كيف تحولت جامعة صنعاء إلى حرم لبيادات العسكر و كلية الشريعة إلى كلية لشئون القبائل..؟!
25 مارس، 2014
89 24 دقائق
يمنات – الاولى
استطلاع- عبد القادر بشر- جلال الصيادي
اجتاحت جامعة صنعاء و لاتزال موجة اعتداءات ضد الطلاب من قبل ما يسمى بالأمن الجامعي, إذ تبدو واضحة للعيان ثكنة عسكرية تتمترس داخل الحرم الجامعي, يمارس أفرادها طقوسهم العسكرية, وفي أحايين كثيرة تنتهي بهم “الهنجمة” إلى ضرب الطلاب والاعتداء عليهم وربما السلب والنهب وكافة أعمال البلطجة, حسب حديث الطلاب.
قبل أيام قليلة حاول اثنان من الجنود اقتحام قاعة (السبعي) في كلية الإعلام أثناء محاضرة للدكتور أحمد العجل مع طلاب المستوى الثاني, وحسب رواية طلاب كانوا متواجدين “أقدم عدد من جنود ما يمسى بالحرس الجامعي على اقتحام القاعة محاولين بذلك مصادرة تلفون إحدى الطالبات على خلفية تصويرهم أثناء اعتدائهم على شخص مسن دون مراعاة للحرم الجامعي أو القوانين واللوائح العامة”.
وعن هذه الحادثة علق مدير الحرس الجامعي حميد الأكوع قائلاً: “لا أعلم بهذه القضية, ولم أبلغ بها”.
وفي كلية الشريعة, أو كما يسميها أحد الطلاب (كيلة شؤون القبائل) قام أحد الطلاب بإطلاق الرصاص على زميله مندوب الدفعة داخل الكلية, وأصابه بطلقتين في حادثة صعق لها الجميع. فيما تزدان هذه الكلية عن غيرها بتواجد سيارات (الحبة) الخاصة بحمل الموافقين المسلحين.
ومن جهته تحدث مدير الحرس الجامعي عن كيفية دخول السلاح إلى القاعات الدراسية بالقول “السلاح الذي تم ضبطه مع الطالب (مسدس- ربع) قد يكون أدخله في جيبه أو حقيبته, ونحن لا نملك أجهزة حديثة لكشف السلاح, وهذا يحدث في أي مكان, وقد تم ضبط الطالب المُعتدي وإحالته إلى قسم 14 أكتوبر ثم إلى النيابة العامة”.
ويقول أحد الجنود إن العمل متعب على رجل الأمن, فيما لو قاموا بالتفتيش عن الأسلحة والبطائق في بوابات الجامعات تجنباً للزحمة, ويقومون بذلك في بوابات الكليات لم يحدث خلل في ساحة الجامعة.
وفيما يلمس الطالب وأي مواطن أو زائر يدخل الجامعة التقصير الواضح للأمن في حراسة المباني والقاعات الدراسية حيث, أغلب الأثاث محطمة, ويتجه رجل الأمن نحو ممارسة أعمال البلطجة والابتزاز متخلين عن مهامهم الأساسية في حفظ الأمن, ومنع دخول السلاح إلى الحرم الجامعي وحراسة المباني, مستغلين صلاحيات الزي العسكري.
وبدلاً من أن يبقى الجنود في بوابات الجامعة لمنع دخول السلاح بأنواعه, تجدهم هناك لغرض ابتزاز سائقي سيارات الأجرة “تاكسي” ومنعهم من إدخال الطلاب إلى كلياتهم إلا بعد فرض إتاوات, ولذلك أصبح من الطبيعي أن نرى الكثير من الذين ليس لهم أي علاقة بالجامعة وبعض الطلاب يتجولون بأسلحتهم (مسدسات) ناهيك عن السلاح الأبيض دون أن يحرك هؤلاء العساكر ساكناً”, بل إن تصرفاتهم مع هؤلاء تجعل الطلاب تتهمهم بالتساهل مع تيار مخصص أو أقاربهم ومعارفهم والسماح لهم بالدخول بأسلحتهم” حسب قول الطالب في كلية الإعلام عارف الواقدي.
وأشار أحد أفراد الحرس الجامعي إلى أن الدافع من تواجده في الجامعة: “لحماية الطلاب لا يمكن أن نستفز أي طالب لكن بعض الطلاب يستفزونا”.
وبرغم المسيرات الطلابية المطالبة بإخلاء الحرم الجامعي من المظاهر العسكرية بعد أن احتلها عناصر الفرقة الأولى مدرع إبان ثورة الشباب السلمية بذريعة توفير الحماية, لازالت تصرفات الجنود “الهمجية” ضد الطلاب في ازدياد, ودونما رادع يقابلها تجاهل الجهات المسؤولة.
ويرفض الطالب الجامعي الجامعة إلى مخفر أمني تتم فيه مصادرة حقوق منتسبيها باعتبارها صرحاً تعليمياً مقدساً لا يجوز لجنود الأمن أو الجيش أو اي أجهزة أمنية أخرى التواجد فيه نهائياً لحرمتها.
وفي وقت سابق سُربت رسالة وجهها علي محسن إلى رئيس جامعة صنعاء يطلب فيها قبول أحد الطلاب, وتجاوز الإجراءات الرسمية المخصصة للتسجيل, الأمر الذي أظهر حجم نفوذ علي محسن على كل المستويات في الدولة حتى الجامعة, فيما أرجع بعض الطلاب إلى أنه وجه الرسالة لثقته بأن الجامعة لن تعارضه كون عساكره يتحكمون بالجامعة مستنكرين تدخله الفج في الشؤون التعليمية.
ويعتبر حسام ردمان الطالب في كلية الإعلام كافة الأطراف السياسية ضليعة في ما تعانيه جامعة صنعاء, إذ إن قتل عقل الأمة وجعله حضناً للعسكر أمر يُراد به تدمير كل شعاع أمل لتنمية حقيقة داخل البلد.
وقال “إن عسكرة الجامعة تعني فشل الثورة, وتقويضاً لمشروعها الذي ضحى من أجله عدد من طلاب هذه الجامعة, في الوقت الذي لم يتجاوز الحلم الثوري أسوار الجامعة”.
ويشكل بقاء الجنود داخل الحرم الجامعي تعويقاً لتكوين العقل المجتمعي الواعي, باعتبارها مصنع القادة على مستوى الدولة والسياسية والاقتصادية والثقافية وكل المجالات, ومنها يخرج المفكرون والمبدعون, وما تواجد العسكر والمخبرين وما يقومون به من ممارسات إلا تعويق لدور الجامعة والسعي لتحويل الطلاب إلى مجرد مسوخ, كما يقول الناشط الطلابي هاني الجنيد.
ويضيف الجنيد أن بقاء العسكر في الجامعة هدفه إرعاب الطلاب ومراقبة تحركاتهم والكبت على أنفاسهم, وإخماد أي تحركات تحررية أو فكرية أو ثورية تهدد النظام, فالجامعة مصدر خطر لأصحاب المشاريع الضيقة, ومنها تحدث كل التحولات المجتمعية والسياسية, وبذلك ليس من مصلحتهم إبقاؤها بعيدة عن سيطرتهم.
ويؤكد الجنيد “أن العساكر المتواجدين في الحرم الجامعي هم من جنود الفرقة الأولى مدرع المنحلة الذين تم نقلهم إلى وزارة الداخلية بعد العام 2011, بتوجيهات من علي محسن والتجمع اليمني للإصلاح بغية السيطرة على الجامعة بشكل كامل”.
ويقول الطالب صلاح الروحاني إن بقاء هؤلاء الجنود التابعين للفرقة يمثل دعماً لعناصر الإخوان في الجامعة, وقمعاً للمعارضين لهم وكبتاً لحرية الطلاب, فأغلب الاعتداءات التي سُجلت كانت ضد الطلاب المخالفين لفكر وأيديولوجية الإخوان, ولم نر أي اعتداء ضد طلاب الإخوان, بل إن طلاب ومكونات الإخوان في الجامعة يدافعون عن بقاء الجنود في الجامعة ويسمونهم بالحرس المدني.
من جانبه يؤكد الطالب في كلية الإعلام نادر الصوفي أن من يقوم بحراسة الجامعة عسكر المنشآت, وليسوا حرساً مدنياً, منوهاً إلى أن عملية التجنيد كانت واضحة المعالم وتهدف للسيطرة على المنشآت وإخضاعها لسلطة القائمين وراء هذا التجنيد.
ويستنكر الصوفي ما يحصل من تعبئه خاطئة من قبل قيادات حرس الجامعة ومن بجانبهم للجنود, مشيراً إلى أنه “يتم خلط الحابل بالنابل إذ يعتقد العسكري أنه يقوم بدور وكيل للرب في المحافظة على العرف الاجتماعي والديني, فيما لم يُحدده دوره في حماية الجامعة كمنشأة حكومية لا غير”.
ويعتبر الصوفي الجامعات نواة الحياة المدينة ومنبر الحرية, والكابوس الذي أقلق دعاة التخلف والكبت السياسي والاجتماعي, فمتى ما تم إخضاعها تمت السيطرة على التحرر, مؤكداً أنهم يحملون ولا يعرفون أن الجامعات ليست مباني وطرقاً بل أسلوب تفكير وهذا مالا يستطيعون السيطرة عليه.
حاولنا أثناء جمع التصريحات من الطلاب والمتخصصين في مكتب الأمن ورئاسة الجامعة الالتقاء برئيس الجامعة عبد الحكيم الشرجبي فأحالنا سكرتيرة إلى أمين عام الجامعة عبد القاهر الأسدي الذي بدروه أبدى تحفظه عن الإدلاء بأي تصريح متذرعاً بأن هذا ليس من اختصاصه.
وأكد مدير عام الحرس الجامعي العقيد حميد الأكوع أن مهمة رجال الأمن الحفاظ على العقل البشري في جامعة صنعاء من أي اعتداء وصون كرامته وإنسانيته, والحفاظ على ممتلكات الجامعة من أي اعتداء أو تخريب.
وأضاف الأكوع قائلاً: “نحن في صرح علمي شامخ ولا يمكن التعرض لأي طالب أو طالبة من قبل الجنود في اي مكان عام حتى لو جلسوا طوال النهار, أما إذا كانوا في مكان خلوة لا يوجد فيه أحد فمن حقنا استجواب الطالب والطالبة واستدعاء أولياء أمورهما وإطلاقهما بعد عمل تعهد”.
ولم يكبت الطالب ياسين العقلاني رغبته في أن يكون هنالك احترام لقداسة الحرم الجامعي مطالباً رئاسة الجامعة ووزارة التعليم العالي بإخراج الحراسة العسكرية واستبدالها بحراسة مدنية من طلاب الجامعة الذين تخرجوا, ولم يحصلوا على فرص عمل, منوهاً إلى ان الجامعة مؤسسة مدنية ومركز للتعليم التنوير والتثقيف, منها ترسى قواعد بناء الدولة المدنية التي حلم بها الطلبة.
وفي ذات السياق أشار العقلاني إلى أن الطلاب خرجوا بثورة, وقدموا التضحيات من أجل التخلص من السلطة البوليسية القمعية, لذلك من المعيب الإبقاء على الحراسة العسكرية التي تتعامل مع الطلاب بطريقة أمنية تتنافى مع قوانين حقوق الطلاب وحرمة التعليم, مضيفاً ان هنالك الكثير من الزملاء تعرضوا لأبشع أنواع القمع حتى وصل الأمر إلى القتل.
أما الطالب في كلية الإعلام محمد نبيل عبد المغني فيؤكد أن هناك أبعاداً سياسية وحزبية لبقاء العسكر داخل الحرم الجامعي, وأن هنالك أطرافاً إلى الآن لم تستفد من أخطاء المخلوع صالح في عسكرة الحياة المدنية, ولم تستفد من قيام الثورة الشبابية وأهدافها النبيلة التي تبحث عن ترسيخ قيم الدولة المدنية الحديثة البعيدة عن الميليشيات المسلحة والعسكر.
وحسب محمد نبيل يقف الطالب الجامعي مستغرباً من الاتحاد العام للطلاب الذي لم يستنكر ولو لمرة واحدة ما يتعرض له الطلاب من اعتداءات بشكل مقزز ومستفز, فأصبحت حركة الطالب والطالبة داخل الجامعة مقيدة بأغلال فرضتها بعض العقول التي تطلق على نفسها عسكر النهي عن المنكر داخل الجامعة, مضيفاً “عند مشاهدة مجموعة طلاب مع زميلاتهم يأتي هذا الجندي أو هذا الضابط ليستجوب الطلاب بكل شيء (ماذا تفعلون بالجامعة؟ أعطوني بطائقكم) وكأن الطالب يدرس في الحدود الإقليمية أو في طريق صحراوي خال من الحركة اليومية ولا يعي العسكر أنهم هم الدخلاء على الحياة التعليمية في جامعة صنعاء ناهيك عن الأساليب غير الأخلاقية في التعامل مع الطلاب”.
ويتابع نبيل أن طبيعة العمل لحراسة المنشآت وكما يعرفها الجميع تكون خارج وقت العمل والدراسة في الجامعة, مشدداً على ضرورة الحراسة المدنية للجامعة وقت الدراسة والعمل الأكاديمي للتعامل السليم مع الطلاب بعيداً عن العقلية العسكرية الهمجية.
ويرى محمد نبيل أن حياة الطالب التعليمية ستظل مرهونة بيد الأطراف السياسية, التي تريد تحقيق مكسب حزبي من وراء بقاء العسكر داخل الجامعة.
ولكن لا نجد أنفسنا وسط مجتمع يخاف ويرهب من قول أي شيء بصوت عالٍ أو بالقرب من جنود ورجال من ما يعني مزيداً من التحفظ والاحتقان, وتجنباً لانتفاضة طلابية نشاهد أسبابها اليوم بوضوح, ندعو كل المختصين في الجامعة وذوي العلاقة في الدولة إلى الاهتمام بالعملية التعليمية وضبطها وإتاحة الفرصة أمام الطلاب وتشجيعهم للإبداع, بدلاً من تكميم أفواههم, كون العواقب لن تكون مرضية ولن تبقى الثورة في إطار سور الجامعة حينما تندلع, وثورة الأمس ليست ببعيدة.