الأول عن كل شيء في دائرته الانتخابية.. “سوبرمان” الدائرة.. نائبا لكل شيء.. مسؤولا عن كل شيء، أمام مواطنيه في الدائرة.

هذا الوعي الذي جرى تكريسه في الواقع، تحول إلى ما يشبه العرف، من حيث سلطته على الوعي، نافذا ومتغلبا حتى على التشريعات النافذة، وطال هذا الوعي المشوّه، جل نخب المجتمع، بما فيهم خريجي الجامعات، وحاملي الشهادات العليا، بل ربما بات شاملا لكل فئات المجتمع، نُخب وعوام، أو مائلا ومتحولا إلى تشكل وعي جمعي، تجد نفسك فيه مفردا ووحيدا في مواجهته إن قررت المواجهة..

***

بدا لي الاستثناء قاعدة، ثم باتت القاعدة عرفا أقوى من سلطة القانون، ثم وجدت نفسي أعيش تناقضا بين محاذيري وقيمي، وعرف بات فوق سلطة القانون وأقوى منه، فضلا عن وعي جمعي قائم يفرض سلطته بقوة، في ظل سياسية سلطة تمارس هذا الواقع بإمعان، وتنحاز إليه على الدوام، وتزيد في تقويته باستمرار..

لن أجد من يفهمني أو يتفهمني لأعتذر عن مساعدة الناس أربع سنوات لازالت قادمة، وربما أبدو كمن قلب المجن لناخبيه بمجرد فوزي في الانتخابات، ثم لا أنسى أنني أيضا أمين عام جمعية خيرية لمعظم الدائرة الانتخابية، وهذا يمنعني من التملص، بل ويلقى على كاهلي بمسؤولية من ذلك القبيل بحدود ما حيال بعض مطالبات أبناء الدائرة

أنا بشر اعمل في إطار شروط واقعي الثقيل الذي لا أستطيع الاصطدام بها كرة واحدة، فضلا عن تغييرها ابتداء.. أنا لست بساحر أو كلّي القدرة، والواقع يحتاج إلى مدى طويل لتغييره.. أنا لم أصنع هذا الواقع، بل وجدت نفسي مرغما فيه، وأكثر من ذلك سأجد نفسي ليس فقط وحيدا ولكن أيضا أبدو في نظر الناس التي ترتجيني خيبة كبيرة وصادمة، وأكثر منها عاجزا وفاشلا فشلا مهولا، أو ذريعا إلى حد بعيد..

فريقي الانتخابي لديه استحقاقات على نحو ما.. أبناء دائرتي يتطلعون إلى تقديم شيئا ما لمناطقهم حتّى إن لم أعدهم بذلك، ويظل أملهم معقودا على عاتقي.. تعاطوا معي بشهامة ودعموني دون أن أطلق الوعود الكاذبة، وبالتالي لزاما أن أكون أنا أيضا معهم أكثر شهامة، لاسيما أنني قد وعدتهم أن أبذل ما في الوسع من جهد للمتابعة.. هكذا وجدت نفسي أعمل في إطار منظومة تفرض شروطها القاسية، أو على الأقل مُكرها على بعض توجّهاتها..

حزب المؤتمر بيده السلطة، وأغلبيته كاسحة، ويملك الكثير ليقرر نجاحك أو فشلك في تلك المتابعات والمساعي التي تندرج فيما وعدت به من بذل جهد ومتابعة، وتجمع الإصلاح وهو الحزب الذي يلي المؤتمر في عدد المقاعد، لديه سلطة ايضا تخترق سلطة النظام، فضلا أن لديه وسائل ضغط على تلك السلطة لا يستهان بها، بل واكتشفت لاحقا أنه يتقاسم السلطة والنفوذ مع المؤتمر بهذا الحد أو ذاك..

الناصري أظنه كان في حال أفضل من الاشتراكي الذي أقصي بحرب ضروس عام 1994 بل ووجدته في وضع مقارب لحالي.. ومع هذا كنت أشعر أنني وحيدا أكثر من الجميع، لأنهم يملكون تنظيمات سياسية لا أملكها، ووسائل إعلام متعددة، وعلاقات وأدوات أخرى لا أملك مثيلا لها، وهناك فجوة تتسع بين من يملك نفوذ في السلطة، ومن لا يملك إلا القليل، ومن لا يملك حتى هذا القليل..

عليّ أن أتعامل بقدر الاستطاعة بحد أدنى من الواقعية، وإلا سأجد نفسي معزولا كجزيرة بعيدة في أقصى المحيط… منفيا عمّن حولي.. أعاني من غربتي التي أعيشها بعيدا عن واقعي.. أبدو فاشلا على نحو كبير، وعاجزا في أعين الناس.. التغيير مستحيل إن لم تأت فرص وظروف تساندني وتشد من أزري.. أنا أعمل في واقع محكوم به، ولا بصيص أن يتم تغييره بمعزل عن الظروف والفرص التي لازالت في الواقع منعدمة وتحتاج للكثير..

***

في هذا الوسط الثقيل والكابح وجدت نفسي أعمل في واقع يفرض شروطه بهذه الدرجة أو تلك على الجميع تقريبا، مع بعض محاولات الرفض والمقاومة التي كنت أبديها، أو ألزم الحذر حيالها، أو الاحتجاج والتمرد على هذا الواقع السيء بين حين وآخر، والمدعوم بسلطة الفساد، والمؤيد منها وعيا وممارسة..

تنقلت بين المناطق والمراكز الانتخابية، ولم أوعد بطريق أو مشفى أو مدرسة أو نحو ذلك، بل أذكر أنني كنت صريحا إلى حد بعيد، وأنا أرد على بعض طلبات المواطنين، في لقاءت عدة، أثناء حملتي الانتخابية، بالقول “لا أوعدكم بشيء” وكنت أستدرك أحيانا بالقول “سأبذل ما في الوسع من الجهد والمتابعة”.

كنت أشعر أن البعض يريد أن يستدرجني إلى اطلاق وعود بتحقيق مشاريع، وكنت استحضر في نفسي المثل القائل:” الوعود هي الفخاخ التي يقع فيها الحمقى” ولكن ما أن فزت حاولت جاهدا تقديم ما أستطيع تقديمة.. كنت أنتقل كمكوك أو مغزل، بين الوزارات والصناديق والوحدات التنفيذية، من أجل تقديم الخدمات، وتنفيذ المشاريع المتعثرة أو المرحّلة في الخطط، ومتابعة المشاريع التي أجريت لها دراسات سابقة، أو وضع دراسات لمشاريع مستقبلية..

ولكن تلك الجهود لم تكن مثمرة على نحو ما أروم، أو لا تعود بالنتائج المرجوة التي كنت أتطلع إليها، حيث كانت الجهود التي أبذلها كبيرة، فيما كان مردوداتها ضئيلة أو مخيبة للآمال أحيانا، أو أجدها أقل بكثير من الجهد المبذول، وكنت إجمالا غير راضي عنها، مقارنة مع ما يحققه بعض نواب المؤتمر والإصلاح في دوائر الجوار والدوائر القريبة..

حاولت أن أعوّل على نشاطي الحثيث لأغطي جوانب القصور، أو أسد ما أفتقده، ولكن لم يستطع نشاطي المبذول رغم كثرته، أن يغطّي ما لدى الآخرين من مزايا، ولاسيما أعضاء حزب المؤتمر الذي يمنح الضوء الأخضر لنوابه، لدى السلطات والأجهزة والوحدات التنفيذية..

هذا يعني من أجل أن أحظى بتعاون الأجهزة والوحدات التنفيذية، يتوجب عليّ أن أبحث عن ضوء أخضر.. ولكن كيف؟! فكرت وقلت لنفسي لابأس أن أسايس بعض الأمور.. لابد من المناورة والتكتيك بخسارة أقل.. ولكن دون أن أنتمي إلى عضوية المؤتمر..

***

تداعت إلى ذهني بعض الأمثلة والحِكم التي قرأتها ذات يوم.. فكرتُ وحدثت نفسي قائلاً:

– “اشعال شمعه خير من لعن الظلام”.. “أضئ شمعتك في بيتك أولا ثم في معبدك”.. “من لا يستطيع الابتسام، يجب أن لا يفتح متجراً!”.. “قوة شجرة الخيزرانة تكمن في مرونتها”.. من يعاند واقعه يدفع كلفة كبيرة دون أن ينال من النتائج شيئا أو حتّى القليل منها، وربما يكون حاله أشبه بمن “يكسب قطة ويخسر بقرة”.. لابد من البحث عمّا هو ممكن بأقل خسارة ممكنة، لابد من البحث عن ضوء أخضر.. ولكن كيف أوصل إلى هذا الضوء الأخضر، وبكلفة أقل، من أجل الناس التي تعاني وتُحرم من استحقاقاتها المشروعة من المشاريع الملحة والماسة والتي تلبي الحد الأدنى من احتياجات الناس، لاسيما أن دائرتي الانتخابية تنتمي لما يصطلح عليه “المناطق المحرومة”..؟!

وجدت دليلي في شخصين لم أعد أذكر كيف اجتمعا مع بعض لمساعدتي في الحصول على الضوء الأخضر، احدهما عضو مجلس النواب وعضو اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام، عبده مهدي حسن العدله، وآخر لم أعد أذكر اسمه بالتحديد، ولكنه عضو لجنة دائمة في المؤتمر، أظنه أمين علايه..

هاذان الشخصان أجريا اتصالاتهما مع أمين عام المؤتمر عبد الكريم الأرياني، ولا أدري ما دار بينهما، وبماذا تحدثوا، وعلى ماذا اتفقوا!! كلما اعرفه أنني طلبت منهما، منحي ضوء أخضر للأجهزة التنفيذية، للتعاون معي، وتسهيل متابعاتي لمشاريع الدائرة، وازاحة النحوس من طريقي، وفتح الباب المغلق في وجهي، والذي يفشل كثير من الخطوات والجهود التي أبذلها، ويجهض كثير من المتابعات التي أقوم بها..

ألتقى ثلاثتنا بأمين عام المؤتمر الدكتور عبدالكريم الأرياني في منزله، وبعد السلام والتحية والترحيب وبعض المقدمات، تفاجأت بمن كنت بصحبتهما، وهما يقدمان لي ورقة بيضاء، بحضور الدكتور الأرياني، ويريدون أن اكتب التزام أو تعهد فيها بالتصويت في مجلس النواب مع كتلة المؤتمر، ولصالح سياسات ومواقف حزب المؤتمر..

هذا الفعل بالنسبة لي كان صادما ومستفزا إلى حد بعيد.. موقفا لم أكن اتوقعه.. تصرفا لا يمكنني أن أقبله.. كان أشبه بمن وجه لي صعقة كهربائية.. موقف لم أكن أتخيله.. شعرت بالإهانة.. قلت في حضرة الثلاثة الحضور:

– لا يمكن أن أفعل هذا!! لم نتفق على هذا؟!!

ثم توجهت صوب الدكتور الأرياني وأنا أقول له بذهول:

– مش معقول يا دكتور تعاملوا أعضاءكم بهذه الطريقة!!! غير معقول إن الأمور في المجلس تسير وتجري بهذه الصورة!!

أحسست أن أمين عام المؤتمر عبد الكريم الأرياني قد أُحرج جدا من هذا الموقف الغير متوقع من الجميع، والذي كان من الواضح انه قد أعتور بعطب أو أصابه خلل ما.. فسارع بإبداء اعتذاره مُعزيا الأمر إلى سوء فهم، وشعر الجميع بالحرج؛ ولتجاوز الأمر وآثاره، نهض الدكتور عبد الكريم من مقعده، إلى الكنبة التي أمامها التلفون، وبداء بالطلب والاتصال ببعض القائمين على الوحدات التنفيذية، ومنهم “علي الصريمي”، رئيس هيئة مشاريع مياه الريف، و”الصبري” على الأرجح مدير كهرباء الريف..

خرجت من اللقاء وأنا أشعر بالرضى والانتصار واثبات الذات، ولكن بنصف ضوء أخضر أو أقل من هذا، وإن بدأ الأمر ساعتها أنه كان وافيا.. ومع هذا وإن كان بنصف أو أقل أو حتى هامشا فيما هو متاح، فبالنسبة لي اعتبرته مقبولا في ذلك الوقت..

***

يتبع

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى