شماعة الخوف
يمنات
ماجد زايد
عن تهمة الإنتماء للحـ وثي..
الحوثـ ية تهمة إفتراضية وشماعة مهولة في عقول سلطوية تخاف على مصيرها من مجرد وصول الحـ وثي إليها، لقد أرق مضاجعهم، وأوجع إطمئنانهم في.. لقد صار -بعبعًا- مسيطرًا على رؤوسهم وتوقعاتهم المرتعبة من فكرة وجوده.. فخلال سنوات الحرب الأخيرة، يعيش الناس في جغرافيا الشرعية بشتى إنتماءاتهم وتكويناتهم على خيالات الخوف من قدوم الحـ وثي، الخوف من الحرب الحتمية على إستقرارهم ونموهم، وتمامًا كما يقول “بيكساي”: في كل منعطف تاريخي يلبس “الخوف” الإنساني لبوسًا جديدًا.. هذا ما يعكسة تفاعلات الناس في مناطق الشرعية وخيالاتهم المضطربة وغير المستقرة، تفاعلاتهم التي تشكلت في غايتها ووجودها لردع فكرة “الخوف والخطر”، الخوف الذي يسكنهم حيال الحرب الحـ وثية عليهم، والخطر المتصاعد تجاه سلطتهم ومصيرهم، وما تلك المظاهر المسلحة والمتزايدة في شوارعهم سوى صورة أخرى عن فكرة البحث عن حالة “الاطمئنان”، أي الاستمتاع بـ “فكرة الحياة المستقرة والنمو الجديد” دون التفكير في “خطر الحوثي المتفاقم حول مصيرهم”!
كل هذا ينعكس من خلال التحذير المهووس من فكرة الخلايا المندسة، والإتهامات الداخلية البينية، والتشكيك الممنهج بكل ما يعيش بينهم، التهويل الكبير لفكرة الحق والإنتصار، كل هذه الأمور إنعكاسًا واضحًا لحالة الخوف العام من خطر قادم.. لذا فأن مقاومة “الخوف” هاجسًا مؤرقًا لهم، كلما أرادوا مطاردته، عاد إليهم على هيئة جبهة أخرى وتحشيد أكبر، الإنسان كثيراً ما يصنع الخوف ثم يحاربه، هكذا يقول “بيكساي” فكلما أعتقدوا بأن سلاحًا جديدًا يحميهم اكتشفوا أن هناك سلاحًا أشرس منه في يد خصومهم، إكتشفوا أن الحرب عليهم مفتوحة من كل الجهات وعلى كل الجبهات، والموت في كل ركن، لهذا ظل الخوف قائم، والبحث عن مقاومة الخوف قائمة، وصناعة “الخوف” قائمة أيضًا..
هذه المخاوف تنعكس على المواطنين، وتنقلاتهم وحياتهم، فبمجرد وجود إنسان أخر من خارج تنظيمهم وسلطتهم ومنطقتهم، يكون مشكوك في أمره، أيًا كانت صفته، هذا في جانب البقاء، فكل مواطن يعيش معهم دون أن يعرفه أحد منهم، فهو ضمن دائرة الإتهام بالحـ وثيه وهو أيضًا ضمن توقعات الخوف والتهديد، لهذا يتعاملون بغوغائية مع اليمنيين في مدنهم وتنقلاتهم، غوغائية تعكسها الأحداث والإعتقالات والجرائم المتكررة.. على سبيل المثال، في المناطق التي تسيطر عليها الشرعية عمومًا يوجد عشرات الناشطين الشباب معتقلين دون أي تضامن أو إثارة إعلامية، بعكس أصوات مناطق الحـ وثية التي لا تسكت عن الإنتهاكات الجارية فيها أيًا كان شكلها، وهذا بخلاف الفكرة العامة المسيطرة على قناعات الفاعلين المتعمدين للصمت في تلك المناطق، وهي الفكرة التي يظنون بواسطتها أن الحـ وثي هو المستفيد الأكبر من حملات التضامن مع معتقلي الرأي العام هناك أذا ما تمت أو حدثت، لهذا يسكتون ويتجنبون إثارة القضايا الحقوقية للشباب المنتهكين حتى ولو كانوا أصدقاءهم، ومن ناحية أخرى، لأن مساحة الأصوات الأخرى والحريات الحقيقية غير الإفتراضية تكاد تكون منعدمة ومرفوضة كتضييق إجباري ومنع أمني لكل صوت قد يعارض السلطة أو ينتقدها ولو بأي مساحة ممكنة.. ومن ناحية متصلة تم تسجيل إعتقال وإحتجاز وتوقيف مئات من سائقذ الدراجات النارية، ومئات من مالكي الباصات الصغيرة، والبسطات البسيطة في الشوارع، بتهم الخوف من الإنتماءات الحـ وثية، تم إعتقالهم الى أن يثبت مالكوها برائتهم من تهمة الإندساس عبر تقديم معرفين وضامنين شخصيين لهم، كان الأمر أشبه بإعتقال شعب كبير دون أدنى تهمة، فقط لمجرد الشك والخوف والشعور بالخطر.. هذه القبضة أفرزت خلوًا نهائيًا لأي أصوات أخرى من شأنها التفكير بالمعارضة السياسية في تلك المدن، هذه الأصوات تدرك جيدًا بأن تهمتها معدة مسبقًا، وهو الإخفاء القسري الطويل والبعيد..
أنا لا أصدق على الإطلاق أي طرف سياسي يحتكر قطعة جغرافيا لنفسه وفكره ورجاله، وفيها يتسلط ويحكم ويتجسس على مواطنيها وساكنيها والأبرياء القادمين إليها، ولأجل عداواته وبطولاته يطارد المساكين ويصنع منهم جواسيس خطيرين، بل ويدعو المجتمع للإبلاغ عن الخلايا الخطيرة، للإبلاغ عن ذاته.هذا الزمن أقبح وأبشع ما لا يمكن تخيله..!
كل شاشات الحرب تعرض أفلامًا وصورًا عن مواطنين وتقول عنهم جواسيس، مواطنين مزقتهم الحرب ومرغت حياتهم الجحيم، ماذا بعد هذا..؟! يأتي الصامد والمقاوم والمحرر والجمهوري ليجعل من الشعب مشكوك فيه وخائن وجاسوس..!! هذه النهاية لن تكون النهاية..! أن تقتل شعبًا وتهلك أرضًا وتدمر مستقبل أجيال وأجيال وتأتي في النهاية وتتجرأ على الشعب، كل الشعب جواسيس، لتظهر بطلًا وعظيمًا بإتهامك لمواطنين مشردين ومعلقين بالخيانة والتجسس، على من سيتجسس الشعب في الأصل، على من.؟!
على من أخبرونا..؟!
أخيرًا،
الإتهام السياسي أو الإنحطاط السياسي ليس شكلًا سياسيًا بقدر ماهو شكل متقدم من إنعدام العقل وسقوطه في وحل الهمجية والغباء، هو في النهاية طريقة متخلفة تنتج صنوفًا مختلفة من الأنظمة الشمولية والمتسلطة، وبها تتنازع مختلف النعرات والانتماءات الضيقة. إنه الزمن المشغول بإنتاج الفساد والخراب والهزائم المتكررة في التفاؤل الشعبي العام، زمن لعين يتمسك فيه الحيّ برأس الميت ولا ينجو منهما أحد..
نحن بحاجة لمساحات إضافية في توقعاتنا وتصوراتنا اليومية، مساحات تتسع لكل هذا الكم المرعب من العنف والخوف والتضييق، لكن الأمر المحيّر هو في خصوصية التفاعل والإستجابة الحاصلة بالمقابل، حيرة مرتبطة بالصدمة من تفاعلات الجمهور المتفاعل والخصوم السياسيين مع حالة التضييق الحاصلة للمختلفين عنهم في السياسة والتوجهات، تفاعلات تصبح في النهاية نوعاً ما من لذة الاستمتاع في التسبب بالألم للأخرين، هذه الخصوصية تتجسّد في كراهية الأخرين والحقد عليهم بلا أسباب مادية، وتكشف عن نقص أخلاقي يتكيف ببساطة ورضا تام مع عمليات التحقير والإهانة والإذلال.
الإنحطاط السياسي في المحصلة لا يعد شكلًا سياسيًّا متبعًا بقدر ماهو جزءاً إجراميًّا وإستخباراتيًّا تديره أنظمة شمولية تسلطية لا تثق بقدرتها على البقاء، الشعب لا يكون جاسوسًا وخائنًا على أرضه ووطنه، الخائن حقًا هو من جعل الشعب يتسول الخبز في الشوارع، من أرغم الناس على النزوح والهروب والتشرد.. لا خيانة أعظم من خيانة الشعب والناس، ولا جاسوسية ألعن من تدمير الوطن..!
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا