اليمني والمرض والسفر إلى الخارج .. سردية معاناة طويلة في ظل غياب الدولة
يمنات – خاص
اصبح اليمني يعاني الامرين في مطارات البلدان التي يزورها، واغلبها زيارات لغرض العلاج، نظرا للاجراءات المعقدة التي فرضت على دخول اليمنيين.
معاناة اليمني تبدأ قبل السفر إلى الخارج، فالبلد لم يعد فيها حتى قنصليات ليتم عبرها الحصول على اتاشيرات الدخول، فجميع السفارات صارت في العاصمة السعودية، الرياض، منذ بدء الحرب قبل اكثر من 9 سنوات.
وجهات مفضلة
اصبحت دول مثل مصر والاردن والهند هي وجهات اغلب اليمنيين لتلقي العلاج، نظرا لقربها الجغرافي من ناحية، وتوفر القدر الكافي من الخبرات والتجهيزات الطبية التي يفتقدها اليمني قي بلده، والتي أتت الحرب لتجهز على ماكان قائما من بنية طبية، وهي قليلة، ان لم نقل انها كانت بداية لنواة بنية طبية تحتية.
تعقيدات
عقدت الدول التي يسافر إليها اليمنيين لغرض العلاج من اجراءات دخولهم، وباتت تشترط موافقات امنية والحصول على تقارير طبية، وتحديد مبلغ مالي يجب ان يكون في حوزة المسافر عند وصوله مطارات تلك البلدان.
وبين الفينة والاخرى نسمع عن اجراءات جديدة تتمثل في تشديد الإجراءات او رفع الرسوم التي كانت مقررة للحصول على الموافقات او الخدمات، او رفع المبالغ المالية التي ينبغي ان تكون بحوزة المسافر المريض.
تعدد المعانات
سفر المرضى اليمنيين اصبحت فيه معانات عدة، فالمعاناة الاولى تبدا في البحث عن تكاليف السفر والعلاج، في ظل وضع اقتصادي اكثر من مترد، تليها معاناة الاجراءات اللازمة للسفر، ثم معاناة الاجراءات المتعلقة بدخول البلدان واجراءات الاقامة، ومعاناة البحث عن خدمات طبية تناسب الجانب المادي للمريض، واخيرا معاناة العودة إلى اليمن، وما يرتبط بها من ضرورات طبية كمراجعة الطبيب المعالج لاحقا، او الحصول على صنف الادوية المقررة التي لا تتوفر في اليمن.
سردية معاناة
وكل هذه المعاناة تجعل من سفر اليمني للعلاج وحتى عودته ومرحلة ما بعد العلاج معاناة بسردية لا منتهية، فحتى معاناة السفر لم تعد مرتبطة بالخارج، وإنما مرتبطة بالداخل، فالسفر بين المحافظات اليمنية صارت فيها صعوبات كثيرة، في ظل طرقات مقطوعة، واخرى بديلة ملتوية ووعرة وطويلة المسافات، فضلا عن الاجراءات الامنية في حواجز التفتيش التابعة لسلطات متناحرة، وكوادر غير مؤهلة، تغلب عليها صفة الملشنة.
مواطن يواجه وحيدا
ويقف اليمني وحيدا في مواجهة هذه السردية الطويلة من المعانات، فمؤسسات الدولة غائبة، وخلفتها سلطات واقع، لا اهتمام لها غير الجبايات والقمع، في حين ان الحكومة المعترف بها دوليا، ليست اكثر من حكومة منفى لا وجود لها على الارض، ولم تعد تهتم بغير مرتبات وحوافز وبدل السفر لاعضائها المقيمين في الخارج، والذين لم يكلفوا انفسهم حتى التخاطب مع حكومات الدول التي باتت تعقد اجراءات دخول اليمنيين إليها بغرض العلاج.
بين الأمس واليوم
عندما يقارن اليمني بين اجراءات سفره قبل وبعد الحرب، يصاب بالحسرة، فالدول التي تعقدت اجراءات دخول اراضيها اليوم، كان الدخول إليها بالامس لا يشترط حتى الحصول على تاشيرة، وبعضها كان اليمني يحصل على تاشيرة الدخول في المطار بكل يسر وسهولة، وصار اليوم لا يحصل عليها إلا بعد معاناة مضنية.
الهند تعقد السفر
اخر تعقيدات سفر اليمنيين كانت من قبل السلطات الهندية التي اشترطت لدخول اليمنيين تقديم طلب عبر الإنترنت عبر موقع http://indianvisaonline.gov.in، والحصول على نسخة مطبوعة من نموذج استمارة الطلب، وان يتلقى المريض اليمني دعوة من مستشفى هندي معها خطة علاجية توضح كلفة العلاج في المستشفى، على ان يرفق المريض تقارير الفحوصات الطبية من المستشفى اليمني باللغة الإنجليزية حصراً، وإرفاق كشف حساب بنكي بالإنجليزية يُظهر حركة آخر 6 أشهر، ويكون موقعاً ومختوماً ومرسلاً من البنك إلى إيميلات السفارة اليمنية في الهند، وان يغطي كشف الحساب المالي البنكي تكلفة العلاج، بمبلغ 3500 دولار عن الشخص الواحد، وكذا إرفاق جواز السفر الأصلي وصورة من الجواز مع استمارة الطلب، وجدول الرحلة المبدئي (حجز الطيران المبدئي) مع تحديد موعد الذهاب والإياب، على أن تكون الفترة أقل من 6 أشهر، على ان يكون للمريض مرافق واحد فقط. وهذه الاجراءات تزيد من معاناة اليمنيين المرضى الذين يرغبون بتلقي العلاج في المستشفيات العندية، وجاءت هذه الاجراءات بعد ان كان اليمني مثل غيره يحصل على تاشيرة دخول الاراضي الهندية بكل سلالة لحظة وصوله اي مطار هندي.
ومصر ترفع الرسوم
ومؤخرا رفعت السلطات المصرية اسعار الموافقات الأمنية الخاصة باليمنيين القادمين الى اراضيها، حيث اصبح سعرها 200 دولار، لليمنيين القادمين مباشرة من اليمن مباشرة إلى مصر، و 255 دولار لليمنيين القادمين من خارج اليمن إلى مصر، و 480 للموافقة المستعجلة للقادمين إلى القاهرة، ورفع سعر التعميم إلى 30 دولار.
اللوم لمن..؟
اللوم لا يمكن توجيهه لحكومات تلك الدول، لكنه يوجه للاطراف اليمنية التي باتت تتقاسم جغرافيا البلد، وتمنع قيام سلطة يمنية واحدة تمثل الدولة اليمنية، وتقدم اليمنيين للخارج بانهم قادرون على صنع السلام من وسط معاناة الحرب، بدلا من تركهم يتسولون عطف الاخرين ورحمتهم.
الحل بيد من..؟
الحل لسردية المعاناة التي يعيشها اليمني في الخارج تكمن في انهاء واقع الحرب الذي يسيطر على البلد، وهذا القرار، بيد الاطراف اليمنية ان ارادت، وهذه الارادة لن تأتي إلا بتغليب اطراف الحرب للمصلحة الوطنية على مصالح الاطراف، ما لم فإن الاطراف ستظل تتسول من الخارج حلا مفصلا على مصالحه ومركبا على اجنداته، وسيظل المواطن اليمني يعيش متوالية من الازمات والمعانات التي لا تنتهي كان في الداخل او الخارج.
من يقدم التنازلات
فهل ستقدم الاطراف المتصارعة تنازلات لبعضها قبل ان تقدمها للخارج، من اجل ان يعيش الشعب بعيدا عن معاناة الحرب، ام انها ستنظر لها الشعب وكأنه مجرد خزان بشري خلق ليكون مقاتلا وهنا وهناك، ليس من اجل الوطن، وانما من اجل مصالح الأطراف المتحاربة..؟
ان التفكير الاخير هو السائد، فعلة الاطراف المتحاربة ان تنتظر اليوم الذي تجد نفسها امام واقع مختلف، فبركان الشعب ان حصل لن يستطيع احد الوقوف امامه.