العرض في الرئيسةفضاء حر

ظلمات ومظالم وغصص

يمنات

أحمد سيف حاشد

(1)

من طاغٍ إلى أطغى

كل من يصل إلى السلطة في اليمن لم يعد يأبه بما كان يدعيه من بحث كديد عن العدالة والمساواة والمواطنة.. لم يعد يكترث بشيء اسمه حقوق وحريات ونضال مدني، وأكثر من هذا يضيق ذرعا بتلك الحقوق والحريات، ويصير أكثر من ينتهكها ويستبيحها ويعبث في بقاياها، بل ويتحوّل إلى مسخ مرعب وهمجي بكل ما تحمله الكلمة من دلالة ومعنى، وقد تبدل الحال عمّا كان يظهره ويدّعيه من نعومة ولين ومظلمة..

وتداهمك عاصفة من الأسئلة: هل كان يخفي عنّا كل هذه الدمامة والقبح خلال ما خلى من وقت كان عليه عصيبا وشديدا؟!! هل كان فقط يُخاتل ويتربص الفرصة لأن تأتيه ويصل إلى سدة الحكم ليقلب المجن، ويستفرد ويتوحش في وجه الجميع؟!! هل كان يغرر علينا ويتصنع المواقف الزائفة، ويظهر لنا ما لا يبطن، ويخفي عنّا حقيقته المرعبة؟! أم أن السلطة التي وصل إليها هي من أفسدته وجعلته بذلك الحد من التوحش والرعب والدمامة..؟!!

“السلطة مفسدة.. والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة” تلك العبارة الشهيرة للورد “أكتون” نعيشها اليوم هنا في الواقع بكل أثقالها ووبالها، وعلى نحو أكثر مأساوية.. وإذا كانت تلك العبارة قد قالها “أكتون” قبل مائة وخمسين سنة كما يقول “ماثيو سويف” بمناسبة رغبة بعض المتزلفين استصدار قانون يحمى البابوات، ويحصنهم لأنهم “لا يخطئون”، فنحن اليوم هنا نعيش بعضها بقانون، وجلّها بدون قانون، وعلى نحو أكثر اتساعا وانتشارا، وأحيانا بسادية بغيضة، وصلف بلا حدود..

لدينا لم يعد التحصين من المساءلة، أو المساءلة التي باتت عصية أو محل تعذر واستحالة تقتصر على رجال السلطة العليا، وكبار ضباط الأمن والمخابرات، بل تمتد إلى أصغر مسؤول ومشرف وضابط، بل وأحيانا حتّى من يحمل كنية “أبو فلان” بات محميا من قبل السلطة، أو محصنا بها وعلى نحو لم أكن أتخيله، وقد شهدتُ أكثر من تجربة مريرة لأناس عديدين في قضايا انتهاكات جريئة ومرعبة.. بتنا اليوم نرزح تحت وطأة سلطات الأمر الواقع بكل مسمياتها، وننسحق تحت جنازيرها الحديدية الثقيلة سواء هنا أو هناك..

صدق ابن خلدون حالما أخبرنا قبل أكثر من سبعمائة عام أن ” الظلم مؤذن بخراب العمران” وها نحن قد بتنا نعيش الخراب والظلم كله.. دمّرنا تقريبا كل شيء بنيناه في الزمن القريب والزمن الغابر والتليد.. دمرنا الحاضر والماضي، وقبله دمرنا وشوهنا فينا الإنسان الذي ما كان علينا أن ندمّره..

من هنا مر بعض من قال: “أنا أو أنا” .. “أنا أو الفوضى”.. “أنا أو الحرب”.. “أنا ومن بعدي الطوفان”.. “أنا ومن بعدي لا طلعت شمس”.. من هنا مر رؤوسا وحكام يشبهون “نيرون” روما، والطاغية “كاليجولا” الأكثر جنوناً في التاريخ.. من هنا مر رئيس انتخبته وعاضدته الأحزاب، جلب وشرعن كل هذه الحرب المجنونة التي نعيش سنتها السابعة دون فسحة أو مهل أو أمل.. الجنون الذي لم تشهد له اليمن مثيل في تاريخها الطويل..

صدق الشاعر البردوني الذي قال عن اليمن:

بلادي من يَدَي طاغٍ .. إلى أطغى إلى أجفى

ومن وحش إلى وحشين .. وهي الناقة العجفا

فتمضي من دجى ضاف .. إلى أدجى…إلى أضفى

***

(2)

انزع الأقنعة

دع العواطف لتقف على الحقائق المرعبة.. دع الشعارات الكاذبة، ونكران الظلم الثقيل، وادعاءات العدالة والمساواة وغيرها من المزاعم التي تندرج في إطار إفك السلطة وإعلامها الكاذب والمخادع.. انزع الاقنعة عن الوجوه لترى حقيقة من يحكمون.. أغسل الوجوه التي تُطلى بمساحيق التجميل لترى الدمامة كلّها..

لا تتعلق بالشعارات الزائفة المقصود منها التعبئة والتحريض على حساب الحقيقة.. لا تسمع الهذيان الذي لا يغني ولا يشبع من جوع.. لا يغريك نمق الكلام عن المستقبل المخملي والوعود الخادعة التي تزعمها السلطة وأجهزة اعلامها الرسمية والمساندة والموجهة لمسخ الحقائق، أو قلبها رأسا على عقب..

مارس وجودك بقدر ما تستطيع من الاستغراق، ولا تستهن بقدراتك، فالصغير يكبر، والقليل يكثر إن أردت.. ابحث عن المستقبل بنفسك؛ لأن “المستقبل لمن يبحث عنه”، وابذل ما في الوسع من مجهود، وثابر بحثا عن الحقيقة التي تداريها السلطة والحكام عن الأعين، وأعلنها للناس.. لا تكسل ولا تكل ولا تتكل..

أمط اللثام عن الإعلام المخادع الذي يجمّل المسوخ البشرية المرعبة، ويداري ما يجب أن يعرفه الناس عن بشاعة وفساد الحكام.. الإعلام الذي يصنع الأصنام، ويؤله الطغاة، ويصف الخراب بالمنجزات، ويجعل من التخلف سلطان على الحاضر والمستقبل.. الإعلام الذي يشوه الوعي ويقرف الوجود، ويظلل الرأي العام..

إن من يريد أن يعرف جوهر السلطة، أو يجد فهما مقاربا لطبيعتها القمعية والمتوحشة، فما عليه إلا أن يعرف ماذا يحدث في معتقلاتها وزنازينها من قمع وتعذيب ووحشية.. ربما الموت هناك يتحول إلى أمنية.. ربما تتذكر إحدى شخصيات جان بول سارتر في روايته “موتى بلا قبور” وهو يقول: “الناس يموتون على فراشهم وهم مستريحون.. ما أسعدهم ما أسعدهم..” في المعتقلات ترتكب الفظاعات كلّها.. هناك ستكتشف مدى قبح السلطة ودمامتها المتوحشة..

***

(3)

أشتد الظلم وأتسع

أتي عهد جديد وجدناه أسوأ من سابقه.. توالت الخيبات وتتابعت.. كل خيبة باتت أكبر من تلك التي كنّا نعيشها من قبل.. صارت آمالنا غصات ذابحة كالزجاج تحتشد في حناجرنا المتعبة.. حناجرنا التي كانت ترنو وتنشد قادم أفضل مما نحن عليه الآن.. أنحسر الضوء، وبات شاحبا يتلاشى إلى زوال.. المستقبل في وجوهنا بات أكثر سوادا وقتامة..

أشتد الظلم وأتسع أكثر من ذاك الذي كان.. بتنا فرائسا وطرائدا لضباع نهمة.. تتناهشنا بضراوة من كل اتجاه.. تمزق الوطن بين أنيابها الحادة التي تقضم العظم وتنال من الحديد.. ظفر كل قطيعا منها ببعض من هذه الوطن المنهك بالحكام.. تكاثرت المظالم وأزداد الظلم وأشتد وطأة حتى قال القائل “لا يأتي الزمن بأحسنه”.. واقع لطالما عشناه وما زلنا نعيشه إلى اليوم، ويحتاج للكثير والكثير لنتحرر من وطأته وربقته..

بات الطرف المنتصر يمارس ضعف ما كان يمارسه المهزوم حالما كان يسود.. ظلم ثقيل، وانتهاكات فظة، وطغيان بلا حدود.. تضييق ظل يشتد ويضيق على الحقوق والحريات حتى باتت في قبضة من حديد تختنق فيها وتموت.. كثير من الأحبة فقدناهم في الأمس، واليوم فقدنا كل شيء.. اليوم لم يبق لدينا دموع نذرفها، ولا متسع فينا لحزن يعيش.. أزف العمر ونزف..

بات البعض يتعاطف ويتمنى عودة النباش الأول، والبعض يترحم على معاوية، وقد رأى ما يفعله يزيد.. كل الأدوات والأساليب والأجهزة القمعية التي كان يتم الإمعان في استخدامها لإخضاع الخصوم، جاء المنتصر وأستخدمها على نحو أكثر بطشا وسوءا وانتقاما.. قمع وإكراه ووحشية ليس فقط ضد الطرف المهزوم وحده، بل ضد الشعب برمته..

***

(4)

بين عهدين

بين هذا وذاك مدى من سيء إلى أسوأ، وانحدار أشد بين مرعب ومهول.. تتهالك كل يوم بين شديد وأكثر شدّه ووطأة.. في الحالين تجد نفسك شقيا ومعذبا تحمل قدرك البائس، وقد أحدودب ظهرك من أثقالك التي تحملها على كاهلك..

تجدو نفسك غير مرحب بك، بل ومكروها لديهم لأنك لا تنتمي ولا تريد الانتماء إليهم.. كل حال بات أسوأ من سابقة.. الكل يقصيك ويلقي بك إلى الجحيم، وإن كان للجحيم على درجات، فعليك أن تتقي جحيم من أحسنت إليه..

يطفئون في عيونك كل بصيص أمل.. يصدّون في وجهك كل بوابات الرجاء.. يصادرون كل فسحة تسترد فيها أنفاسك المتقطعة، أو تستعيد الحياة لأوصالك المنهكة.. يقطعون أمامك كل الطرق والسبل والمنافذ..

يسدون ما بقي لديك من منافس وسعة.. يجيدون ضرب الحصار عليك لتموت كثيرا كل يوم.. وتموت على مراحل طوال معذبا وكئيبا ومنحوسا.. تنزف حتى آخر قطرة دم في القلب، وآخر نزف في الروح.. 

يمكن القول أن ما أنزعه منهم هو أقل من القليل.. قليل لا يستحق الذكر، أصل لبعضه بمشقة أتجشم فيها طلوع الروح.. وربما لا أصل ولا أنجز شيئا.. فأتذكر إميل سوران وهو يقول: “لا تنجز أي شيء ورغم ذلك تموت منهكا”..

لطالما وجدتُ نفسي ممنوعا من تقديم أي عون أو مساعدة للناس أو من أجلهم.. لم تُتح لي أي فرصة حقيقية، أو محاولة حلحلة جادة، أو بذل مسعى مؤثر يخفف ما يثقل كواهل الناس من الانتهاكات والتعسفات والظلم الشديد والمستبد..

لطالما حشدوا صدودهم وموانعهم في وجهي الذي ألف الصد، وتحجر به، أو صار بعض منه.. كل السلطات المتعاقبة استهدفتني بهذا الحد أو ذاك، إلا أن الأخيرة كانت أشد وبالا وقسوة.. الكل نال مني، ومن حقوقي وحرياتي كنائب ومواطن وإنسان.. الكل أنهكني، وضاق بي ذرعا، وألقي على كاهلي مزيد من الأثقال والمتاعب..

لطالما تم صدي من محاولة إنقاذ مظلوم في سجن أو مُعتقل، أو التخفيف عنه إلا بعد أن نالوا منّي ومنه، بل وأحيانا يتم الإمعان في التنكيل به لأننا نتابع من أجله، أو نطالب بالإفراج عنه.. إنه عناد السلطة التي تفتقد إلى الحد الأدنى من الإنسانية والاخلاق.. لم يعد لأخلاق الفرسان أثرا أو وجودا في عهد سلطة كهذه التي نعيش جحيمها..

في شهر نوفمبر عام 2006 طلبت من الرئيس صالح في مقالة منشورة تحت عنوان غصة نائب، أن يزور سجون ومعتقلات الأمن السياسي، ليرى بنفسه الفظاعات التي تُرتكب فيها، أو على الأقل يسمح لنا بزيارتها، ولكن للأسف لم يزرها، ولم يسمح لنا بزيارتها، وكان يومها صالح في أوج مجده و”شرعيته”.. أما اليوم فيقبع في تلك السجون كثيرون من أنصاره ومن غيرهم، وهم يعانون أكثر مما كان يعانيه المعتقلين في حقبة حكمه..

طلبت في عام 2017 من زعيم أنصار الله عبد الملك الحوثي أن يسمح لي بزيارة سجون الأمن السياسي، وسجون “مدينة الصالح” وغيرها، فوافق، ووجه مهدي المشاط بالتنفيذ، فلم يتم التنفيذ، وأكتفى المشاط بإبلاغي على نحو عارض أنه نزل إلى سجن الأمن السياسي في صنعاء، وكان يريد اصطحابي معه، ولكن نسى أو أنشغل، وأنتهى الأمر عند هذا الحد..

رغم هذه وتلك يمكنني القول أنني عشت حياتي متمردا على الواقع الذي حل وأستبد بكلفة ما يلزمها من ثمن ومتاعب.. أمارس وجودي ضد الوجود الذي يمارس طغيانه على الناس.. أقاوم الإخضاع بكل ما أتيت من عزيمة وإرادة.. أقاوم الإذعان الذي يحاول فرض نفسه بإمعان على حقوقي وحقوق الناس.. أو كما يقول سيوران: عشت حياتي وأنا أشعر أنني أقصيت من مكاني الحقيقي… ولكن وجودي بحد ذاته يمنحني المعنى”.. أو كما قال نزار قباني: ” إن الإنسان بلا حزنٍ ذكرى إنسان”.

***

(5)

اختفاء علي الديلمي

في 9 أكتوبر 2006 أختفى علي الديلمي، المدير التنفيذي للمنظمة اليمنية للدفاع عن الحقوق والحريات من مطار صنعاء، حالما كان يهم بالمغادرة من صنعاء إلى كوبنهاجن للمشاركة في فعاليات تعنى بحقوق الإنسان.. مُنع من حقه في السفر، واخفي قسريا، ودون أن نعرف المكان الذي نقل إليه.. ولم توجه له أي تهمه من أي جهة.. ما نعرف عنه أنه ناشط حقوقي، سبق ونظم عدة وقفات احتجاجية باسم المنظمة التي يرأسها لمناصرة أخوة يحيي الديلمي، الذي حكم عليه بالإعدام في محاكمة جائرة وغير عادلة.. هذا كان يكفي للاحتجاج من أجله، ومناصرته والمطالبة بإطلاق سراحه..

في اليوم التالي ذهبنا إلى النائب العام، وكنّا أنا ورشيده القيلي ورضية المتوكل ومحمد مفتاح وآخرين، ثم توجهنا بعد ذلك إلى أمام بوابة الأمن السياسي في صنعاء للاحتجاج والاعتصام والمناصرة، بعد معلومة غير مؤكدة حصلنا عليها، تفيد أن الأمن السياسي هو من قام باعتقاله في المطار، فيما كان الأمن السياسي ينكر وجوده لديهم، وينفي اعتقاله..

لقد كانت طريقة اعتقاله واخفاؤه، وعدم إعلام اسرته بمكان اعتقاله، بل وتنصل الجهات الأمنية من مسؤولية توقيفه وحجزه، يجعل من احتمال تعذيبه، والتنكيل به واردا، إن لم يكن بحكم الأكيد.. كنّا ندرك عدم وجود أي سبب قانوني يبرر حتى منعه من السفر، فضلا عن أي توقيف أو احتجاز..

وفي الاعتصام كانت لدي كاميرا أحضرتها معي.. أخرجتها من مخبأها لأصور اعتصامنا وربما ناولتها شخص ليقم بالتصوير، وما أن رأى بعض حراس بوابة الأمن السياسي لمعة فلاش الكاميرا حتى هرعوا علينا كالثيران، يريدون الكاميرا، وبمجرد أن شاهدت الحراس يركضون نحوي، ناولتها خلسة رضية المتوكل التي كانت خلفي، وهاجوا أكثر عندما لم يجدونها معي..

حاولت أعرفهم باسمي وصفتي.. أخبرتهم أنني عضو مجلس النواب، ولكن لم تشفع لي هذه الصفة، فجهل الأمن كان أكبر من شعب أمثله.. ليس للشعب في ميزان جهل رجال الأمن أكثر من وزن الريشة.. غير أن الصورة ترعب رجال الأمن، والكاميرا سلاح يزلزلهم.. جهاز قمعي ذو سطوة وسلطة ترعبه كاميرا.. أفراده وضباطه ومسؤوليه رعاديد.. لا تستغرب أن ترى كاميرا واحدة تلقي في نفوسهم كل ذاك الهلع والجزع والاستنفار..

شعرت بحميمية جارفه حيال المعتصمين، حالما كان رجال الأمن يحاولون انتزاعي منهم بالقوة.. شاهدت رشيدة القيلي وهي تتصدى لهم بشجاعة.. شاهدت محمد مفتاح وهو يحاول يشتبك معهم بالأيدي ليمنعهم من أخذي بالقوة.. شاهدت البقية وهم يحموني بأجسادهم رجال ونساء.. كيف أنسي موقف كهذا.. إنه موقف لا ينسى.. موقف ترك وشما في وجداني وذاكرتي لا يُمحى ولا يزول..

أعتزم الحراس سحبي بالقوة من بين المعتصمين، وقرر المعتصمون الذود عني مهما كلف الأمر.. شعرت أن الأمر سيفضي إلى صدام بين حراس وضباط الأمن السياسي من جهة والمعتصمين من جهة ثانية، وأن الكُلفة ستكبر، فقررت أن تكون الكلفة أقل، وأقنعت المعتصمين أنني سأذهب معهم بمحض إرادتي..

اقتادوني إلى الداخل.. وصفت يومها المشهد، والضابط يقودني في الساحة الداخلية للأمن السياسي بعبارة “كان شكلي مثل طمر أبيض، يقوده ليل داج الى جحرة النتن”.

ضابط سادي متحفز كان ينتظر قدومي.. فارع الطول حاد الملامح.. أحسست أن عينيه تقذف نحوي بشرر من الكراهية والحقد الدفين وكأنه كان ينتظر اللحظة من زمن طويل.. شعرت أنه يتحفز ليمارس ساديته على جسدي، فقط ينتظر الأوامر ليفعل..

إنه نفس الحقد والكراهية والسادية التي أحسست بها من قبل المعتدين على الجرحى المعتصمين جوار مجلس الوزراء في يناير 2013 إبان عهد سلطة حزب الإصلاح .. ونفس شعوري كان حاضرا مع أحد المعتدين عليّ من أنصار الله يوم 25 مايو 2017 .. رجال القمع والأدوات القذرة تنافس بعض، وإن تبدلت المواضع والمواقع والأسماء..

خرج علي الديلمي بعد قرابة الشهر من اعتقاله واخفائه القسري، وباح ببعض ما جرى له، في مؤتمر صحفي، جاء ضمن ما قاله، قوله: ادخلوني في زنزانة مترين في متر وشويه، كانت الإضاءة قوية جداً.. الكلام ممنوع.. الدق على الباب الحديد ممنوع.. جردوني من ثيابي، وألبسوني ثوباً آخر.. خلعوا حذائي وجلست حافي القدمين 28 يوماً.. منعت من الدواء، وعندي قرحة في المعدة.. كان معي فلوس تراشيتهم حتى يأتوا لي منها بحليب فرفضوا.. عوملت بقساوة.. كل كلمة فيها سب وشتم.. حصل ضرب لي أكثر من مرة.. وتهديدي باختطاف عائلتي، وإيذاء أخي يحيى.. وقعت على أوراق فاضية وبصّمت عليها ، وأنا لا أعلم عنها شيئاً.”

***

(6)

غصة نائب

تحت عنوان غصة نائب كتبت عمّا حدث في تاريخ 10 اكتوبر 2006 وما له صلة جاء فيه:

– لا زال صدى قسم فخامة الرئيس في قاعة مجلس النواب قبل أيام قليلة باحترام الدستور والقانون يرن في مسمعي حتى اليوم، ولكن ما يحدث في محابس وسجون الأمن السياسي والسجون المغلقة بالحديد والنار من ذبح للدستور والقانون واستباحة للآدمية بالطول والعرض يقتل الروح وتقشعر له حتى جلود الفيلة والتماسيح..

– قيمة الإنسان وكرامته هناك تهتكها البشاعة كل يوم، وينتعلها اغلاظ القوم، ولا يخجل هذا (النظام) من الادعاء الكاذب أمام العالم أنه رب إيمان وحكمة..

– لماذا يا فخامة الرئيس لا تفعلها وتزور خلسة سجن الأمن السياسي في العاصمة لترى ما يحدث فيه من قبح وبشاعة، وفظاعة بلا حدود؟!! فالدار جنب الدار، ولن تأخذ مثل تلك الزيارة من وقتك الكثير، بل ستجد عند الله أجراً ومغفرة.. افعلها أثابك الله وغفر لك من ذنبك ما تقدم وتأخر..

– ستجد هناك في رجالك الأشاوس خطيئة ووبال، وقد حسبتهم على الآدمية.. ستجدهم أشراراً غلاظاً غارقين في السادية حد الطفح.. مدمنون التعذيب حتى الهوس.. لا ينامون ولا يأتيهم نوم إلا على أنين وجراح وأوجاع الضحايا..

– ستجد الضحايا كثار أعيتهم الحيلة، وانعدمت لديهم الوسيلة، وأنقطع عنهم الأمل والرجاء في العدالة، ويأسوا من أن يجد لهم الدستور والقانون طريقاً إليهم حتى في خلسة ليلة عيد، أو معطف قضاء..

– إن كانت مشاغلك كثيرة فلا بأس.. بإمكانك ان تفتح لنا طريقاً الى هذه الجحور والزنازين الرطبة والجدران الصدئة والغرف الموحشة لترفع ولو قليلا من ذلك الظلم الذي يعبث بالإنسان ولا يقيم وزناً لأدميته وحقوقه وكرامته.. نتمنى أن يحدث ذلك.. نتمنى أن نرى اليمن الجديد الذي وعدت الناس به…

***

– إحساس جميل يتملكك عندما تعتصم مع رفقائك الطيبين من أجل رفع كاهل الظلم عن صديق او زميل أو مواطن ناله ظلم سلطة قامعة وتعسف أمن شرِه لا يعرف للإنسان قيمة أو حرمة..

– ويداهمك حب جارف وانت تجد رفقاءك الطيبين يدافعون ويذودون عنك من تلك الأيادي الفظة الموغلة في انتهاك واستباحة الحقوق، دون وازع من اخلاق او تأنيب من ضمير..

– كان اعتصام الأحبة أمام الأمن السياسي من اجل الناشط الحقوقي علي الديلمي وكان ضباط الأمن السياسي الاشاوس يريدون ان ينتزعوني من بينهم وكان الأحبة يستميتون لمنعهم..

– مشهد يحفر في الوجدان والذاكرة بشاعة نظام قامع وضوء يتصدى لجحفل ليل غشوم، وحب مصلوب على أسوار هذا الأمن الذي لا يعرف من الوطن إلا قهره واستعباده ومصادرة حريات أبنائه الميامين..

– هل تصوير استفزاز ومحاولة اعتداء ضباط الامن السياسي على المواطنين المعتصمين جريمة أم هو إثبات لجريمة من جرائم كثار تجري كل يوم من قبل جندرمة السلطة بعيدا عن عدسات التصوير ووسائل الإثبات؟!!

– قالوا لي أنهم يخشون تصوير سور الأمن السياسي من الخارج.. أرأيتم أكثر من هذا الغباء.. أرأيتم حماقة أكثر من حماقة الأمن الذي يضرب قبل أن يسأل.. الا يعرف الأمن السياسي أن أبلد واحد في الإنترنت يمكنه ان يصور أسوار الأمن السياسي ومرافقه بخدمة الصور الجوية من محرك البحث العالمي (جوجل) بالنت ومن البيت أو مقهى الإنترنت.. ألا يعرف الأمن السياسي إنه بالإمكان التصوير بعدسة تلفون دون فلاش يلفت نظر هذا الأمن الذي لا زال يعيش بعقلية حقبة السبعينات والثمانينات من القرن المنصرم..

– إن الجهل أعمى، وعندما تجتمع الغطرسة مع الجهل يكون الأمر أكثر سوءا.. ألا يوجد رجل عاقل بين القائمين على هذا الجهاز يخرجه من هذه الحقبة والغربة عن العصر.. من يوقظ أمننا؟ والقائمين عليه؟!!

– هددوني بالسحب وقرر المعتصمون الذود عني بما كلّف الأمر فاخترت أن أذهب معهم بأقل خسارة.. كان الضابط يقودني إلى محبس، وكان شكلي مثل طمر أبيض عابق بالطهر والحب يقوده ليل داج الى جحرة النتن.. وصلت والمجموعة في الجحر تنتظرني كفريسة كابرت وغامرت، ويلزمها التأديب على نحو يكون البطش بها أبدع.. وهم بالبطش مبدعون..

– تأكدت بأن ليس في الأمن السياسي شيء أسمه قانون أو دستور أو حتى كرامة إنسان .. بل أن تتحدث بشيء من هذا أشبه بمن يتحدث عن الجنة في جحر الثعابين او السعة والدعة في بطن حوت.. هناك عالم أخر شديد القسوة والغربة..

– كنت أنتظر كرسيا لأقعد عليه وإذا بهم يأتون بحارس ليبدو لي على نحو صارخ إن الدار غير الدار والحبس قضاء أسهل ما فيه امتهان كرامة شعب واستباحة آدمية إنسان..

– المصدر: المستقلة 1 نوفمبر 2006

***

يتبع..

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520.

زر الذهاب إلى الأعلى