العرض في الرئيسةفضاء حر

عبدالباري طاهر .. فخامة المثقف، جلالة الإنسان

يمنات

قادري أحمد حيدر

“شهادة ذاتية”(*)

(*) شهادة ذاتية ثقافية، سياسية مقدمة إلى اتحاد الأدباء والكتاب اليمنين في حفل تكريم الأستاذ الصديق عبدالباري طاهر على هامش التحضير لمؤتمره العام العاشر.

(2-1)

نشأ عبدالباري محمد طاهر في بيت علم، وفيه تشكلت ملامحه وتصوراته الإدراكية والذهنية، والعقلية الأولى، ومن سلالة، أو عترة شريفة – كما يقولون – جاء سلالة، أو عترة، تمتد به إلى حفريات جينية، وبيولوجية، ذات قداسة معينة، تؤسس لها كتابات تاريخية أنثروبولوجية (عنصرية)، كما تؤسس لها ثقافة تاريخية لا صلة لها بالعقل التاريخي الإنساني الموحد بين البشر، ولا بفكرة المساواة، ومعادية في الجوهر لمعنى المواطنة، والفردانية والحداثة، وفكرة الدولة المدنية.

وأجد نفسي هنا أتفق مع ما يذهب إليه المفكر الاجتماعي التاريخي عبدالرحمن بن خلدون في قوله “إذ النسب أمر وهمي لا حقيقة له” انظر المقدمة.

وعلى معرفتي بالصديق عبدالباري، أو “باري” كما تعودت إطلاق هذه الصفة عليه منذ أكثر من عقدين، ومعرفتي به التي تتجاوز نيفاً وثلاثة عقود، لم أجده يوماً يتحسس مثل هذه الجذور الوهمية الأولى، أو البدايات الميثولوجية، والانثروبولوجية القابعة في أسفل طبقات العقل، أو في الوعي الباطني عند البعض، ولو من باب الخطأ في التعبير، أو تمريرها على سبيل المزحة، بل أستطيع القول إنه أكثر من يتهكم ويسخر بمثل هذا المنطق في التفكير، ولم أسمع يوماً عنه هذا المنزع في الرأي، حتى ولو على صورة زلة لسان، – على طريقة بوش – يكفي أنه لا أحد يعرف أن نسبه يعود إلى بيت الأهدل من سادة المراوعة في تهامة الحديدة، ولم يسع – شخصيا- لإلحاق نسب الأهدل حين يعلن أو يكتب اسمه في المجلات والصحف التي تحمل عناوين كتاباته. 

وفي تقديري أن لقب الأهدل لم يلحق ببطاقة هويته الشخصية أو جواز سفره، إلا لضرورات أمنية وفنية تستدعيها وتفرضها شروط الحصول على البطاقة والجواز، والمفارقة المأساوية أننا نرى اليوم قطاعاً من المثقفين والسياسيين يعودون القهقرى إلى الهندسة الوراثية، بحثاً عن الأصل الأول، وإلى حفريات، السلالة، والمذهب، والطائفة، والقبيلة، والقرية والجهة ليؤكدون ذواتهم وأسماءهم، وهوياتهم، وإعادة تدوينها من جديد على صفحة بطاقاتهم الشخصية، تعبيراً عن ارتكاسة ثقافية واجتماعية ووطنية يعيشها، ليس المجتمع السياسي فحسب، بل وقسم من النخبة الثقافية اليمنية.

فأين نحن من عبدالباري وثقافته الوطنية، والمدنية المكينة واعتداده بذاته لا بأصله الإثني أو السلالي أو المذهبي، ذلك أنه ممتلئ بذاته، ويفيض عن ما حوله من هوامش وزوائد، وليس بحاجة إلى شيء من خارجه يضفي عليه امتلاء معيناً، وعلى حساب فكرة المواطنة، والمساواة، فما فيه يزيد عن حاجته من جمال الروح والمعنى، ولا أرى في مثل هذا المنزع الثقافي العنصري، السلالي، عند البعض اليوم، إلا باعتباره بقايا ثقافة أنثروبولوجية، كان لها سندها الأيديولوجي، والسياسي، تاريخياً، ولم تعد اليوم سوى بقايا ثقافة تاريخية مترسبة، أو راسبة في العقل الباطن عند البعض، وهي ثقافة، وأفكار، ومفاهيم، وتصورات لا صلة لها بالمستقبل، والحياة، والعصر، وكل اللوم يقع – اليوم – على السياسات القائمة التي تجر الناس جراً على العودة إلى تبني وتكريس مثل هذه القيم والمفاهيم، فهي عملياً تمارس عملية إخراج لهذه الثقافة من غرفة (الإنعاش) والموت السريري لتعيد إنتاجها، في صورة ما يجري، من تكريس لثقافة الاستبداد، والتمييز بين أبناء الشعب الواحد على أساس، السلالة، أو المذهب، أو المنطقة، أو القبيلة، غير مدركة خطورة هذا التوجه والممارسات على مستقبل الوحدة الوطنية، والوحدة اليمنية، وتدمير إمكانية خلق المتحد الاجتماعي الوطني. 

وفي رأيي من الصعب بل من المستحيل الحديث عن النقاء أو الصفاء العرقي أو السلالي بين أفراد المجتمع الواحد في المنطقة العربية، فقد عاشت القبائل والشعوب والأمم والمناطق والجهات السكانية المختلفة في المنطقة العربية وما حولها حالة تداخل وتفاعل وتلاقح وتقاطع اجتماعي بشري تاريخياً، ولعبت الغزوات البينية والحروب المستمرة وثقافة الغلبة والقوة دورها في ذلك، ناهيك عن التفاعل والتلاقح الطبيعي من خلال الزواج، والتحالفات، والمؤاخاة. 

إن البحث اليوم عن النقاء العرقي والسلالي، ليس أكثر من وهم، أو عمل لا أصل له  مثله مثل ( التفسير، والمغازي، والملاحم،أو السير) حسب تعبير ورأي، الفقيه الإمام أحمد بن حنبل – انظر حول ذلك كتاب (البرهان في علوم القرآن) بدر الدين الزركشي، –  بل هو الوهم بعينه، كما أشار إلى ذلك محقاً العلامة ابن خلدون، وخاصة من بعد مجيء الإسلام كدين موحد وجامع بين جميع أطياف وأجناس، وألوان البشر، ليس في المنطقة بل وفي العالم قاطبة، فالرؤية الإسلامية رؤية إنسانية، موحدة للبشر والعالم، وفي النص القرآني ما يناقض ويخالف ثقافة التمييز بين البشر، (عرب وعجم)، إلا بالتقوى.

في النصف الثاني من عقد السبعينيات كنت في حالة هروب، أو اختفاء عن عيون العسس، وكان منزله الصغير في “القاع” – سكن إيجار حينها – بالقرب من جامعة صنعاء القديمة – حسب تعبيرات اليوم – ملجئي أو مخبئي الأخير قبل السفر – هروباً – إلى خارج البلاد، كان منزله الأسري هو بيتي لأكثر من عشرة أيام لم أشعر فيها بالغربة، والوحشة، تعرفت خلالها على هذه الأسرة البسيطة الكريمة، وكان لهذه المعرفة خصوصيتها الآتية من حساسية الموقف، ودقة الظرف الذي كنت أعيشه، وحجم الوحشة والغربة في الوطن، بعد أن أصبحت إمكانية العيش في الوطن مستحيلة، تحول خلالها منزله الصغير إلى عائلة ووطن مؤقت بديل، في زمن صار فيه الوطن أضيق من خرم الإبرة. لا أذكر أين موقع ذلك المنزل اليوم بالضبط، على أنني أتذكر وجوه وملامح أولاده الصغار جميعاً، كما هي حتى اللحظة، بعد أن صار العديد منهم متزوجين، وآباءً، ورغم قساوة التحولات والانتقالات العصيبة بين المراحل، والمواقع، والأماك.

بقي فخامة المثقف، وجلالة الإنسان عبدالباري، يعلن انتصاراته، ويؤكد ثباته على فكرة الإصلاح والتغيير، ويرتفع بعقله الإبداعي النقدي فوق مستوى التحديات، بقي لأكثر من أربعة عقود متواصلة يؤسس مكاناً رحباً في عقله، وحلمه لمعنى الوطن، والثقافة الإبداعية المؤسسة على فكرة التعدد والحوار، ويؤصل للفكر الناقد، نقده للواقع، ولما يَكتب، ويُكتبُ، ونقده لنفسه ولمن حوله، وفي ذلك سر تجدده، وتواصله واستمراريته مع جديد الفكر والواقع، من يحتمي من نفسه ومن أخطائه، ومن خطايا الواقع بالنقد، ويجعل من النقد سلطته وقلعته الوحيدة وخيمته الأخيرة، ليس أمامه سوى أن يحمل في جوانحه صورة زاهية ومتفائلة للمستقبل، وهو ما تجسده كتاباته، الفكرية والسياسية، والثقافية، والصحافية، فقد جمع في ذاته إشكالات الفكر والواقع، واستطاع أن يوطن نفسه وعقله للانتصار لقيم الحرية والعدل، والمواطنة…

من يقرأ المثقف، والسياسي النبيل في صورة “باري” يجده يفيض عن حاجة الصحافي وقدراته، ومساحة اهتماماته وحركته، يجد فيما يكتب تاريخاً تفصيلياً للواقع في تعرجاته، وللفكر في تحولاته، تجتمع فيه أشتات الكتابة: متابع حصيف للفكر التاريخي، ناقد ثقافي، ومفكر سياسي، ناقد أدبي، باحث اجتماعي، مؤرخ صحفي، وكاتب صحفي.

إنه واحد من العقول اليمنية المعاصرة، البارزة التي استطاعت أن تكسر حاجز العزلة الثقافي والأدبي مع المثقفين والمبدعين العرب منذ النصف الأول من عقد السبعينيات، وجعل للكثيرين منهم حضوراً ثقافياً، وإبداعياً في الساحة الثقافية والأدبية، وأبرز دليل على ذلك ما حواه كتابه “فضاءات القول” – أدعو جميع المهتمين بالمشهد الثقافي اليمني المعاصر العودة إليه – إن تساؤلاته الحوارية مع ذلكم الجمع الكبير من الأسماء الفكرية، والثقافية، والشعرية، تؤكد بالفعل فضاءات القول الحوارية المفتوحة على جميع الإشكالات النظرية والمعرفية، والفكرية، والثقافية، في محاولة منه لإجلاء الغامض، وكشف المسكوت عنه، وفي جميع تلك الحوارات تجده أليفاً، بسيطاً، وعميقاً، وشفافاً، يراعي أدب الحوار، وجلال الخطاب، وقدسية الكلمة.

إن من أهم خصال عبد الباري البساطة والتواضع وعدم التكلف في كل شيء، وسلوكه اليومي أبرز شاهد على ذلك، يمتاز (باري) بذاكرة جبارة ومتينة، ذاكرة اختزنت عن ظهر قلب ألفية ابن مالك، وسير ابن هشام، وأشعار المتنبي، والمعري، والبحتري، وأبي نواس، وبشار بن برد، كما تحتفظ بحكايات ألف ليلة وليلة، والأغاني، والمستطرف وكتابات الإخباريين، وابن كثير، والطبري، والمسعودي، وما تزال ذاكرته تحفظ المئات من الأحاديث النبوية، وأحداث السيرة النبوية الشريفة.

حاول كتابة الشعر وتوقف بعد أن تعثرت خطواته الأولى نحو الشعر، فبكى وطنه في الشعر في قصيدته اليتيمة المنشورة في مجلة الكلمة، في النصف الأول من السبعينيات بعنوان (اه اه يا وطني المباح)، ولم يعاود الكرة ثانية في الشعر، فالرائد والحليم في النقد  تكفيه الإشارة في الشعر.

 في رحلة عبدالباري مع القراءة والكتابة، والثقافة، والسياسية، محاولة لإنتاج معنى وفكرة جديدين للحياة، هي باختصار رحلة إنتاج لقيم الحرية، والمواطنة، والحداثة، رحلة تجسد بكل صفاء جدل وحدة فخامة المثقف، بجلال السياسي، وحده المثقف المبدع، بقضايا الحياة، من خلال ممارسة سياسية خلاقة. نجد فيها الطرفين، المثقف، والسياسي، – رغم ظروف القمع والاستبداد، والعفن السياسي السائد – في أبدع ما يكون، كل منهما يقود إلى الآخر ويكمله: الفكر والثقافة يرشدان الموقف السياسي، والعقل السياسي، وتأتي الممارسة السياسية لتغني وتضيف شيئاً جديداً إلى المعرفة، والفكر، والثقافة، كرؤية استراتيجية، مما يجعل لتفاصيل الحياتي واليومي، والعادي، والعابر السياسي، معنى، وقيمة أخلاقية في سياق رحلة الثقافة والسياسة في ظروف العمل السري، – التي كان من نتاجها، غياب الديمقراطية، وسيادة مفهوم ” المركزية الديمقراطية “، وكذا تجده في مرحلة التعددية والديمقراطية، والوحدة، محافظاً على الجدلية الإبداعية الخلاقة بين هذين البعدين، بل ولا تخلو كتاباته الصحافية السيارة، من الفكر الناقد، والثقافة الرصينة، وهو ما كرسه كمبدع جاد في المجال الثقافي والسياسي، وفي حقول أو مجالات الصحافة، والنقد الأدبي، والكتابة النقدية التاريخية، رصانة في الفكر، وتمثل عميق للتراث الإسلامي والعربي، والإنساني، – فهو خريج الحرم المكي الشريف وكذلك خريح كلية الآداب، لغة عربية، جامعة صنعاء – يمتلك قدرة كبيرة وعجيبة على الجمع الخلاق بين هذه المستويات جميعاً؛ وهو ما صيره أو جعله مفتوحاً على جميع المناهج والمدارس الفلسفية والنظرية، والفكرية لا فرق عنده بين جميع هذه المناهج والتيارات، والمدارس ما دامت تصب في خانة وحدة المعرفة الإنسانية، تلكم الوحدة الثقافية والحضارية والإنسانية المطلوب تأصيلها، وتعميقها في جل ما نكتب ونعيش، ومن هنا عداؤه للتعصب، ونفوره من ثقافة الغلبة والشوكة، فكيف لا يكون كذلك وهو ابن، ورمز للمدينة التهامية الساحلية البسيطة المنفتحة والمفتوحة على الجميع والمجسدة لثقافة اللاعنف، وهو سر وتفسير انفتاحه على الداخل، والخارج، على الذات، والآخر. 

فقد أدرك مبكراً أن ثقافة العنف، والسلاح، والحرب لا تفتح مجالاً للسياسة، أو ممارسة العمل السياسي السلمي، ولا تساعد على تطور الفكرة الديمقراطية، ومن هنا وقوفه ضد فكرة وقضية الكفاح المسلح، من وهي فكرة حتى تحولها إلى موقف وممارسة في مواجهة عنف السلطة، وحربها ضد المجتمع، محافظاً على تماسك موقفه ذلك حتى إعلان قيام الوحدة، وهو اليوم ضد كل أشكال التعصب والعنف، والتطرف، والتكفير، والحرب القائمة في البلاد، هو بحق ممثل لثقافة اللاعنف، ولا يرى في ذلك ترفاً فكرياً، بل موقفاً أخلاقياً، وإنسانياً سلمياً من الحياة، يفتح فضاء حقيقياً لممارسة السياسة بما هي تقيض للعنف، والقوة، والحرب، وهي السمة الغالبة على منطق تفكيره، وحياته العامة، والخاصة، ففي منزله مع زوجته وأولاده لا تحس بالبابوية أو العلاقة البطريكية المعهودة في الكثير من العائلات، حيث تيار الحوار البسيط والعادي، والسلس، ممتد بين أفرادها، الصغير والكبير، وكأنك أمام شلال ماء يغسل الجميع بروح الكلام الهادئ والبسيط والمفتوح، حول كل شيء…، لا تحس معها يهيلمان صورة الأب القاسي، والطغياني، المطلوب طاعته كيفما اتفق، وكذلك هي علاقته مع أصدقائه، سواء من هم في عمر أبنائه، أو تلامذته، ناهيك عن رفاق دربه وعمره، لذلك هو متسق مع نفسه حياتياً وإنسانياً، -توازن الداخل والخارج- ولم يتورط في أن يخسر نفسه ليكسب بعض ما في حوله، وكأنه يقول لنا ما الفائدة أن تمركز العالم حول نفسك، فلا تكسب ذاتك، وتخسر العالم من حولك، -وفق تعبير السيد المسيح عليه السلام- لذلك هو بحق الأستاذ، القدوة، المثال، في بيته مع أسرته، وهو كذلك الأستاذ، والقائد والمعلم -على طريقته- دون حاجة إلى سند خارجي، ودون فعل القوة المادي الذي غالباً ما يتحول إلى طغيان، لذلك هو في حالة تطور وتحول مستمرين، وفي ارتقاء دائم لمدارج المعرفة، والفكر والثقافة، ومع تحوله إلى الفكر اليساري، الاشتراكي، هو دائم الاستزادة، والعودة إلى الأصول الأولى للمعرفة الإنسانية، مع كرهه الشديد للأصولية التي تعني الغلو، والتطرف، وكثيراً ما تجده في المكتبات، أو على كرسي القراءة وفي يديه الكتاب – خير جليس – في زحمة الوقت المملوءة ساعاته بمتابعة من أي الجهات سيأتيك القهر، وفي أي من الدقائق ستكون ضيفاً ثقيلاً على زوار الليل، في أماكنهم المعتمة، والفاقدة للشرط الإنساني، كان “باري” يجد وقته الكامل لمطالعة ومتابعة، وقراءة جديد الفكر، والثقافة، والشعر، والأدب، والنقد، قراءة وكتابة، بل ومساهمة جدية في تحرير المجلات الثقافية، مجلة “اليمن الجديد”، -التي شغل مديراً لتحريرها – وقبلها مساهمته التأسيسية والكتابية في إظهار وإشهار مجلة “الكلمة” مع رفيق عمره محمد عبدالجبار سلام، ولولا الشروط الأمنية القاسية في زمن التشطير لكان حاضراً المؤتمر التأسيسي لاتحاد الأدباء والكتَّاب اليمنيين. 

ولا يصح اليوم أن يعاقب مرتين بأثر رجعي، مرة لحرمانه أمنياً، – في زمن التشطير – من حضور المؤتمر التأسيسي لاتحاد الأدباء والكتَّاب، في عدن، والمرة الثانية لعدم وجود اسمه بين المؤسسين للاتحاد اليوم، وقد تحمل “عبدالباري” رئاسة صحيفة “الثورة” الرسمية لمرتين – في الشمال – في زمن التشطير، ورئاسته في زمن الوحدة لصحيفة “الثوري” الناطقة باسم الحزب الاشتراكي، إضافة لتحمله رئاسة نقابة الصحفيين في زمن التشطير في الشمال، وفي عهد الوحدة، ومع كل هذه المشاغل والمتاهات كان يعرف كيف يوزع وقته غير المنظم بالتأكيد، – القريب من حالة الفوضى- على كل هذه الاشتغالات، من الصباح حتى أطراف الليل، لا تدري متى يبدأ نهاره، ومتى يغفو ليله…، وفي ذلك التعب اليومي والأرق الأنيق، الباعث على ألق الروح في نفسه، كان يجد وقتاً للاعتناء والإحساس بأولاده، وتربيتهم برفق وحنان…، يوجههم وكأنه يتعلم منهم، وهي ميزة وصفة إنسانية نادرة لا يتحلى بها سوى الأساتذة والأدباء الكبار، الدارسين لطبيعة النفس الإنسانية، والباحثين عن المعنى الفريد والجوهري في العلاقات الإنسانية، ومكنوناتها الداخلية، وما هو أصيل في الحياة.

زر الذهاب إلى الأعلى