فضاء حر

السر في مأساتنا

يمنات

د. إبراهيم الكبسي

البعض تجده يكتب عشرات المنشورات البطولية الداعية إلى نصرة وتحرير فلسطين من عصابات الصهاينة، فيما يخاف بل ويجبن من أن يكتب منشورا واحدا فقط لنصرة شعبه وتحرير وطنه، تجده عاجزا عن كتابة منشور واحد فقط يدعوا فيه إلى تحرير وطنه وانقاذه من عصابات الفاسدين وتجار الدين والمستبدين واللصوص والمتهبشين وسارقي الثروات وناهبي الأراضي والمتاجرين بسيادة هذا الوطن والذين أحرقوا هذا الوطن بحروبهم وجوعوا شعبهم وقتلوا أهلهم في صراعاتهم وهجروا أبناء هذا الوطن من بيوتهم وقراهم ومدنهم وشردوا بعضهم في أقطار الأرض، ودمروا مؤسسات هذا الوطن بغبائهم وفسادهم.

لماذا يفعل البعض ذلك؟ لماذا يخاف من انتقاد جلاديه وظالميه في وطنه أولا؟ لماذا يجبن عن الصراخ في وجه ناهبي وطنه وسارقي ثرواته؟ لماذا لا يحرر ويسترد أرضه التي نهبها اللصوص في وطنه؟ لماذا لا يحرر رقبته أولا ممن يستعبدوه في وطنه؟

لأنه خائف على نفسه أو منصبه أو كرسيه، لأنه يبحث عن منفعته الشخصية، لأنه يتعصب لحزبه وجماعته وطائفته ومذهبه، لأنه يمشي مع التيار، لأنه يقدس ظالميه ويفخم جلاديه ويبجل سارقي ثروات وطنه، لأنه يصفق لمن جاؤا من خارج وطنه ليدمروا أرضه، لأنه يبرر عمالته للخارج ويعطيها أسماء جميلة أخرى، بينما تجده يكتب عشرات المنشورات العنترية والبطولية الداعية لتحرير فلسطين من عصابات الصهاينة.

طيب ماذا نسمي هذا الفعل؟

إنه واقع مؤسف ومخجل يثبت لنا جميعا بأن فاقد الشيء لا يعطيه للآخرين، ومن لا خير فيه لشعبه ووطنه فلا خير فيه لشعب أو وطن آخر على هذه الأرض، يا هذا حرر نفسك وشعبك وأرضك أولا ثم تأكد بعدها من أنك ستكون صادقا وقادرا على تحرير الآخرين. بالفعل نحن أمة الخطابات والعصبيات والشعارات الفارغة.
ومعذرة منك يا نزار قباني لو استعرت بعضا من أبياتك الرائعة بتصرف بسيط من عندي من خلال اضافة أبيات جديدة تصف حالتنا الراهنة والمحزنة:

إذا خسرنا القدس لا غرابة
لأننا نعيش في أوطاننا بلا كرامة
لأننا ننصرها
بكل ما يملك العربي من مواهب الخطابة
بالعنتريات التي ما قتلت ذبابة
بالشعارات التي ما أخافت دجاجة.
السر في مأساتنا
صراخنا أضخم من أصواتنا
بنادقنا أطول من قاماتنا
صواريخنا تضرب بلداننا
مدافعنا تدك أوطاننا
أسلحتنا موجهة نحو صدورنا
ما دخل الصهاينة من حدودنا
وإنما
تسربوا كالنمل من عيوبنا.
جلودنا ميتة الإحساس
أرواحنا تشكو من الإفلاس
أيامنا تدور بين النوم والخمول والنعاس
هل نحن خير أمةٍ قد أخرجت للناس ؟
نحشد في الشوارع
نركض في الشوارع
نصرخ في الشوارع
نمدح كالضفادع
نشتم كالضفادع
نصيح كالضفادع
نجعل من أقزامنا أبطالا
نجعل من أشرافنا أنذالا
نرتجل البطولة ارتجالا
نقعد في الجوامع
تنابلاً كسالى
نتقاتل في المساجد
نتصارع على المنابر
نقدس الأصنام
نبجل اللصوص
نشطر الأبيات، ونؤلف الأمثال
نزيف الأقوال ونتقن التأويل
ونحن في التمثيل، أعظم الأبطال.
يا أيها السلطان
ما قيمة الإنسان
إن عاش بلا لسان
محاصرٌ كالنمل والفئران
في داخل الجدران
من يمنحني الأمان؟
من عسكر السلطان
لصحت كالشجعان
يا أيها السلطان
أين العدل والأمان؟
في هذه الأوطان.
لو أننا لم ندفن الوحدة في التراب
لو لم نمزق جسمها الطري بالحراب
لو بقيت في داخل العيون والأهداب
لما استباحت لحومنا الكلاب.

من حائط الكاتب على الفيسبوك

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520.

زر الذهاب إلى الأعلى