العرض في الرئيسةفضاء حر

اهمال التعليم والمعلم

يمنات

د. إبراهيم الكبسي

طالب يحمل في جيبه برشام غش لسورة المطففين ولأحاديث شريفة تحث على الصدق والأمانة والإخلاص وتقول (من غشنا فليس منا) ولأحكام فقهية تحرم الغش والكذب والتدليس، وطالب آخر يجلس داخل المسجد أو حتى داخل بيته من أجل كتابة براشيم الغش الخاصة بمواده الدراسية وأحيانا قد يكتبها أمام ولي أمره بكل جرأءة وقد لا يمانع ولي أمره في فعل ذلك، وآخر وصلت به الجرأءة على الله والجهالة إلى استخدام مكبرات الصوت في المسجد لكي يوصل الغش إلى زملائه الطلاب في قاعة الإمتحانات في المدرسة المجاورة للمسجد، واليوم هناك حفلات جماعية للغش والنقل والنسخ الكامل داخل قاعات الإمتحانات في كل المراحل الدراسية والجامعية تستخدم فيها كل تقنيات الغش القديمة والحديثة بما في ذلك الهواتف الذكية وتطبيقاتها وبرعاية وتسهيل من قبل البعض ممن باعوا ضمائرهم وأمانتهم العلمية والأخلاقية التي حملوها وبسبب حكومة فاسدة وفاشلة أهملت التعليم والمعلم وجعلته آخر أولوياتها، ليرتكب الجميع جريمة جماعية في حق هذا الوطن ولتحل الكارثة على الجميع.

كيف فهم هؤلاء جميعا حقيقة دينهم؟ وكيف فهم ذلك الطالب معنى التطفيف؟ وهل علموا أن الغش هو اعتداء على موازين العدل الإلهية، وهل فهموا أن الويل هو مصير كل من يغش ويكسب أمورا لا يستحقها، وأن المجتمعات التي تتعامل بالغش والكذب والتدليس تكون بيئة صالحة لنمو وترعرع الفساد والظلم وعرضة للدمار والإنهيار والضياع والجهل والتخلف، ويحكمها الفاشلون والجاهلون والمتسلقون، فإذا كان الطالب يتربى وينشأ من هذه السن الصغيرة والمبكرة على ثقافة مشروعية الغش، فما الذي سيفعله عندما يكبر ويترقى في مراحله التعليمية ويصل للثانوية ثم للجامعة وهو متمرس على الغش كوسيلة وحيدة للحصول على شهادته الجامعية ثم يخرج لمجتمعه ليصبح مسؤولا أو تاجرا أو موظفا أو معلما غشاشا يتعامل بالتدليس والكذب والرشاوى والظلم والفساد كوسيلة وحيدة للحياة وكسب المال ونيل المناصب؟

وهل تم تدريس الطالب بأنه إذا نجح وحصل على شهادة جامعية بالغش فإن كل ما سيتحصل عليه من فائدة مالية أو يترتب عليها من فوائد اقتصادية أو ترقيات أو مناصب هو حرام وباطل لا يستحقه لأنه حصل على شهادته بالغش والتدليس؟

هذا فعل واحد من آلالاف الأفعال التي يمارسها كثير من الناس في مجتمعنا بشكل يومي متكرر وكأنه أصبح نظاما وثقافة مجتمعية اعتيادية لا ينكرها أحد ولا يمنعها أحد سوى القليل منا، وهو يلخص حالة الإنفصام الديني المخيف الذي نعيشه في واقعنا المعاش، ويعكس حالة التدين المزيف الذي نتخبط فيه، ويؤكد أن واقع تعليمنا الفاشل الذي يهتم بصب المناهج في عقل الطالب صبا ويحشوها في كيانه حشوا بشكل تحفيظي تلقيني تعنيفي بلا تطبيق عملي ولا هدف ولا اقناع ولا حوار عقلي، لذلك نحن أمة (يقولون ما لا يفعلون)، نحن أمة المظاهر الخادعة بلا جوهر صادق، نحن أمة الشعارات الرنانة والبراقة والذي لا وجود لها على أرض الواقع.

المناهج الفاسدة أصبحت تدور داخل منظوماتنا التعليمية في حلقة مفرغة وتدمر أخلاق الأجيال القادمة كما فعلت في الأجيال السابقة، ومخرجاتها السيئة هي من سيقود البلد وستقوم بإدارة المنظومة التعليمية في المستقبل القريب لتساهم بدورها في تدمير المدمر ونشر هذه المناهج الفاسدة وبصورة أسوء ممن سبقها كسرطان خبيث يزداد سوء يوما بعد يوم وعاما بعد عام وقرنا بعد قرن ، بمعنى أن تعليمنا أصبح مصنعا لتدوير مخلفات منهجية ميؤس من صلاحها ونفعها، فإذا المدخلات سيئة والمكائن معيوبة وتالفة وبرمجتها خاطئة عندها ستكون المخرجات كارثية وأسوء بكثير من المدخلات.

ومع كل هذا الخراب لا نزال غارقين في مستنقع التدين الزائف الذي حفرناه بأيدينا قرونا طويلة وملأناه بأوحال مناهج الضلال فكانت النتيجة ضلال على علم، ونحن على علم بل ونواصل انكار وجود هذه الكارثة المنهجية ونغالط أنفسنا بأننا في خير، وهذا هو أشد وأخطر أنواع الضلالة فتكا بالأمم والشعوب، كما قال الله تعالى: (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون ). فهل سنستمر في المضي قدما في طريق الأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاء؟

من حائط الكاتب على الفيسبوك

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

زر الذهاب إلى الأعلى