البيئة و المناخالعرض في الرئيسةتحليلات

علاقة الحروب بالتغيرات المناخية .. لماذا تتستر الدول العظمى عن بيانات الكلفة المناخية للحروب..؟ 

يمنات

أنس القباطي 

ما يزال الحديث عن أثر الحروب في التغيرات المناخية هامشيا، فيما تحاط البيانات والدراسات المتعلقة بالغازات الدفينة التي تنبعث اثناء المعارك محاطة بكثير من السرية، رغم التوجه الدولي القائم لمواجهة الاحتباس الحراري، الذي يعد السبب الرئيسي في التغيرات المناخية.

مؤتمرات المناخ

تحاول دول العالم الحد من أثار التغيرات المناخية بعقد مؤتمرات دولية تهدف إلى اقناع الدول الصناعية بالحد من انبعاثات الغازات الدفينة من مصانعها، لكن الحد من دخان المصانع وحده لا يكفي مع استمرار الحروب التي تشعلها العظمى في اكثر من جغرافيا حول العالم، ولو بشكل غير مباشر. 

وتعد الحرب الروسية الاوكرانية ابرز الحروب الدولية في الوقت الحالي، والتي سيدفع كل العالم ثمن ما تضخه من غازات دفينة في الغلاف الجوي.

كلفة مناخية

ووفقا لدراسة حديثة أعدتها مبادرة المحاسبة للغازات المسببة للاحتباس الحراري أثناء الحروب، فان الكلفة المناخية خلال العامين الأولين من الحرب الروسية الاوكرانية كانت أكبر من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري السنوية التي تنتجها 175 دولة بشكل فردي.

ولفتت الدراسة التي مولتها جزئيا الحكومتين الألمانية والسويدية، ان ذلك أدى إلى تفاقم حالة الطوارئ المناخية العالمية، وارتفاع عدد القتلى والدمار الواسع النطاق.

اطنان من غازات الاحتباس

واوضحت الدراسة ان هذه الحرب ولدت ما لا يقل عن 175 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، وسط زيادة في الانبعاثات الناجمة عن الحرب المباشرة، وحرائق المناظر الطبيعية، والرحلات الجوية المعاد توجيهها، والهجرة القسرية، والتسريبات الناجمة عن الهجمات العسكرية على البنية التحتية للوقود الأحفوري.

ذر الرماد على العيون

وبناء على هذه الدراسة فإن توجه قادة العالم لمواجهة التغيرات المناخية ليس اكثر من ذر للرماد على العيون، لان استمرار الحروب لا يعني غير ضخ كميات من الغازات الدفينة في الغلاف الجوي. 

والعالم اليوم يشهد حروب في اكثر من جغرافيا غير الحرب الروسية الاوكرانية، وابرزها حرب الابادة الجماعية في غزة التي يشنها الكيان الصهيوني على الفلسطينيين العزل، والتي تستخدم فيها الاف الاطنان من المتفجرات والغازات المختلفة. 

تغيرات وحروب

وترافقت التغيرات المناخية التي يشهدها العالم مع التوترات الجيوسياسية التي يشهدها العالم، وهو ما جعل القوى تعود مجددا إلى سباق التسلح وتفجير الحروب بالوكالة.

وفيما تضغط منظمات دولية مهتمة بالمناخ على قادة العالم لوضع حد لانبعاثات الغازات الدفينة، يلجأ قادة العالم لعقد مؤتمرات مناخية دولية لنقاش اثر التغيرات المناخية.

دخان المصانع فقط

واغلب هذه المؤتمرات تناقش كيفية الحد من انبعاث الغازات الدفينة من المصانع، وما يرتبط بها صناعات متعددة ومتنوعة، دون التعرض لما تطلقه الحروب من غازات في الغلاف الجوي.

وفي الوقت الذي ترصد فيه الدول الصناعية ملايين الدولارات لمواجهة آثار التغيرات المناخية وتاثيرها على البيئة، تنفق في الوقت نفسه عشرات الملايين من الدولارات لتفجير حروب بالوكالة في اكثر من منطقة حول العالم.

والحقيقة ان الحكومات لا تحسب بشكل جيد التكلفة المناخية للحروب، وما تسببه المجمعات الصناعية العسكرية من اضرار مناخية على نطاق أوسع.

بيانات سرية

ولذلك تظل البيانات الرسمية عن ما تنفثه الحروب من غازات غير متجانسة للغاية أو غير موجودة، بمبرر السرية العسكرية.

ويظل الوصول للبيانات المتعلقة بالحروب في الجانب المناخي محدود للباحثين، ما يجعل التكلفة الاقتصادية للغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي أقل فهمما.

جدية التوجه

والجدية في الحد من أثار التغيرات المناخية تقتضي بدرجة رئيسية رفع السرية عن البيانات المتعلقة بغازات الاحتباس الحراري التي تبعث أثناء الحروب، ليتسنى قياس الكلفة الاقتصادية التي وقياس الاثر المناخي.

كما ان صدقية التوجه الدولي لمواجهة التغيرات المناخية تقتضي وقف الحروب، وتجريم استخدام الغازات التي تسبب الاحتباس الحراري في المقذوفات المختلفة.

تسييس الكلفة المناخية العسكرية

وفي الوقت الذي أصبح فيه مواجهة التغييرات المناخية حدثا عالميا تناقشه مختلف الحكومات في العالم، تسعى بعض الدول لتسييس موضوع الكلفة المناخية العسكرية. 

ومؤخرا انشأ مجلس اوروبا سجل للأضرار  الناجمة عن الحرب الروسية الاوكرانية، وسيشمل الانبعاثات المناخية، لكنه مقتصر على إدانة طرف دون الآخر. 

والهدف من انشاء سجل الاضرار هو لاستخدام الأصول الروسية المجمدة في الغرب لتسوية التكاليف.

تقدير كلفة

وبحسب ما تم تداوله فإن تقدير التعويضات يعتمد على دراسة حديثة تمت مراجعتها من قبل النظراء، تم فيها احتساب التكلفة الاجتماعية للكربون بمقدار 185 دولارًا لكل طن من انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي.

اثر التسييس

وبالتالي فإن تسييس مثل هذا الامر لن ينطوي عليه سواء مزيد من الحروب، وبالتالي زيادة الاحتباس الحراري، الذي يؤدي إلى زيادة كلفة مواجهة آثار التغيرات المناخية، التي لا تشمل جغرافيا محددة، وانما كوكب الارض باكمله.

نسب وكلف

واعتبرت دراسة مبادرة المحاسبة للغازات المسببة للاحتباس الحراري أثناء الحروب إن ثلث الانبعاثات الناجمة عن الحروب تأتي مباشرة من النشاط العسكري.

وبينت الدراسة ان الوقود الذي تستخدمه القوات الروسية فقط يشكل 35 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، ويعد مكافئ ثاني اكسيد الكربون المصدر الأعظم للغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي.

اغفال وحجب

الدراسة لم تتطرق إلى مقدار الوقود الذي تستخدمه اوكرانيا في ذات الحرب، وهو ما يشكك بمخرجات الدراسة، خاصة وان الهدف من نتائجها هو الوصول إلى تقدير كلفة عن الاثر المناخي الذي تسبب به طرف في الحرب.

ولكن التقديرات التي توصلت لها الدراسة تكفي لان تمارس المنظمات غير الحكومية المعنية بالمناخ ضغوط على قادة القوى العظمى لوقف الحروب، والحد من استخدام الغازات التي تسبب الاحتباس الحراري في المجمعات الصناعية العسكرية.

حيز ضيق

وفي محاولة لاضفاء نوع من الموضوعية أشارت تلك الدراسة في حيز ضيق للمصادر المسببة لانبعاث غازات الاحتباس الحراري في الحرب الروسية الاوكرانية، مثل تصنيع المتفجرات كثيفة الكربون والذخائر والجدران الدفاعية على طول الخطوط الأمامية من قِبَل الطرفين، فضلاً عن الوقود الذي يستخدمه حلفاء اوكرانيا لتسليم المعدات العسكرية.

أثر ممتد

وتعد الحروب من اكبر المؤثرات في حصول التغيرات المناخية، ليس نتيجة ما تضخه من غازات دفينة في الغلاف الجوي اثناء المعارك، وانما في الاثر الممتد، لأن ضخ الغازات الدفينة يستمر فيما بعد الحروب، بسبب الاعمال الانشائية الناجمة عن مرحلة اعادة اعمار ما دمرته الحرب.

غازات مرحلة اعادة الاعمار

وكثير من الغازات الدفينة المسببة للاحتباس الحراري تنبعث من الفولاذ والخرسانة التي تستخدم بعد الحروب لإعادة بناء المدارس والمنازل والجسور والمصانع ومحطات المياه والبنية التحتية المتضررة والمدمرة.

وتتطابق تقارير بحثية، وهي قليلة في هذا الجانب، في تقدير نسب كميات الغازات الدفينة التي تضخها الحروب في الغلاف الجوي، وتؤدي إلى الاحتباس الحراري، وما ينجم عنه من تغيرات مناخية.

وتقدر التقارير ان ثلث الغازات الدفينة تطلق اثناء المعارك، والثلث الثاني يطلق اثناء مرحلة اعادة اعمار ما خلفته الحرب من دمار.

والثلث الأخير ينجم عن الحرائق، وإعادة توجيه الطائرات التجارية، والضربات على البنية التحتية للطاقة. 

محدودية البيانات

وما يزال الابلاغ عن الانبعاثات العسكرية محدودا، رغم الاعلان عن مبادرة من هذا النوع وقعت عليها دول عدة، غير انه لم تقدم سوى أربع دول بعض البيانات غير الكاملة إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، التي تنظم المحادثات المناخية السنوية.

مسؤولية الجيوش

تفيد تقارير، اممية ان الجيوش مسؤولة عن ما يقرب من 5.5% من انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي سنويا، وهو ما يفوق ما تنتجه صناعتا الطيران والشحن مجتمعتين.

البصمة الكربونية

وهذا يجعل البصمة الكربونية العسكرية العالمية، ومن دون الأخذ في الاعتبار الزيادات المفاجئة في الانبعاثات المرتبطة بالصراعات؛ أكبر من بصمة جميع البلدان باستثناء الولايات المتحدة الامريكية والصين والهند، بحسب تلك التقارير.

إلهاء وغسيل جرائم

ومما سبق يمكن القول ان اي معالجات لتقليل انبعاث الغازات الدفينة لن تكن مجدية، اذا لم تشمل ما ينبعث من غازات اثناء الحروب، وما تتسبب به من انبعاثات في مرحلة معالجة آثارها بعد توقفها. ويظل ما تنفقه الدول الصناعية من اموال لمواجهة التغيرات المناخية في مختلف ارجاء العالم مجرد إلهاء للعالم لعدم التنبه لما تتسبب به الحروب من تاثيرات في التوازن المناخي، وهذه الاموال ليست اكثر من محاولة لغسل جرائم القوى الدولية التي ترتكبها ضد التوازن البيئي من خلال اشعالها للحروب.

مقدمة المواجهة

وعليه يمكن القول إن وقف الحروب يعد مقدمة لمواجهة آثار التغيرات المناخية، التي تسبب الكوارث في اكثر من جغرافيا حول العالم، ما يعد مهددا بانهيار كثير من الدول النامية، التي لا تستطيع اقتصاداتها مجابهة ما تتعرض له من كوارث بسبب التغيرات المناخية.

المصدر: موقع عرب جورنال

زر الذهاب إلى الأعلى