إذا كانت فصائل المعارضة السورية لا تستطيع التعايش مع بعضها البعض .. فكيف ستتعايش مع النظام؟ والهدف النهائي حكومة وحدة وطنية توفر غطاء لتصفية “داعش” و “النصرة”
26 يناير، 2016
555 11 دقائق
يمنات
عبد الباري عطوان
انتظرنا حتى ساعة متأخرة من مساء اليوم الثلاثاء لمعرفة خريطة حضور المعارضة السورية، ومن موافق ومن مقاطع، ولكن الدخان الابيض تأخر خاصة من صومعة الرياض، لان اجتماع الهيئة العليا للاشراف على الانتخابات التي يرأسها السيد رياض حجاب في حال من الارتباك والتردد، وسط تضارب الانباء حول الموقف النهائي.
الاجتماع الذي يأتي في اطار قرار مجلس الامن الدولي من المفترض ان ينعقد يوم الجمعة المقبل، ولكن في ظل هذه الخلافات والتهديدات بالمقاطعة من هذا الفصيل او ذاك، او هذه الدولة او تلك، من الصعب ان نتوقع اي نجاح ليس فقط له، وانما للعملية السياسية برمتها.
جون كيري وزير الخارجية الامريكي ابلغ السيد حجاب صراحة، في تهديد مباشر، بأنهم سيخسرون الدعم العسكري والسياسي من حلفائهم واصدقائهم اذا رفضوا المشاركة، واصروا على موقفهم الرافض لتعديل وفدهم، او اضافة اي اسماء جديدة.
روسيا الدولة العظمى الاخرى، متمسكة بمشاركة الثلاثي الحليف لها في الاجتماع، ويضم المجلس الديمقراطي السوري برئاسة هيثم مناع، وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي بزعامة صالح مسلم، والجبهة الشعبية للتحرير والتغيير بقيادة قدري جميل.
ستيفان دي ميستورا المبعوث الدولي المشرف على الملف السوري، وجه الدعوات، ووضع الكرة في ملعب الجميع، واكدت مصادر مقربة من المعارضة السورية في جنيف لـ”راي اليوم” ان الدعوة لم تذهب الى السيد مسلم شخصيا، وانما الى اعضاء في حزبه لتجنب التهديد التركي بالمقاطعة.
***
هناك مجموعة من الاستنتاجات التي يمكن رصدها من خلال تطورات الساعات القليلة الماضية، ويمكن ان تؤشر جميعها الى مستقبل العملية السلمية برمتها.
اولا: لن يكون هناك وفد مشترك، وانما ثلاثة وفود، الاول للحكومة السورية، والثاني لمعارضة مؤتمر الرياض، والثالث لحلفاء روسيا.
ثانيا: ادخال تعديلات على صيغة مؤتمر جنيف بات حتميا، خاصة الفقرة المتعلقة بالفترة الانتقالية، وصلاحية هيئة الحكم التي تقودها، فالدلائل تشير الى ان التوجه الحالي هو نحو تشكيل حكومة وحدة وطنية من ممثلي السلطة والمعارضة، تعمل على تعديل الدستور، وتتولى التحضير لانتخابات رئاسية وبرلمانية يشارك فيها الرئيس بشار الاسد وحزب البعث.
ثالثا: جرت مساومات في اللحظة الاخيرة لانقاذ العملية السياسية من الانهيار، بحيث تتراجع روسيا عن اصرارها على مشاركة صالح مسلم، زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي، مقابل ابعاد محمد علوش ممثل “جيش الاسلام”، وكبير المفاوضين في وفد الرياض، اي ابعاد “ارهابي” استرضاء لتركيا، مقابل آخر ارضاء لروسيا وحلفائها.
رابعا: بات في حكم المؤكد ان الدولتين العظميين، اي امريكا وروسيا، هما اللذان يقرران، وان ما على وفود المعارضة غير الطاعة والتنفيذ، وكل الاحاديث عن القرار المستقل عبارة عن اوهام.
من يتابع الخلافات المتفاقمة، وحالة التشرذم التي تعيشها المعارضة السورية المعترف بها من القوتين العظميين، يصل الى قناعة ثابتة، بأن المفاوضات الضرورية والملحة هي بين تكتلاتها الرئيسية، وليس بينها وبين السلطات السورية، فاذا كانت هذه التكتلات لا تطيق بعضها البعض، ولا يتحدث اعضاؤها، او ينسقون مع زملائهم في الفصائل والتجمعات الاخرى، فكيف سيتفاوضون مع النظام، وكيف سيتعايشون معه؟
هذه التدخلات الخارجية، ومحاولة القوى المشاركة في عملية فيينا استخدام “الفيتو” في اختيار الشخصيات المعارضة، ستتطور الى ما هو اكبر في الايام المقبلة، خاصة عندما يتعلق الامر بتعيين رئيس الوزراء واعضاء الحكومة من احزاب المعارضة، ان ما يحدث من تدخلات يشكل “سابقة” خطيرة تجعل من اي حكومة وحدة وطنية رهينة لسلطات الانتداب الامريكية والروسية، ودول اقليمية اخرى في العملية السياسية.
الاهم من كل هذا وذاك، ان اي حكومة وحدة وطنية ستشكل، هذا، اذا قدر لها ان تتشكل، ستكون الغطاء والاداة، للحرب التي ستشن من قبل التحالف الامريكي الروسي الجديد لتصفية الجمعات “الارهابية”، و”جبهة النصرة” و”الدولة الاسلامية” على وجه الخصوص.
***
الغام كثيرة، وشديدة الانفجار في طريق العملية السياسية المنبثقة عن لقاءات فيينا، ولا نعتقد ان اجتماع الجمعة المقبل سينجح في اعطاب اي منها، وسيكون مجرد لقاء، مثل لقاءات عديدة، توفر مادة اخبارية مزينة بالصور لاجهزة الاعلام، كما سيكون فرصة لوفود المعارضة والسلطة، للتبضع ايضا، مثل كل اجتماعات جنيف السابقة.
الثنائي كيري ولافروف يريدان تحقيق نجاحا دبلوماسيا، ولو شكليا، ويعتقدان ان جمع الاطراف المتحاربة في فندق واحد، ومفاوضات غير مباشرة، هو الخطوة الاولى، وكسر للجليد، ولكن كم مرة سيكسر هذا الجليد؟ وماذا بعد ذلك؟
كان الله في عون الشعب السوري الذي يتابع هذه المسرحية سواء وهو في المنفى، او تحت القصف في الداخل، حيث يتحدث الجميع بإسمه، ويدعون الحرص على مصلحته، بينما لا يتغير شيء على الارض، الا المزيد من القتل والدمار، وموجات النزوح، بحثا عن ملاذ آمن في صقيع اوروبا.