عن الحرية
يمنات
محمد اللوزي
المشكلة في أننا لم نعرف يوما ما الحرية بضوابط اخلاقية. ولم نعشها كماينبغي إبداعا ونظام حكم مبني على العيش المشترك.
لذلك أدمنا الخضوع، والانصياع، والقبول بما يمليه الآخر علينا، والبقاء في قفص التبعية والمحاكاة والتقليد والإرث الماضوي، دونما غربلته ونقده وتجاوز السلبي منه.
الحرية التي لم نأت إليها في سياق تاريخي منتظم، لم نكن ذات يوم فيها. لذلك بقينا في الأسر والعقلية الواحدة المسطحة اللامسئولة، ونحزن كثيرا حين نغادر السجن الذي صار فينا حياة مألوفة نحتفي بها لتبقينا في قعر التخلف مجرد أدوات ليست حتى ذكية.
السجن ليس بالضرورة اربعة جدران، ولكنه قد يكون سجنا مرتهنا الى ماهو بالي، ومايحركنا قيميا الى مايريد، وما يلغي التفكير ويبعث على الكسل الذهني والاتكالية واحالة العجز في التحرر والابداع الى المؤامرة، وإلى إرادة أخرى خارجية نبحث عنها في الفراغ وفي هذه العدمية التي تطال مجتمعا تنا العربية كلها، وتلقي باللائمة على الامبريالية والاستعمار لتعفي نفسها من الانجاز، وصناعة الغد، وفعل الاستيقاظ، والبقاء في متاهات لانعرف إلى أين تؤدي، كأن العربي هو المدجن على العبودية والاذلال، يحزن كثيرا حين يوشك أن يفارقها ويعود إليها سريعا كماحدث في الربيع العربي. يستلذ حياة البطريركية، والبقاء تحت ظل الفرد، هو من ينوب الكل في التفكير، ويمنحهم نعمة البقاء أحياء.
الحرية التي لاترقى الى مستوى التجدد والتفتح والإدراك بما هو إنساني والعمل على ضؤه. هي بانعدامها هكذا توق غزير الى الاستسلام والخضوع وتبرير الهزيمة في الذاكرة الجمعية والوجدان الجماهيري.
لم نألف الحرية ولم نتعايش معها. لذلك نخاصمها، نصدر فتاوي عنها، نذبحها حين نجدها، نرتل آيات محوها وعقرها وتكفير وتفسيق من يشترطها كضرورة وجود وتحول الى مايجعل الحياة رطبة وقابلة للعيش المشترك. من أجل ذلك لانحتفي بها، ونغرقها في قارب الجهل، ونجعلها تصدير غرب إلينا لابد من الوقوف ضدها وخلق تخاصم مع من يقول بها.
الحرية لم تكن نضالا وعملا فينا، ولم تصاغ فكريا وفلسفيا على مستوى الحياة. لذلك ترهقنا وتتعبنا ونرى إليها شيطان قدم من وراء البحار يريد استلابنا ماضينا وحاضرنا، من أجل ذلك نشد وثاقنا، ونعيش الدعة واللا مبالاة والتبريرية والاستغراق في الماضي كثيرا، ونقبل بالسجن المؤدلج الذي يصيغه أولو الأمر من أجلنا، ونخرج بهتافات وحشود يعجز عن وصفها الأنسان لما فيها من خضوع تام لماليس حرية وانتماء إبداعي.
هكذا نحن في تعاملنا مع الحرية، نلوكها ونفتقدها في آن، حين تريد أن تكون نجهز على حاملها، ونطفيء شعلتها وننام في دعة ليوم آخر من الحزن والعذاب ومغادرة الذات ذاتها والعيش في حالة اغتراب عن العصر وإيقاعاته. يلزم الحرية حرية، لنخرجها ونراها ونعيشها ونعمل من أجل ماهو إنساني يرتب فينا الحياة ويجعلها انتظاما وإبداعا وازدهارا اقتصاديا وتحولا سياسيا وتعايش مع الجمال دونما الغاء للعقل، ووأد حرية التفكير الخلاق. الحرية عدوها الحقيقي الانسان العربي، لأنه يقبل بمايملى ويفرض عليه، ويعيش خانعا صاغرا ذليلا لإرادة الحاكم وهو ينتقل به من فعل الرفض الاستعماري الى التطبيع، فيجد من يقهر تضحيات وتطلعات من ذات الأمة لأنها تحتكم الى الدكتاتور، الى المستلذ بعبوديتها الى المدجن لها والرابض فوقها، فيما هي معطلة حتى من الآهة وتستخذي الى ما يستلبها إرادتها. العربي غريب ومغترب في أرضه ووجوده وحياته التي لم يعشها يوما، لأنه في فخ السلطان والتسلط قابل له. الحرية تطلع وبناء وتفتح وازدهار وانتصار لقضايا مصيرية، وتحررمن ربقة الكتب الصفراء التي تفكر نيابة عنا، وتجعلنا نقع فيها مجرد مستهلكين.. مستهلكين.. وهالكين.