ما بين الانقلاب وإسقاط الدولة
يمنات
د. وليد ناصر الماس
رغم مضي سبع سنوات على الحرب الطاحنة التي تقودها المملكة السعودية وحليفتها الإمارات في بلدنا، في مسعى لـ (إعادة الشرعية)، إلا إننا لم نلحظ نتائج ملموسة على الأرض، فلا شرعية عادت ولا انقلاب دُحر.
جاء التدخل العسكري السعودي بهدف مواجهة الحوثيين بعد انقلابهم على هادي واستيلائهم على السلطة، وذلك لإرجاع السلطة المغتصبة إلى أهلها الشرعيين، غير ان هذا التدخل كان أسوأ بكثير من الانقلاب ذاته، فقد أسفر تدخل السعودية وحليفتها عن سقوط الدولة بمؤسساتها في الأجزاء الخاضعة لنفوذ القوى الموالية لهما.
الانقلاب على السلطة أين كان شكله ودوافعه عمل مدان ومرفوض، إلا إن الأسوأ منه تماما إسقاط الدولة بحجة مواجهة الانقلاب.
الانقلاب قد لا يقود أوضاع البلد دائما إلى حافة الانهيار، فقد أضحت الانقلابات سمة بارزة وطريقة مألوفة للوصول للحكم في العديد من دول العالم الثالث ومنها الدول العربية، ولا يقتصر ذلك على البلدان التي تحكمها أنظمة عسكرية، بل وحتى في البلدان التي تتوارث حكمها أنظمة عائلية.
الانقلاب يمكن التعايش معه، من خلال ممارسة المزيد من الضغوط الداخلية والخارجية على القوى المنقلبة، ودفعها لتوسيع قاعدة المشاركة في الحكم وإجراء إصلاحات داخلية، على العكس منه سقوط الدولة فأمر لا يمكن إصلاحه أو ترميمه، فالبديل للدولة هي الفوضى العارمة التي من نتائجها: التهميش والإقصاء وغياب العدالة، ومصادرة الحقوق المدنية، وانتشار الجريمة، واستشراء الفساد والمحسوبية، واتساع دائرة البطالة والفقر والجوع، وظهور الكيانات المحلية الهزيلة، وتفشي مشاعر العداء والكراهية بين أفراد المجتمع، وانزلاق البلد نحو المزيد من التفكك والاحتراب.
ما تشهده المحافظات المحررة في الجنوب والشرق والوسط، من فوضى غير مبررة وانهيار غير مسبوق للأمن والخدمات العامة، وتردي فضيع في الوضع المعيشي، يؤشر إلى غياب الدولة المنشودة، فمنذ استعادة هذه المحافظات قبل سنوات سبع لم تتوقف المواجهات المسلحة بين قوى التكتل المناوئ للحوثيين، تزامن ذلك مع تراجع حاد في قدرة هذه القوى على أداء مهامها في سبيل تطبيع الأوضاع الداخلية.
تشكيل المجلس الرئاسي بما حمله من بشائر بتقارب القوى المنضوية في إطاره، لم يكن أحسن حالا، فتشكيلته الموسعة توحي بحجم التشظي الذي يعيشه الشارع المحرر.
وعلى صعيد توفير الخدمات العامة، وهو الملف الذي ينبغي إن يوضع على رأس قائمة أولويات المجلس، لا توحي المعطيات المتوافرة بإمكانية حلحلته، إذ تبدو هناك أكثر من عقبة قد وضعت في سبيله، ليس أكثرها تجريد المجلس من معظم سلطاته في إدارة البلد اقتصاديا وسياسيا، بل وتكبيله بقيود تجاوزت حد الوصاية المتعارف عليها، وتكرر الإشارات المطالبة بضرورة تحميل الحكومة اليمنية نفقات الحرب الراهنة، أمر إن تبلور وحدث سيكون له بالغ الأثر على البلد حاضرا ومستقبلا، بلد دمرت فيه البنُنى التحتية ومقومات حياة الإنسان، علاوة عن إن يُطلب منه دفع تكاليف الأسلحة المستخدمة في هذا التدمير.