هيومن رايتس: الغارات الإسرائيلية على أبراج غزة ترقى لـ”جرائم حرب”
يمنات – وكالات
في أول تعليق لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية على استهداف الأبراج خلال العدوان الإسرائيلي على غزة، قالت المنظمة الدولية، الاثنين، إن الغارات الجوية الإسرائيلية التي دمرت أربعة أبراج شاهقة في مدينة غزة أثناء القتال في أيار 2021 يبدو أنها انتهكت قوانين الحرب وقد ترقى إلى جرائم حرب.
وأشارت المنظمة في تقرير مطول لها، أن تلك الهجمات أصابت المباني المجاورة بأضرار، وشردت عشرات العائلات، وأغلقت عشرات الشركات التي كانت توفر سبل العيش لكثير من الناس.
وبحسب التقرير، فإنه بين 11 و15 أيار هاجمت القوات الإسرائيلية أبراج هنادي، والجوهرة، والشروق، والجلاء في حي الرمال المكتظ بالسكان، وفي كل هجمة، حذر الجيش الإسرائيلي شاغلي المباني من هجمات وشيكة، ما سمح بإجلائهم، حيث سويت ثلاث مبانٍ على الفور بالأرض بينما أصيب المبنى الرابع، الجوهرة، بأضرار جسيمة ومن المقرر هدمه.
ووفقًا للتقرير، فإن السلطات الإسرائيلية تجادل، بأن الفصائل الفلسطينية المسلحة استخدمت الأبراج لأغراض عسكرية، لكنها لم تقدم أي دليل يدعم هذه المزاعم.
وقال ريتشارد وير الباحث في قسم الأزمات والنزاعات في هيومن رايتس ووتش “تسببت الغارات الإسرائيلية غير القانونية على ما يبدو على أربعة أبراج في مدينة غزة بأضرار جسيمة ودائمة لعدد لا يحصى من الفلسطينيين الذين عاشوا، وعملوا، وتسوقوا، واستفادوا من الأعمال التجارية الموجودة هناك، على الجيش الإسرائيلي أن يقدم علنًا الأدلة التي يقول إنه اعتمد عليها لتنفيذ هذه الهجمات”.
وقال الجيش الإسرائيلي إنه أثناء القتال مع الفصائل الفلسطينية المسلحة في غزة من 10 إلى 21 أيار، هاجمت قواته حوالي 1,500 هدف بذخائر جوية وأرضية، فيما أفادت “الأمم المتحدة” أن الهجمات الإسرائيلية قتلت 260 شخصًا في غزة، على الأقل 129 منهم مدنيون، بينهم 66 طفلاً، في حين قالت السلطات المحلية في غزة إن 2,400 وحدة سكنية أصبحت غير صالحة للسكن بينما تضررت أكثر من 50 ألف وحدة ودُمرت أكثر من 2,000 منشأة صناعية، وتجارية، وخدمية أو تضررت جزئيًا.
وبحسب التقرير، فإن الفصائل الفلسطينية المسلحة أطلقت أكثر من 4,360 صاروخًا تجاه إسرائيل، ما أسفر عن مقتل 12 مدنيًا في إسرائيل بينهم طفلان وجندي بحسب السلطات الإسرائيلية.
وأشارت هيومن رايتس ووتش أنها اعدت تقريرًا منفصلاً عن الضربات الجوية الإسرائيلية التي قتلت عشرات المدنيين الفلسطينيين وآخر عن الهجمات الصاروخية التي شنتها الفصائل المسلحة الفلسطينية في انتهاك لقوانين الحرب. وفق المنظمة.
وبين أيار و آب، قابلت هيومن رايتس ووتش عبر الهاتف 18 فلسطينيًا كانوا شهودًا وضحايا للهجمات على الأبراج وبينهم سكان، وأصحاب أعمال، وموظفون، فضلاً عن الموجودين في المباني المجاورة المتضررة، كما راجعت هيومن رايتس ووتش مقاطع فيديو وصور التُقطت بعد الهجمات، وتصريحات لمسؤولين إسرائيليين وفلسطينيين وجماعات فلسطينية.
وضمت الأبراج عشرات الشركات، ومكاتب وكالات أنباء، والعديد من المنازل، حيث قال جواد مهدي (68 عامًا)، صاحب برج الجلاء والذي عاش هناك مع عشرات من أفراد أسرته: “كل هذه السنوات من العمل الشاق، كانت مكانا للعيش والأمان والأولاد والأحفاد، كل تاريخنا وحياتنا دمرا أمامنا… كأن أحدا يمزق قلبك ويرميه”.
قالت هيومن رايتس ووتش إن الآثار طويلة المدى للهجمات تتجاوز التدمير الحالي للمباني، حيث فُقدت العديد من الوظائف مع إغلاق الشركات، وتهجّرت العديد من العائلات.
وقال محمد قدادة (31 عامًا)، وهو رئيس شركة تسويق رقمي تقع في برج هنادي، إن الموظفين الـ 30 المتضررين من بينهم أشخاص “يعيلون عائلاتهم، وغيرهم حديثو الزواج، وآخرون يعيلون أهاليهم المسنين، ولديهم أقارب لديهم أمراض ويحتاجون إلى دعم مالي، لن يجدوا عملاً آخر لأن المعدات التي امتلكوها ومكنتهم من العمل والتصميم والإنتاج دُمّرت تمامًا، فكيف يمكنهم العمل؟”
وبحسب إسرائيل، فإن تلك الأبراج العالية كانت تضم مكاتب للفصائل الفلسطينية المسلحة، منها مقار لبعض الوحدات والاستخبارات العسكرية وفي أحد الأبراج مكاتب ضمت “المعدات التكنولوجية الأكثر قيمة بالنسبة لـ”حماس” لاستخدامها ضد إسرائيل، لكن لم يتم الإعلان عن أي معلومات تدعم هذه الادعاءات. كما تقول المنظمة الحقوقية.
لم تجد هيومن رايتس ووتش أي دليل على أن أعضاء الفصائل الفلسطينية المشاركة في العمليات العسكرية كان لهم وجود حالي أو سابق في أي من الأبراج وقت الهجوم عليها، حتى لو تحقق مثل هذا الوجود، يبدو أن الهجمات تسببت بضرر غير متناسب متوقع للممتلكات المدنية. وفق تقرير المنظمة.
وتقول المنظمة “بموجب القانون الدولي الإنساني، أو قوانين الحرب، يجوز للأطراف المتحاربة استهداف الأهداف العسكرية فقط، عند القيام بذلك، عليها اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتقليل الضرر اللاحق بالمدنيين، وما لم تسمح الظروف بذلك، عليها إطلاق تحذيرات مسبقة فعلية بشأن الهجمات، وتُحظَر الهجمات المتعمدة على المدنيين والأعيان المدنية، بما فيها الانتقام من المدنيين، كما تحظُر قوانين الحرب الهجمات العشوائية بما فيها تلك التي التي لا تستهدف هدفًا عسكريًا محددًا أو لا تميز بين المدنيين والأهداف العسكرية، كما تُحظر الهجمات التي يكون فيها الضرر المتوقع للمدنيين والممتلكات المدنية غير متناسب مع المكسب العسكري المتوقع”.
وأشارت المنظمة إلى أنها طالبت في 30 أيار تصاريح لباحثين كبار لدخول غزة لإجراء مزيد من التحقيقات في الأعمال العدائية، لكن السلطات الإسرائيلية رفضت الطلب في 26 تموز، مشيرةً إلى أن السلطات الإسرائيلية ترفض منذ 2008 السماح لموظفيها الدوليين بدخول غزة، باستثناء زيارة واحدة في 2016.
في 13 تموز، رد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي على رسالة هيومن رايتس ووتش بتاريخ 4 حزيران تطرح أسئلة تفصيلية حول الهجمات، قائلا إن الجيش الإسرائيلي “يضرب أهدافًا عسكرية حصرًا بعد تقييم أنّ الأضرار الجانبية المحتملة الناجمة عن الهجوم ليست كبيرة مقارنة بالمكاسب العسكرية المتوقعة”.
وأضاف الجيش أنه يجري تحقيقات ويحقق في “حوادث مختلفة” من أجل “معرفة ما إذا انتُهكَت القواعد الإلزامية، واستخلاص النتائج”.
الهجمات على الأبراج
كانت الضربات على الأبراج الأربعة التي حققت فيها هيومن رايتس ووتش مجرد جزء صغير من الهجمات العسكرية الإسرائيلية على غزة أثناء القتال في أيار.
في كل حالة، حذر الجيش الإسرائيلي السكان من الهجوم الوشيك من خلال استدعاء مدير المبنى أو حارس الأمن أو احد شاغلي المبنى، وانتظر إخلاء الأفراد للمكان، ثم أطلق ذخائر أصغر كانت إما غير قابلة للانفجار أو ذات أثر تفجيري صغير – وهو ما يدعوه الجيش الإسرائيلي “الطَرق على السطح” – ثم نفذ غارات جوية، ثلاثة من المباني الأربعة سوّيت على الفور بالأرض. على الرغم من عدم ورود أنباء عن سقوط قتلى أو جرحى مقاتلين أو مدنيين، فقد دمرت الهجمات ممتلكات مدنية تقدر قيمتها بملايين الدولارات الأمريكية.
لم تجد أبحاث هيومن رايتس ووتش في الهجمات على الأبراج الأربعة أي دليل على وجود أعضاء من الفصائل الفلسطينية المشاركة في العمليات العسكرية في المباني أو وجودهم هناك مسبقا لمدة طويلة.
قال رجل أعمال إن “حماس” كان لديها مكاتب في برج هنادي، لكنه لم يستطع تحديد هوية الشاغلين، أو ما كانوا يفعلوه، أو إن كانت لديهم أي صلات بالجناح العسكري للحركة. بحسب التقرير.
بموجب قوانين الحرب، يجب ألا يتعرض المسؤولون المدنيون غير المشاركين في العمليات العسكرية للهجوم، المكاتب الإعلامية هي أعيان مدنية ما لم تشارك بشكل مباشر في الأعمال العدائية من خلال نقل المعلومات العسكرية. وفقًا لنص تقرير المنظمة.
برج هنادي
وفي أعقاب الهجوم، نشر الجيش الإسرائيلي عدة بيانات وصور، بالإضافة إلى فيديو للهجوم، وأقرت التصريحات بالهجوم وقالت إن حماس استخدمت المبنى “للبحث والتطوير العسكريين” وإنه ضم “مكاتب استخبارية عسكرية تابعة لحماس”، وذكر بيان نُشر على الموقع الإلكتروني للجيش الإسرائيلي أن المبنى ضم “وحدات عسكرية متعددة استخدمتها حماس” ويتضمن “مقرًا” للبحث والتطوير والاستخبارات العسكرية و”أكثر من ذلك”، لكنه لم يوضح أكثر.
ذكرت وسائل الإعلام أن المبنى ضم مكاتب للقيادة السياسية لحركة حماس، قال صحفي يعرف البرج طلب عدم الكشف عن هويته: “توجد مكاتب اجتماعات سياسية لأعضاء برلمان حماس والمتحدثين باسم حماس في البرج”، بينما قال أحد أصحاب الأعمال في البرج إن هناك مكاتب لحماس في البرج، لم يكن على علم بالغرض منها. وفق ما نقلت عنهم المنظمة الدولية.
وتقول هيومين رايتس ووتش “حماس، سلطة الأمر الواقع في غزة، هي منظمة تضم حزبًا سياسيًا وجناحًا مسلحًا، مجرد العضوية أو الانتماء إلى حماس ليس أساسًا كافيًا لتحديد شخص ما ليكون هدفًا عسكريًا مشروعًا، وتسمح قوانين الحرب باستهداف القادة العسكريين في سياق النزاع المسلح، شريطة أن تتوافق هذه الهجمات مع القوانين التي تحمي المدنيين، والقادة السياسيون الذين لا يشاركون في العمليات العسكرية، وكذلك المدنيون، ليسوا أهدافًا مشروعة للهجوم”.
المباني المجاورة مباشرة لبرج هنادي، وخاصة في الشمال، تعرضت لأضرار جسيمة، وتظهر صور الأقمار الصناعية الملتقطة في 14 مايو/أيار أضرارًا لحقت بالواجهتين الجنوبية والغربية لشقق حندوقة و”فندق غزة الدولي”، وكلاهما على بعد أمتار قليلة شمال برج هنادي.
برج الجوهرة
في مساء 11 مايو/أيار، اتصل الجيش الإسرائيلي بالسكان الذين يعيشون بجوار البرج لإبلاغ المستأجرين في برج الجوهرة المكون من 11 طابقًا بأنه سيتم استهداف المبنى، وهو تجاري في المقام الأول، وأنه يجب إخلاؤه، وحوالي الساعة 10 ليلا، أطلقت الطائرات الإسرائيلية ذخائر صغيرة أصابت سطح البرج والأرض قربه، وحوالي الساعة 2 فجر 12 مايو/أيار، أصابت ذخائر أكبر أُسقطت من الجو المبنى وألحقت به أضرارًا جسيمة.
كما كان المبنى يضم “SMT Solutions”، وهي شركة لتكنولوجيا معلومات توفر الإنترنت لمناطق في جميع أنحاء غزة، وقال منشور على صفحة الشركة على فيسبوك في 13 أيار إن شبكات الألياف الضوئية، ومركز البيانات، ومقر الشركة قد دمرت في الهجوم وسيستغرق إصلاحها ستة أشهر.
كما كان البرج يضم “نادي الصحفي الصغير”، محطة البث الإذاعي الوحيدة للأطفال في غزة، وقال غسان رضوان (51 عامًا)، صاحب النادي الإذاعي، إن ثمانية أشخاص كانوا يعملون في المحطة الإذاعية وأكثر من 20 طفلاً كانوا يديرون البرامج وينفذون البث، دُمّر كل شيء في مقرهم، وستكلف إعادة بناء الشبكة حوالي 70 ألف دولار، لكن ذلك سيتطلب التغلب على القيود المفروضة على دخول معدات الاتصالات بسبب الإغلاق الإسرائيلي والقيود المصرية.
برج الشروق
بعد ظهر 12 أيار، اتصل الجيش الإسرائيلي بحارس برج الشروق المكون من 14 طابقًا، والذي أبلغ شاغلي المبنى بأن المبنى قد يتعرض للهجوم وأن عليهم الخروج منه، وبعد حوالي 30 دقيقة من التحذير الهاتفي، أطلقت الطائرات الإسرائيلية ذخائر متفجرة منخفضة القوة على المبنى، وبعد بضع دقائق، قصفت الطائرات الإسرائيلية البرج بعدة قذائف كبيرة من الجو، ما ألحق أضرارًا بالغة بالبناء، وتسبب بانهيار جزأين من المبنى وترك جزأه الأوسط – أعلى جزء منه – قائمًا، وبعد حوالي عشر دقائق، هاجمت الطائرات الإسرائيلية الجزء المتبقي من المبنى بوحدتَي ذخيرة كبيرتين، ما تسبب في انهيار الجزء الأخير على المتاجر والمنازل المجاورة.
لم يُقتل أو يُصب أحد نتيجة ذلك، لكن أصحاب البرج والشركات في المبنى وفي المباني المجاورة وصفوا الدمار والأضرار التي لحقت بعشرات الشركات وما لا يقل عن ستة منازل.
بعد الهجوم، نشر الجيش الإسرائيلي رسم غرافيك للمبنى وبيانًا جاء فيه أن “المبنى يضم مكاتب استخبارات عسكرية تابعة لحماس، وبنية تحتية تستخدمها المنظمات الإرهابية لإيصال معلومات تكتيكية – عسكرية”. وفق نص بيانه كما أوردته المنظمة.
وقال أحمد مسعود المغنّي (60 عامًا)، رئيس مجلس إدارة المبنى، إن المبنى كان يضم 50 مكتبًا، ومقهى، و”مكاتب أطباء ومحامين وصحفيين”، وشقق سكنية فارغة، حيث قدّر المغني أن تكلفة إعادة بناء البرج تتراوح بين 2 و3.5 مليون دولار وستستغرق سنوات عدة.
ودمر الهجوم مكاتب عدد من وسائل الإعلام في المبنى، هي: “قناة الأقصى الفضائية” و”راديو الأقصى”؛ و”شركة فلسطين للإنتاج الإعلامي”؛ و”تلفزيون القدس اليوم”، وصحيفة “الحياة الجديدة” المرتبطة بالسلطة الفلسطينية.
كانت شركة فلسطين للإنتاج الإعلامي تستأجر خمس شقق في الطوابق 5 و9 و13، وقال إسماعيل عبد الغني إسماعيل جبر (27 عامًا)، الذي يمتلك والده الشركة، إن الشركة تعمل في المبنى منذ عام 1994، وكان يعمل بها 17 شخصًا عند الهجوم.
برج الجلاء
بعد ظهر 15 أيار، تحدث رجل عرّف عن نفسه باسم “داني” من الجيش الإسرائيلي باللغة العربية على الهاتف إلى ابن شقيق جواد مهدي (68 عامًا)، مالك برج الجلاء المكون من 14 طابقًا، وسُجّل صوت داني على هاتف محمول وهو يهدد بهجوم انتقامي: “لأنهم الجماعات المسلحة الفلسطينية، قصفوا إسرائيل وقصفوا تل أبيب، سنضرب البرج بأكمله”، سُلّم الهاتف إلى مهدي/ قال “داني” لمهدي أن يبلغ الشاغلين أنه سيتم استهداف المبنى وأن عليهم إخلاء جميع الطوابق.
أرسلت هيومن رايتس ووتش أسئلة إلى الجيش الإسرائيلي للاستفسار عن صحة التسجيل وما إذا كانت التصريحات فيه تعكس السياسة العسكرية الإسرائيلية، ولكن حتى تاريخ النشر، لم تكن قد تلقّت أي رد.
حوالي الساعة 3 بعد الظهر، أطلقت الطائرات الإسرائيلية ذخائر صغيرة على المبنى، في غضون دقائق، هاجمت الطائرات الإسرائيلية البرج مستخدمة وحدتَي ذخيرة على الأقل أسقطتهما قرب قاعدة المبنى من الجانبين وانهار فورًا.
لم يُقتل أو يُصب أحد لأن الجميع غادروا، لكن السكان والمستأجرين قالوا إنه بالإضافة إلى تدمير المبنى، فقدوا كل شيء في منازلهم وأعمالهم، بما فيها المعدات والسجلات/ حيث كان المبنى يضم مكتبَي “الجزيرة الإنغليزية” ووكالة “أسوشيتد برس”.
عقب الهجوم نشر الجيش الإسرائيلي صورة وفيديو، وأصدر عدة بيانات سعت إلى تبرير الهجوم، كما أصدر مسؤولون وسياسيون عسكريون إسرائيليون، بمن فيهم رئيس الوزراء آنذاك بنيامين نتنياهو، بيانات أو خاطبوا وسائل الإعلام حول هذا الموضوع، وتغيرت هذه التصريحات مع الوقت، واصفة التهديدات التي يشكلها الوجود العسكري المزعوم بأن خطرها يتزايد.
يوم الهجوم، صرح الجيش الإسرائيلي أن المبنى “يحتوي على عتاد عسكري تابع لمكاتب استخبارات منظمة حماس الإرهابية”، لاحقًا ذلك اليوم، قال إن المبنى “كان يضم وحدة البحث والتطوير التابعة لحماس، المسؤولة، من بين أمور أخرى، عن الأنشطة الإرهابية ضد دولة إسرائيل”، وأضاف البيان نفسه أن هذه الوحدة تضم “خبراء متخصصين بالمواد، يشكلون رصيدًا فريدًا لمنظمة حماس الإرهابية، وهؤلاء الخبراء يشغّلون أكثر معدات حماس التكنولوجية قيمة ضد إسرائيل”، فيما قال المتحدث باسم الجيش آنذاك، العميد جوناثان كونريكوس، لـ “رويترز” لاحقًا ذلك اليوم إن المكاتب التي كانت تشغلها الفصائل الفلسطينية المسلحة كانت تقع في عدة طوابق”. وفق ما أوردت المنظمة في تقريرها.
في 16 أيار، صرّح الحساب الرسمي للجيش الإسرائيلي على تويتر أن البرج كان “قاعدة عمليات مهمة للمخابرات العسكرية لحماس”، وأنه إلى جانب جمع المعلومات الاستخبارية، تمّ “تصنع أسلحة ومعدات لعرقلة عمليات الجيش الإسرائيلي”، في تغريدة ثانية، بعد دقائق، قال إن حماس و”الجهاد الإسلامي” أزالتا المعدات بعد تحذير الجيش لشاغلي المبنى والسكان، رغم أنه لم يحدد ما هي المعدات.
في 17 أيار، صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك نتنياهو على شبكة التلفزيون الأمريكية” سي بي إس” إن المبنى كان يضم “مكتب استخبارات للمنظمة الإرهابية الفلسطينية يقع في المبنى، وهو يخطط وينظم هجمات ضد مواطنين إسرائيليين”، فيما قال مسؤول عسكري إسرائيلي كبير لم يذكر اسمه لـ نيويورك تايمز في مقال منشور في 21 أيار إن المبنى يحتوي على معدات تشويش إلكتروني، لكن لم تقدم إسرائيل أي دليل لدعم أي من هذه الادعاءات.
رفض المستأجرون، والسكان، ومالك المبنى المزاعم الإسرائيلية عن وجود جماعات مسلحة في المبنى.
وقال الرئيس والمدير التنفيذي لوكالة أسوشيتد برس غاري برويت “ليس لدينا ما يشير إلى أن حماس كانت في المبنى أو تنشط فيه، هذا أمر نسعى إلى التحقق منه بأفضل ما في وسعنا، لن نعرّض صحفيينا للخطر عن سابق علم”.
قال مهدي، وهو مقيم أيضا في المبنى، إن قيمة المبنى كانت نحو 5 ملايين دولار، وقيمة الأثاث والأجهزة التي دمرت نحو مليونَيْ دولار.
من جانبه قال فارس الغول (30 عامًا)، والذي يعمل في “مجموعة الميادين الإعلامية”، التي كان لها مكاتب في برج الجلاء، إنه كان في مكتبه في الطابق الثالث مع خمسة من زملائه عندما أمرهم مسؤول المبنى بالإخلاء.
وأضاف “لم أكن أعرف ماذا أفعل، تخيل الموقف، يأتيك مسؤول المبنى باكيًا، وهو يقول: “أسرعوا! بسرعة! اخرجوا! سوف يقصفون المبنى”، لذا، أخذنا أنا والخمسة الآخرون ما استطعنا من معدات وتركنا وراءنا معدات بقيمة 200 ألف دولار، لأنه لم يكن لدينا الوقت الكافي.
تشمل المعدات التي دُمّرت جهاز إرسال عبر الأقمار الصناعية، قال إن كلفته حوالي 120 ألف دولار، ومن الصعب للغاية استبداله بسبب الإغلاق الإسرائيلي لغزة.
كما ألحق الهجوم أضرارا بمبانٍ مدنية حول المبنى، آثار طويلة الأمد “لها تداعيات”، وإغلاق غزة
وتقول هيومن رايتس ووتش، بالإضافة إلى الأضرار والدمار الذي لحق بالأبراج ومكاتبها ومساكنها، من المتوقع أن يكون للهجمات آثار “لها تداعيات” مختلفة، كالضرر بالمدنيين والأعيان المدنية بسبب الهجوم غير المباشر أو الفوري، وتشمل هذه الآثار النزوح، وتدني مستوى المعيشة، وإعاقة الحصول على المأوى والرعاية الصحية والخدمات الأساسية مثل الكهرباء، وكلها تؤثر على حقوق الإنسان الأساسية.
وأضافت “في غزة، تتفاقم هذه الآثار بسبب الإغلاق الشامل الذي تفرضه إسرائيل على القطاع منذ 2007، والذي بالكاد تخفف مصر منها على حدود غزة من الجنوب، إذ تبقي على قيودها، حيث أدى الإغلاق الإسرائيلي، والقيود على الحدود المصرية، إلى تدمير اقتصاد غزة، ويعتمد 80% من سكان غزة على المساعدات الإنسانية ويعيش أكثر من نصفهم تحت خط الفقر، وفي 2020، تجاوز معدل البطالة 40%”.
وتابعت “تبرر السلطات الإسرائيلية إغلاق غزة بأسباب أمنية، لكن الحظر المفروض على حركة أكثر من مليوني شخص، مع استثناءات ضيقة، على أساس التهديدات المعممة، والقيود الشاملة على دخول وخروج البضائع، ينتهك التزامات إسرائيل بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، اللذين يتطلبان ضمان تلبية احتياجات السكان”.
وواصلت “السلطات الإسرائيلية، مثلا، تقيّد بشدة دخول ما يسمى بالمواد ذات الاستخدام المزدوج، التي يمكن استخدامها لأغراض عسكرية، مثل بناء الأنفاق أو التحصينات، إلا أن قائمة الاستخدام المزدوج تشمل فئات فضفاضة للغاية وعناصر حيوية لتلبية احتياجات سكان غزة، بما فيها “معدات الاتصالات”، و”عناصر أو منتجات البناء من الفولاذ”، و”معدات حفر (الابار)”، وبعض المعدات الطبية”.
وبينت المنظمة أن هذه القيود أدت إلى الحد بشكل كبير من حصول السكان على مواد البناء وغيرها من السلع الحيوية لإعادة بناء غزة وبنيتها التحتية.
ويقول الجيش الإسرائيلي إن الجماعات المسلحة في غزة تستخدم الإسمنت لبناء الأنفاق، ويقدر أن بناء كيلومتر واحد من الأنفاق يتطلب بضع مئات أطنان من الإسمنت، لكن الناس في غزة بحاجة إلى أكثر من مليون طن من الإسمنت سنويًا لبناء وصيانة المنازل، والمدارس، والعيادات الصحية، ونظام المياه، والبنية التحتية الحيوية الأخرى.
الدمار والضرر اللذان لحقا مؤخرًا بعشرات آلاف المباني السكنية والتجارية والبنية التحتية بسبب الضربات الإسرائيلية يزيدان من الحاجة إلى مواد البناء لإصلاح وإعادة بناء هذه المباني. كما تقول المنظمة.
وطالبت المنظمة الحقوقية، السلطات الإسرائيلية ألا تضع قيودًا على سلع هي بمعظمها مدنية، وضرورية جدًا لإعادة البناء، بذريعة احتمال استخدام الجماعات المسلحة جزء صغير منها لبناء الأنفاق أو لأغراض عسكرية أخرى.
وتقول “تعذُّر الحصول بشكل عام على مواد البناء يعني أن أي جهود لإعادة الإعمار ستتطلب وقتًا طويلاً لإكمالها”.
وفي مقابلات مع مستثمرين ومالكين في ثلاثة من الأبراج الأربعة، قال الجميع إنه بسبب إغلاق إسرائيل، ستستغرق إعادة بناء المباني سنوات، حيث أعرب عديد من أصحاب الأعمال الذين يعتمدون على المعدات المتخصصة التي يخضع دخولها لقيود، مثل معدات البث، عن قلقهم من أن إعادة البناء ستكون معقدة وبطيئة.
وفي 13 آب، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه، في ضوء الوضع الأمني المستقر حاليًا، سيوسع قائمة البضائع المسموح بدخولها إلى غزة، بما في ذلك السماح بدخول “البضائع والمعدات للمشاريع الإنسانية”.
فيما قالت السلطات الفلسطينية في 17 آب إنه بحسب المعلومات التي تلقتها من السلطات الإسرائيلية، فإن “مواد البناء للقطاع الخاص والمتعلقة بالمشاريع الإنسانية فقط” ستكون من بين المواد المسموح بدخولها إلى غزة.
وبحسب تقارير، سمحت السلطات الإسرائيلية بدخول بعض المواد في 19 آب، لكن ما زال من غير الواضح إلى أي مدى يمثل هذا تغييرًا في السياسة وإلى متى ستبقى هذه الإجراءات سارية.
وقالت هيومن رايتس ووتش “على الحكومة الإسرائيلية السماح بدخول الإسمنت وغيرها من المواد اللازمة لإعادة بناء البنية التحتية المدنية إلى غزة، على أن تخضع، بالحد الأقصى، لقيود ضيقة موضوعة على أساس تقييمات أمنية محددة”.
وأضافت “ما لم يتم رفع الإغلاق أو تخفيفه بشكل كبير، ستتفاقم الآثار طويلة المدى، والتي تحمل تداعيات أخرى، الناتجة عن تدمير الأبراج والبنية التحتية المدنية الأخرى”.
وطالبت المنظمة مكتب المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية إلى مراقبة الوضع في غزة، وأن يدرج في تحقيقه بشأن فلسطين الهجمات الإسرائيلية في غزة غير القانونية على ما يبدو، وكذلك الهجمات الصاروخية الفلسطينية التي أصابت مراكز سكانية في إسرائيل.
وقالت “على السلطات القضائية في الدول الأخرى أن تحقق وتقاضي، بموجب القوانين الوطنية، المتورطين بشكل موثوق في جرائم خطيرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة وإسرائيل بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية”.
وأضافت “على الأطراف المتحاربة الامتناع عن استخدام الأسلحة المتفجرة ذات الآثار الواسعة في المناطق المأهولة بالسكان بسبب الضرر العشوائي بالمدنيين الذي يمكن توقعه، وعلى الدول أيضًا دعم إعلان سياسي قوي يعالج الضرر الذي تسببه الأسلحة المتفجرة للمدنيين ويلتزم بتجنب استخدام الأسلحة التي لها آثار واسعة النطاق في المناطق المأهولة بالسكان”.
وتابعت “يمكن مهاجمة الأفراد أو المعدات المستخدمة في العمليات العسكرية، ولكن تبرير تدمير مبنى كبير بأكمله قد يكونون موجودين فيه يعتمد على كون الهجوم لا يلحق أضرارًا غير متناسبة بالمدنيين أو الممتلكات المدنية، وتَنَاسُب الهجوم هو عرضة أكثر للشكوك لأن القوات الإسرائيلية أثبتت سابقا قدرتها على ضرب أرضيات أو أجزاء معينة من المباني، إلا أنّ هذه الهجمات سوّت ثلاثة مبانٍ بالأرض بالكامل من خلال مهاجمة سلامتها الهيكلية كما هو واضح”.
وواصلت “انتشار الفصائل الفلسطينية المسلحة في الأبراج، إذا كان صحيحًا، يتعارض مع متطلبات اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتقليل الضرر اللاحق بالمدنيين الخاضعين لسيطرتها وتجنب وضع أهداف عسكرية في مناطق مكتظة بالسكان، حيث اتهمت إسرائيل الفصائل الفلسطينية المسلحة مرارًا بالانتشار بين المدنيين، كما اتهمتها، دون تقديم أدلة، باستخدامهم كـ “دروع بشرية” – وهي جريمة الحرب المتمثلة في تعمد وضع القوات العسكرية مع المدنيين لردع استهداف تلك القوات”.
وأشارت إلى أن الإغلاق الإسرائيلي لغزة منذ 14 عامًا إلى جانب القيود المفروضة على الحدود المصرية، أدى إلى تدمير الاقتصاد في غزة.
ودعت المنظمة لجنة تحقيق معالجة الخروقات والانتهاكات في الأراضي الفلسطينية المحتلة وإسرائيل، إلى التدقيق في الهجمات غير القانونية التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية والفصائل الفلسطينية المسلحة أثناء قتال مايو/أيار، إلى جانب تحليل السياق الأوسع، بما في ذلك المعاملة التمييزية للحكومة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين.
وقال وير: “خلال الأعمال العدائية في مايو/أيار، لم تقتل الضربات الإسرائيلية غير القانونية العديد من المدنيين فحسب، بل دمرت أيضًا أبراجًا، ودمرت عشرات الشركات والمنازل، وزعزعت حياة آلاف الفلسطينيين .. تمويل المانحين وحده لن يعيد بناء غزة، يجب إنهاء الإغلاق الساحق لقطاع غزة والإفلات من العقاب الذي يغذي الانتهاكات الجسيمة المستمرة”.
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا