تغاريد غير مشفرة .. معالجات بعيدة عن مكافحة الفساد
يمنات
أحمد سيف حاشد
(1)
طالما والفساد مستمر فيما الإجراءات الأمنية والقمعية تتجه نحو الصدى، فأنت تذهب بعيدا عن الحلول والمعالجات الجادة، وبالتالي يستمر الفساد في تغوله، وتزيده قوة وضخامة، وتمنع الناس من التنفيس عن معاناتهم من الظلم والفساد المستمر، وتذهب لتحصن الفساد حتى من ملاعنته.
هذا بالتأكيد سيؤدي إلى النهاية التي تحاول تجنبها، او تعمل على إطالتها بالقمع رغم أن هذه الأخيرة أيضا غير مضمونه إن لم يكن أثرها عكسي، طالما وأنت مستمر في شحن الناس غضبا حيالك بسبب الفساد والظلم المستمر الذي لا تريد حتى إيقافه، بل وتدعمه بمزيد من الحماية وتعمد الى مزيدا من التراكم، وتكاثر الأخطاء والخطايا على كل الأصعدة والمستويات.
الاعتماد على القمع وحده لن يغير من النهاية إن لم يؤد إلى تسريعها.. فقط محاربة السلطة للفساد ومكافحته، والتصدي للانتهاكات، والتوجه نحو مقاومة صنوف الظلم والتخفيف المستمر من معاناة الناس هي من تجنبك النهاية التي لا تريدها وتطيلك في الحكم الذي تريد أن تستمر فيه.
بغير الوقوف ضد الفساد والتخفيف من وطأته والحد من الانتهاكات والمظالم التي تتضاعف كل يوم تكون واهما بتغير النهاية، بل أن الكلفة التي ستدفعها ويدفعها المجتمع ستكون أكبر، والنهاية أقصر بكثير مما تريدها.
وفي كل حال يظل “دوام الحال من المحال”، بل هو أمر يقيني مثل الموت لا مهرب منه ولا مفر.. ولابأس أن تدرك شيئا طيبا يذكرك فيه الناس به، وتبقي بعدك على الأقل بعض عطر يعطر ذكرك.
ويظل الأكيد أيضا أن العمر قصيرا جدا، وقبضة السلطة بيد واحدة حتما لن تدوم.. صحيح إن السلطة مغرية وآسرة، ولكن الاصح والأكيد أيضا إنها زائلة ومتبدلة ومتغيره.
(2)
بعد المدونة لا تحدثوني عن الدستور والقوانين قبل الرجوع عنها، لا سيما وقد غديتم بتلك “المدونة” أكبر منتهكين لها، بل وانتعلتم ما بقي للدستور والقانون من هيبة واحترام.
(3)
أجرينا استطلاع في “تويتر” وكان السؤال:
أيهما يعمل لمصلحة العدوان؟
الذي يمارس الفساد؟؟
أم الذي ينتقد الفساد ؟؟
بلغ عدد المصوتين: ٥٦٧ صوتًا
صوّت ٩٢٫٦٪ بأن الذي يمارس الفساد هو من يعمل لصالح العدوان؛ فيما رأى ٧٫٤٪ أن الذي ينتقد الفساد هو من يخدم العدوان>
الفارق واسع بل هو ساحق، والقول إن الفساد يدعم العدوان هو الأمر البديهي الذي لا يحتاج إلى استطلاع بل حتى إلى سؤال. ولكن عندما تريد السلطة قلب الحقائق، فإنها تعرّى نفسها أكثر، وتزيد في تأكيد فسادها، وتحاول قلب الحقائق بترهيب المنتقدين للفساد بما لديها من سلطة وإعلام وأجهزة قمع ومتنطعين وانتهازيين ومنتفعين وذباب إلكتروني.
وفي الخلاصة ينطبق دفاع السلطة عن الفساد في هكذا حال، ونحن نكشفها، وهي تتخلّى عن الحد الأدنى من مسؤوليتها حيال الفساد، وفي نفس الوقت هي تتعرّى، وتعرِّي نفسها، وتدافع عن فسادها بمبرر العدوان، لينطبق على دفاعها الهش بل والخاوي بالفراغ، المثل الشعبي: “تشتي عذر أو حمار.”
(4)
بعد حادثة مقتل المواطن”هشول” في صعده، تمنى أحدهم من الجهات المعنية ان تقوم بتشكيل لجان للنزول إلى جميع السجون دون استثناء، والنظر في حالة المساجين والاستماع إليهم، والنظر في حال القائمين عليها كيف مستواهم، وكيف يتعاملوا مع المساجين، وماهي البرامج التي يتعاملوا بها تجاه المساجين؛ لأن ذلك يساعد في تلافي الأخطاء ومعالجتها.
وجواباً على هذا الحالم البعيد عن الواقع نخبره هو وكل من يتسأل: للمرة الثالثة والرابعة والعاشرة.. لقد تم منع لجنة الحريات وحقوق الإنسان في مجلس نواب صنعاء من زيارة المساجين في السجن المركزي في صنعاء بعد يوم واحد فقط من الزيارة التي كان مقرراً لها أن تستمر أسبوعاً.. فما بالكم بغيره من السجون.
(5)
سيظل شعبنا يدفع ثمن ساسة قطع الطرق، وفساد السياسة، وتكريس تمزيق اليمن، ونشر الكراهية، ورفض منح الحقوق للمواطنين وغياب المواطنة.
سيظل شعبنا ينزف حتى يفوق الساسة أو يثور الشعب على الجميع.
حوادث يومية وخسائر مستمرة وتكاليف حرب إضافية نتيجة لوعورة الطرق البديلة التي يسلكها المواطنين بدلا عن الطرق الرئيسية المغلقة.
(6)
الاستدراج لدورات “ثقافية”
إرغام وفرض “ثقافة” كرهاً على إرادتنا وحقنا الدستوري والقانوني بل والبديهي في الاختيار.
(7)
نيجيريا من أكثر الدول غنى بالثروات والمعادن
ومن بين كبار مصدري البترول ولكن شعبها فقير.
لماذا؟
لأنها من أكثر الدول فسادا.
فيما العالم العراقي د. فاروق القاسم يرى أن السبب هو الجهل والحروب والأحقاد والعنصرية..
أما نحن والحمد لله لدينا فساد وجهل وحروب وعصبويات لا عد لها ولا حصر .
(8)
لصديق وزميل يزايد حبتين أقول:
بصفتك عضو مجلس نواب!
متى أطلعونا عمّا يحدث من مفاوضات؟! وإلى أين وصلت هذه المفاوضات اليوم وقبلها.. ما هي التفاصيل وكيف تتم؟!
بدلاً من الدورات الثقافية المسنودة بالمال العام؛ يا ليت نعرف نحن وشعبنا شيئا عمّا يحدث من مفاوضات وغيرها.
دائما نحن كالأطرش بالزفة.
أو أقول لك.. نعتبر أنفسنا عشاق لأنشد لك تلك البيت:
“مساكين أهل العشق حتى ترابهم
عليها تراب الذل من كل جانبِ”.
(9)
الخبر يقول: تم تنفيذ حكم الاعدام بخالده ضياء رئيسة وزراء بنجلادش بعد ثبات اختلاسها اربعمائة الف دولار خلال فترة تراسها لمنصب رئيس الوزراء لفترتين إلى جانبها اثنين من مستشاريها ، وقد طلبت العفو الحكومي ، لكن القضاء رفض ذلك.
والخبر الأخر يقول: الحكم على زعيمة “ميانمار” السابقة “أونغ سان سو تشي” بالسجن سبع سنوات بسبب جرائم فساد.
هذان الخبران نوردهما هما فقط للذين تعايشوا مع الفساد في اليمن شمالاً وجنوباً شرقاً وغرباً، حتى صاروا بعض منه.
واللذين تربربوا فيه، وصاروا من هواميره.
وكذا الذين لا يعرفون ما يسببه الفساد من جوع وفقر وجهل للشعوب..
ومعهم الذين يستسهلوا الفساد ويبررونه تحت عنوان “العدوان” و “مش وقته”.
(10)
أعجبتني عبارة الأديب العالمي الكبير دوستوفيسكي التي يقول فيها:
“من لا يؤدبه ضميره، تؤدبه الحياة حين تدور .. سيصبك ما أصبت به غيرك.. فقط انتظر.”
(11)
من مذكراتي، وتمنياتي أن لا نصل إلى هذا الحال:
عندما كبرت قرأت أيضاً ما هو أكثر غرابة وذهولاً.. قرأت رأياً فقهياً يقول بضرورة خصي الفنان حتى لا يغوي النساء.. وقد روي أن الخليفة عبد الملك بن مروان بسبب أن جاريته صبت الماء بعيدا عن يديه لسماعها صوت احد المغنِّين وهو يترنم من بعيد، أمر بخصيه مخافةً على نساء المسلمين. وأن الخليفة سليمان بن عبد الملك حالما كان في نزهة أمر بخصى أحد المغنّين حينما سمع صوته الرخيم، واعتقد أنه يشكل خطراَ على عفاف النساء المسلمات.
وأكثر من هذا ما رواه الأصفهاني أن ذبابة أدت إلى خصي المطربين في “المدينة” عندما أمر أحد خلفاء بني أمية والي “المدينة” بـ “إحصاء” المطربين، وأن الوالي رأى نقطة على الحاء تركتها ذبابة لتتحول الكلمة إلى «إخصاء» بدلاً من «إحصاء»، فأمر الوالي بإخصائهم جميعاً، وكان «الدّلال» – وهو من أشهر مطربي “المدينة” وأكثرهم ظرافة وجمالاَ وحسن بيان – ضمن قائمة المخصيّين!!
وكان يجري أيضاً خصي الإرقّاء الذين يعملون داخل قصور السلاطين، ودور النساء للحيلولة دون ممارسة الجنس مع النساء فيها. وكانوا أيضاً يخصون أطفال وصبيان الأعداء الذين يجري استرقاقهم، رغبة في قطع نسلهم، والانصراف عن أي كبت جنسي لديهم.
***