هاني شاكر و فناني الشوارع
يمنات
ماجد زايد
لا أظن أن هاني شاكر بـمنعه للفنانين الشعبويين في مصر يهدف الى الحفاظ على الفن الأصيل، أو بدوافع الخوف على الأصالة والمجتمع، بقدر ما الأمر متعلق بالغيرة والرواج والوصول الأكبر والأسرع لفناني المهرجانات والشوارع، والفن الضاخب ذو الكلمات العادية والركيكة، هاني شاكر يغار من حالة الإستحواذ الكمي والكلي لهؤلاء الفنانين العاديين، على حساب المطربين والفنانين المحافظين على جودة الأغاني والأداء.. بغض النظر عن هاني شاكر الذي تنازل قبل أشهر وأصدر أغنية شعبية برفقة الفنان أحمد سعد، لتنجح الأغنية بصوت أحمد سعد، لكنها سرعان ما تراجعت ولم تتحول لأاني مهرجانات كما كان يتمنى، نجاحها كان مؤقت، بعكس أغاني حمو بيكا وشاكوش وبقيتهم، الأغاني المستمرة بكامل الحفلات والمهرجانات والأفلام والمسلسلات، حتى وصولها للوسط اليمني وبشكل كبير في شوارع المدن اليمنية.
ماذا يعني هذا؟!
حسنًا، سأقول لكم..
الشباب الفنانين الجدد، يميلون الى الانتاج الأسرع، والأبسط، والأصخب، كأغاني تبعث على التفاعل النفسي والجسدي والرقص معها، في حالة تقضي على البؤس والحزن والتفكير، أو كموجة للإنتقام من الضيق والهم والإحباط، وهو السائد في الوسط الشبابي العربي، وهذا بعكس الأغاني الطربية أو الأغاني الحزينة والمحفزة على خيالات البؤس والخذلان والتفكير بمظلومية الذات التعيسة، لقد سئم الشباب من الحفر في أحزانهم، والتفكير بأوجاعهم وإحباطهم، وأمامها ذهبوا للصخب والرقص والجنون مع فنانين ينتجون رغبات الجمهور بشكل يومي وأيرع، هذا من جهة..
ومن جهة متصلة فناني الشوارع أكثر قربًا وتواضعًا من فناني الألبومات المصنوعة بجودة عالية، فنان الشارع يعيش في الشارع، وجاء من الشارع، دون شهادات عليا ودورات مبالغ فيها، ومؤهلات ومعاهد والتزامات لا جدوى منها بنظر المتتبعين والمنتظرين، الفنانين المرموقين في مصر لا ينتمون في حقيقتهم للجمهور الشعبي، بقدر طموحاتهم للعالمية والمستويات المتقدمة، ولهذا لا ينتجون أغانيهم بشكل متواصل، ويظلون شهورًا وأعوام يصنعون الأغنية الواحدة شهور، وحين يصدرونها يحتفلون بها مع الطبقة المتباهية بحالها بعيدًا عن الجمهور الشعبي والشوارع المتلهفة لفن أسرع وأصخب..
هاني شاكر منع فناني الشوارع بدافع الغيرة، خصوصًا بعد تجاوزهم للحدود المصرية، ووصولهم للمهرجانات العربية، حمو بيكا وصل للسعودية وتونس، ورمضان تجاوز ذلك بكثير، وفي المقابل هاني شاكر وأمثاله تراجعوا وإقتصرت أغانيهم على بيوت الفلل الأكثر مادية، وهذا ما دفعهم للجنون، ليبالغوا جدًا في مواجهتهم وإرباكهم، لكن الأمر تجاوز شاكر ومن يدفعونه للحيلولة دون الحريات والأذواق العامة، للجمهور الحق في الإستماع لمن يشاء، ولكل مواطن الحق في أن يعلن عن نفسه فنانًا أو حتى راقصة، هذه حقيقة ومنطقية، وحريات عامة، والأصالة والطرب خالد بخلود الإحترافية والعشق الجماهيري لها، ولكن، وفي المقابل أيضًا، أذا كان فناني المهرجانات يصنعون الإنحراف، بحسب شاكر، فأن أغاني هاني شاكر تبعث الكثير من الحزن واليأس والإحباط، لماذا أذًا لا يتم منع أغاني الحزن والإنتحار؟! وهي أمور أكثر فداحة من الإنحراف الشبابي، وأيضًا لماذا لا يتم منع الراقصات في مصر؟! هل تسائلتم عن هذا يومًا؟ لا أعتقد، ولا أعتقد أن هاني شاكر سيقوم بمنع الراقصات عن العمل، لسبب بسيط، لأنه ليس راقصة، ولأنهن لا ينافسنه في أغانيه..
أخيرًا، الواقع المصري يشبه واقعنا الفني اليمني ومنذ زمن. وهذا ما أخبرتكم به قبل أشهر عن الفنان علي حنش -رحمه الله-، حينما كان في زمانه أكثر شأنًا وشعبيةً وطلبًا ورواجًا من الفنان علي بن علي الأنسي، والفنان السمة والحارثي والسنيدار، والأخرين..! هذه حقيقة، وهي بمعنى أخر، دليل عن الذائقة العامة المعجبة والمفضلة لما هو أبسط وأصخب، وهذا تمامًا يشبه حالنا اليوم، الحال المليء برواج الأقل كفاءة وإحترافية، وبالمجمل، هذا النوع من الفن الأقل في المستوى لا يبقى طويلًا، هو يذهب في ثنايا النسيان بمجرد تعاقب السنوات، دون قرارات هاني شاكر وغيّرة هاني شاكنر، ولا يبقى سوى الأجمل والأروع والأكثر كفاءة.. تذكروا ما أقوله جيدًا، لكي لا تحسبوني مناصرًا للفن الأصخب والأردئ، لأنه فن موقت ويحدث نزولًا لرغبات الجمهور الشغوف بالأسرع والأصخب..