بين عهدين
يمنات
أحمد سيف حاشد
بين هذا و ذاك مدى من سيء إلى أسوأ، و انحدار أشد بين مرعب و مهول .. تتهالك كل يوم بين شديد و أكثر شدّه و وطأة .. في الحالين تجد نفسك شقيا و معذبا تحمل قدرك البائس، و قد أحدودب ظهرك من أثقالك التي تحملها على كاهلك..
تجد نفسك غير مرحب بك، بل و مكروها لديهم لأنك لا تنتمي و لا تريد الانتماء إليهم .. كل حال بات أسوأ من سابقة .. الكل يقصيك و يلقي بك إلى الجحيم، و إن كان للجحيم على درجات، فعليك أن تتقي جحيم من أحسنت إليه..
يطفئون في عيونك كل بصيص أمل .. يصدّون في وجهك كل بوابات الرجاء .. يصادرون كل فسحة تسترد فيها أنفاسك المتقطعة، أو تستعيد الحياة لأوصالك المنهكة .. يقطعون أمامك كل الطرق و السبل و المنافذ..
يسدون ما بقي لديك من منافس و سعة .. يجيدون ضرب الحصار عليك لتموت كثيرا كل يوم .. و تموت على مراحل طوال معذبا و كئيبا و منحوسا .. تنزف حتى آخر قطرة دم في القلب، و آخر نزف في الروح..
يمكن القول أن ما أنزعه منهم هو أقل من القليل .. قليل لا يستحق الذكر، أصل لبعضه بمشقة أتجشم فيها طلوع الروح .. و ربما لا أصل و لا أنجز شيئا .. فأتذكر إميل سوران و هو يقول: “لا تُنجز أي شيء و رغم ذلك تموت منهكا”..
لطالما وجدتُ نفسي ممنوعا من تقديم أي عون أو مساعدة للناس أو من أجلهم .. لم تُتح لي أي فرصة حقيقية، أو محاولة حلحلة جادة، أو بذل مسعى مؤثر يخفف ما يثقل كواهل الناس من الانتهاكات و التعسفات و الظلم الشديد و المستبد..
لطالما حشدوا صدودهم و موانعهم في وجهي الذي ألف الصد، و تحجر به، أو صار بعض منه .. كل السلطات المتعاقبة استهدفتني بهذا الحد أو ذاك، إلا أن الأخيرة كانت أشد وبالا و قسوة .. الكل نال مني، و من حقوقي و حرياتي كنائب و مواطن و إنسان .. الكل أنهكني، و ضاق بي ذرعا، و ألقي على كاهلي مزيد من الأثقال و المتاعب..
في شهر نوفمبر عام 2006 طلبت من الرئيس صالح في مقالة منشورة تحت عنوان غصة نائب، أن يزور سجون و معتقلات الأمن السياسي، ليرى بنفسه الفظاعات التي تُرتكب فيها، أو على الأقل يسمح لنا بزيارتها، و لكن للأسف لم يزرها، و لم يسمح لنا بزيارتها، و كان يومها صالح في أوج مجده و “شرعيته” .. أما اليوم فيقبع في تلك السجون كثيرون من أنصاره و من غيرهم، و هم يعانون أكثر مما كان يعانيه المعتقلين في حقبة حكمه..
طلبت في عام 2017 من زعيم أنصار الله عبد الملك الحوثي أن يسمح لي بزيارة سجون الأمن السياسي، و سجون “مدينة الصالح” و غيرها، فوافق، و وجه مهدي المشاط بالتنفيذ، فلم يتم التنفيذ، و أكتفى المشاط بإبلاغي على نحو عارض أنه نزل إلى سجن الأمن السياسي في صنعاء، و كان يريد اصطحابي معه، و لكن نسى أو أنشغل، و أنتهى الأمر عند هذا الحد..
لطالما تم صدي من محاولة إنقاذ مظلوم في سجن أو مُعتقل، أو التخفيف عنه إلا بعد أن نالوا منه كل نيل و ظلم، و استباحوا حقوقه إلى أبعد مدى، بل و أحيانا يتم الإمعان في التنكيل به لأننا نتابع من أجله، أو نطالب بالإفراج عنه .. إنه عناد السلطة التي تفتقد إلى الحد الأدنى من الإنسانية و الاخلاق .. لم يعد لأخلاق الفرسان أثرا أو وجودا في عهد سلطة كهذه التي نعيش جحيمها..
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520.