اليمن والسعودية .. صراع أم تحالف
يمنات
قادري أحمد حيدر
إن الدور التخريبي والتدميري للسعودية في اليمن .. الدور العدواني على قاعدة الضم والإلحاق التدريجي (على مراحل) للأرض اليمنية، قد بدأ باكراً في تاريخنا السياسي المعاصر، متوافقاً ومتزامناً مع الخطوات الأولى لصناعة مداميك الدولة السعودية، بدعم ومساعدة من الاستعمار البريطاني، وبعدها الأمريكي.. لقد أُوجِدت وصُنعت السعودية في منطقتنا لتكون أداة منفذة للسياسة الاستعمارية/ الإمبريالية، وكمقدمة لميلاد دولة الكيان الصهيوني.
ولمن يتابع الدور السياسي والمالي والأمني والعسكري للسعودية من نهاية الأربعينيات، حتى الخمسينيات وموقفها العدائي/ الصراعي، من مد حركة التحرر الوطني العربية في كل مكان، والذي ما يزال مستمراً في الموقف من انتفاضات الشعوب العربية 2011م، سيجد أنها دولة وظيفية تابعة في خدمة المشروع الإمبريالي، وكلنا يتذكر “حلف بغداد/في خمسينيات القرن الماضي”، وموقف السعودية السياسي التآمري ضد جمال عبدالناصر، حتى دورها السياسي الأنتصاري في هزيمة 1967م،الذي اعتبره رموزها الدينيين، كان بسبب عدم الالتزام بالدين، والخروج عنه، إلى دورها العدواني ضد ثورة اليمن (سبتمبر/ وأكتوبر)، في الشمال والجنوب.
وأنا هنا أتحدث عن الدور السياسي- ولا أتحدث عن الوهابية كأيديولوجية تكفيرية وهي صناعة أمريكية/ سعودية”غربية”، والتي ما تزال آثارها الإرهابية مستمرة حتى اللحظة على كل العالم – وهو الدور الذي تبدى معلنا عن نفسه مع مقولة، أو وصية مؤسس الدولة السعودية الملك عبدالعزيز لأبنائه وأحفاده “إن شركم وخيركم من اليمن”، أو في تعبير آخر حسب بعض المصادر التاريخية: “عز السعوديين في ذل اليمن، وذلهم في عز اليمنيين”، وهو ما تقوله وتجسده الممارسة السياسية الواقعية للسعودية في علاقتها مع اليمن، شعباً وأرضاً ودولةً، بما يعني أن تقدم وازدهار اليمن، شر ما حق لكم، وتدهوره – اليمن – وتخلفه واحترابه فيما بينه البين مصدر أساس لقوتكم.
ومن حينها والدور السعودي السلبي تجاه اليمن لم يتوقف حتى اللحظة.. دورهم في تعويق أي حركة لليمنيين للأمام.
وفي دراسة صغيرة مركزة حول هذا الموضوع صادرة عن معهد (بروكينغز )، في 28 مايو 2021م للكاتب بروس ريدل، يشير في خلاصة له إلى أنه كلما توسع نطاق التمردات( العسكرية)، الداخلية/ الميليشوية، كلما أتاح ذلك فرصة كبيرة للسعودية، والإمارات في ترسيخ نفوذهما السياسي والعسكري، والأمني على الأرض اليمنية، ومن هنا مصلحتهم، في استدامة الحرب، وعدم الرغبة في إنجاز سلام سياسي استراتيجي.
وشخصياً أتفق مع ما ذهب إليه، في خلاصته المشار إليها أعلاه ذلك أن السعودية والإمارات محكومتان بالوهم، وبالجهل الاستراتيجي بالمصالح القومية والاستراتيجية للمنطقة.
ومن هنا تقاطع وتلاقي مصالح بعض الداخل، والخارج الإقليمي والدولي، لجعل اليمن في حالة دائمة من أللا حرب وأللا سلم .. باختصار: إن التقدم الاقتصادي والتنمية البشرية الإنسانية، واستعادة الدولة الوطنية، وبناء جيش وطني بعقيدة قتالية وطنية ولاؤه للدولة، ووحدة اليمن، كل ذلك ليس من مصلحة بعض الداخل “الوكلاء” وكل الخارج “الكفلاء”.
وهنا علينا أن لا نتجاهل واقع السياسة السعودية في تهجيرها للعمالة اليمنية من أرقى وأرفع مستوياتها العلمية/ الأكاديمية : أساتذة الجامعة، حتى العمالة المتوسطة، إلى العمالة الفنية، وإلى العمالة اليدوية المختلفة، ترحيل شبه قسري، وبدون أسباب معلومة، وفي غالبيته بدون حقوق.. اليوم وعلى رؤوس الأشهاد، تطرد السعودية العمالة اليمنية بطريقة لا تتفق مع أي قانون إنساني، وخارج حقوق الإنسان المتعارف عليها في القانون الدولي، تطردهم وعقود أعمال مجاميع كبيرة منهم لم تنته، ترحلهم قسراً ليس لمخالفتهم للقوانين المحلية النافذة، ولا وفقاً لسياسة “السعودة”.. بل لتعوض عنهم بالعمالة الأجنبية، الفلبينية، وغيرها. . وهناك اخبار سعودية جديدة اليوم ، حول مزيد من التضييق على العمالة اليمنية، بشأن تأشيراتهم وإقاما تهم، اخبار صادمة إن صحت وصدقت، فلا تعجبوا، فكل ذلك يصب في ذات سياق استدامة الحرب، وإدارة الحرب، بمنطق الأزمة، وإعادة انتاجها في صور أزمات دورية لاتنتهي.
وهذا يعني أن هناك موقفاً سياسياً من اليمن، وأهدافاً سياسية مخفية، لا تفسير لها سوى أنها حالة عدوانية، وحقد تاريخي متراكم تجاه اليمنيين، حيث اليمنيون هم فقط من يتم ترحليهم!!
والسؤال: لماذ1؟ ولماذا تحديداً في هذا الظرف السياسي الصعب الذي تمر به البلاد؟! وماذا تريد السعودية من ذلك الطرد الجماعي التعسفي للعمالة اليمنية ؟! علماً أن السعودية والإمارات تسعيان في محافظتي المهرة، وسقطرى لتجنيس مجاميع من سكان هاتين المحافظتين، تحت مغريات مادية كبيرة، بهدف ابتلاع الأرض اليمنية، وهناك أحاديث قديمة/ جديدة عن ابتلاع السعودية لأراضٍ يمنية واسعة، وقد سمعت هذا الحديث من الصديق الفقيد/ الأستاذ عمر الجاري، بل وقد كتب صراحة حول ذلك في صحيفة “التجمع”، لتتمكن من مد أنابيب نفطهم عبر المناطق اليمنية لتجنب ضغوطات إيران في مضيق “هرمز” .
السؤال: هل يمكن أن يستتر خلف شعار “التحالف” كل ذلك العداء والكراهية لليمن واليمنيين؟ كراهية تصل حد العدوان على من شيدوا مملكتهم بالعمران!
إن الروح العدائية تجاه اليمن واليمنيين أساسها ومصدرها في تقديري خيالهم التوسعي المريض في كل ما لا يخصهم: محاولة توسعهم في اتجاه أراضي عمان، وقطر، والبحرين، والكويت، وصولاً لليمن.. والأرض اليمنية لا تخصهم ولا تعنيهم إلا كدولة جوار، تحكمها قوانين وشروط الحدود الدولية التاريخية، ممنوع توسعهم داخلها، ومع ذلك يتمددون ويتوسعون خارج كل الاتفاقيات المؤقتة، من الطائف 1934م، حتى غيرها من الاتفاقيات غير الشرعية،وغير الملزمة لأبناء اليمن، اقصد اليمن، الشعب، لأنها لم تخضع للاستفتاء الشعبي والوطني بالمعايير الوطنية والقانونية الدولية.
وشخصياً لا أفهم تحول “التحالف” إلى حالة احتلالية، إلا من واقع استدامتهم للحرب لسنوات ست عجاف، وتمويلهم وتسليحهم للميليشيات المختلفة، وحصار الجيش الوطني وإفساده،ووقف تنمية البلاد الاقتصادية عند حدود الصفر،بعد تجميدهم لموانيء ومطارات البلاد، إلى انهيار العملة الكارثي، وصولاً لعمليات التهجير القسري الواسعة للعمالة اليمنية، كل ذلك، لا أرى فيه سوى أنها ضغوط “حرب جديدة/مضافة”، سياسية واقتصادية واجتماعية على اليمنيين نحو مزيد من إنهاكهم وإضعافهم حتى وضعهم تحت شروط سلبية قاهرة ليرضخوا، ويقبلوا بشروط تسليمهم بما تحت أيديهم من أراض يمنية تمددوا وتوسعوا فيها في فترة الحرب،وما قبل الحرب،تمهيداً لإنجازهم تسوية سياسية ، لبناء الدولة، على منوال العراق، وما يرتب، لليبيا …إلخ ،ومن هنا فإن استدامة الحرب خدمة لهم ولجميع الأطراف المحلية “الوكلاء” ، ولتجار الحروب، سواء من يشتغلون مع السعودية، أو الإمارات، أو إيران.
ومن هنا اكتفاء السعودية والإمارات بإدارة الأزمة بما يخدم مصالحهما، لأنهما يتوهمان أن استقرار اليمن ليس في مصلحتهما، ومن هنا مساهمتهما في تدمير حالة الاندماج الاجتماعي في كل البلاد: داخل الجنوب، وداخل الشمال، وفيما بين الجنوب والشمال.
إن إدارة اعمال الحرب بهذه الطريقة الجارية، وبمساهمة الأطراف اليمنية التابعة، في مناطق الشمال والجنوب، يعني المزيد من الإنهاك والتٱكل والتفكيك للدولة والمحتمع.. إضعاف وتفكيك وتدمير يتم بهدوء، وستلاحظون أن ذلك يتم ويحصل في جميع مناطق البلاد: من عدن إلى صنعاء إلى حضرموت وشبوة وابين وتعز وإلى سقطرى والمهرة حتى ما يسمى الساحل الغربي.
في تقديري أن الموقف السياسي السعودي “الرسمي جداً” من تهجير العمالة اليمنية ليس سوى حربٍ اقتصادية / اجتماعية، أحد أهدافها تكريس حالة استدامة الحرب اليمنية بأشكال أكثر عنفاً وقسوة على حياة الناس الاقتصادية والمعيشية.
والأكثر بشاعة وغرابة، أن النظام السعودي لم يكتف بطرد العمالة اليمنية من المؤسسات الحكومية، بل يهدد الشركات ومؤسسات القطاع الخاص، بفرض عقوبات على من لم يقم بتسريح العمالة اليمنية في المدة المحددة!!.
إن كل ذلك يحدث والسعودية تقول إنها اسُتقْدمت لاستعادة “الشرعية” والدولة، ومن أنها داعمة لليمن!! ولا يقول ممثل “الشرعية” “الرئيس الرهينة/ورحمة الله على مبدع رواية الرهينة/زيد مطيع دماج”، كلمة واحدة، ورئيس الوزراء كعادته في مثل هذه المواقف ملتزم بالسكوت،” الادب الجبان “،وفي حالة صمت عجيب وكأن الأمر لا يعنيه، وقادات الأحزاب من حوالي أكثر من شهر لم نسمع لهم موقفاً سياسياً رافضاً لعملية الطرد الجماعية للعمالة اليمنية،- سوى بيانات النعي النمطبة – والبلاد تعيش في أسوأ أوضاعها الاقتصادية والمعيشية والوطنية والانسانية .
والسؤال: كيف نفهم ونفسر الموقف السعودي ذلك سوى أنه تجسيد وتعبير عن حالة سياسية عدوانية دفينة، هدفها تفجير المجتمع من داخله، وضرب ما تبقى من اقتصاد “الدولة”،التي كانت، وحرمان قطاع واسع من أفراد المجتمع من عائدات المهاجرين من العملة الصعبة، والتي كانت تعمل حالة تنفيس اجتماعي/ اقتصادي نسبية في الحياة المعيشية لقطاع واسع من ناس المجتمع.
إن الموقف السعودي من الترحيل القسري للعمالة اليمنية بهذه الصورة الواسعة، والتي بدأت مع حرب الخليج الأولى، ولم تتوقف حتى اللحظة، هو دليل واضح على تناقض جذري للمصالح الواقعية لليمنيين مع المصالح الاستراتيجية للسعودية، ومن أننا معهم في حالة صراع تناقضي، وليس تحالفاً كما يتوهم البعض.
كانت فرصتهم التاريخية، والتي لا تعوض قيام الانقلاب على العملية السياسية السلمية وتحول الانقلاب” الحوثي/ الصالحي”، إلى حالة حرب داخلية شاملة، بعد استنجاد الرئيس الضعيف بهم، ليذهبوا في استثمار ذلك الوضع السياسي والعسكري ” الاستنجاد/ الفرصة”، حتى النهاية، وهو ما يحصل اليوم، في صورة الحرب الجارية، وفي صورة تحول التحالف إلى وصايا وانتداب وإلى احتلال.
ومن هنا تأكيدنا من أننا نعيش مع السعودية والإمارات حالة صراع تناقضي، وليس تحالف، خاصة وأن مشاريعهما الداخلية تذهب في اتجاه التطبيع الكامل مع الكيان الصهيوني.
والسؤال: أين اليمنيون أصحاب المصلحة في الإصلاح والتغيير، من كل ما يجري من عبث سعودي إماراتي، إيراني في اليمن؟!
هل بعد ذلك يمكننا القول من أن السعودية والإمارات استقدمتا لاستعادة الدولة؟
أم أن علينا أن نبدأ ببلورة رؤية سياسية وطنية يمنية، واقعية –بالتدريج- للخروج من الأزمة المركبة التي تعيشها البلاد، أزمتنا السياسية مع داخلنا، وأزمتنا الوطنية مع الخارج.. رؤية تجمع بين الفكرة والتمهيد للتحرك نحو خطوات عملية في هذا الاتجاه، وكلها تبدأ من امتلاكنا للإرادة، والعمل المشترك مع الجميع في هذا الاتجاه.
فلا يصح بعد اليوم أن يردد البعض خطاب” استعادة الشرعية”،عبر ،”التحالف” الذي تحول في واقع الممارسة إلى عدوان واحتلال!!
خلاصة القول:
في تصوري، أن من المهم أن نقف بجدية أمام سؤال ترحيل العمالة اليمنية بمستوياتها المختلفة، وفي هذا الظرف الصعب سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وما هي الأهداف السياسية السعودية من وراء ذلك؟ إلى جانب غيره من الأسئلة الملحة المؤجلة، وحينها قد نقف على بداية ناصية الرؤية التي قد تمهد لنا للوصول للحل.. حل مشاكلنا مع داخلنا أولاً، وحل مشاكلنا مع من استقدمناهم لمساعدتنا في وهْم استعادة الدولة، وهو ثانياً.
وصدق د.عبدالقادر الجنيد، حين قال: في مقاله الأخير عن طالبان والحوثي وأمريكا “لا يمكنك أن تحكم شعباً وتطلب منه أن يحتشد ويصمد ويقاتل وينتصر، وهو يكرهك بقلبه ولا يثق بك بعقله”، والقول ينطبق مع تحوير بسيط على الجميع: الشرعية، والسعودية، والإمارات،وايران، وجميع الميليشيات.
ومن هنا أهمية صياغة رؤية سياسية وطنية تستوعب، وتستغرق في إطارها جميع المفردات والمعطيات الحاصلة في كل البلاد، شمالاً وجنوباً.
والأهم استيعابنا وإدراكنا من أن الطغاة في التاريخ هم شرط الغزاة.
ونقطة على السطر
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا