لم يكن إعلان المبعوث الأممي إلى ليبيا مارتن كوبلر بشأن فشل مساعيه في إقناع كل الأطراف بالتوافق على حل سياسي للأزمة الليبية مفاجئا.
المؤشرات منذ ما قبل رحيل المبعوث السابق ليوناردينو ليون كانت أيضا تؤكد “وهمية” المساعي التي تقوم بها الأمم المتحدة تحت ضغوط دول غربية معينة، على رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. وفي الحقيقة، فهذه الضغوط أثارت كثيرا من الشكوك حول دور الأمم المتحدة في ليبيا وإمكانية نجاحه في ظل ضغوط الدول المذكورة، ومشاركة عناصر الاستخبارات الغربية في المفاوضات والمباحثات حول ليبيا.
إن تصميم الغرب على فرض سيناريو محدد للتسوية الليبية، واستبعاد دول الجوار، أو في أحسن الأحوال تكليفها بأدوار ثانوية، وعدم الإلمام بالخريطة القبلية والعرقية الليبية، ومحاولات الاستئثار الواضحة والتي تتركز على استبعاد غالبية الأطراف الدولية الأخرى، ومحاولات فرض ودعم شكل معين للشراكة في السلطة الليبية، واستبعاد قادة بعينهم وتمكين آخرين يروقون لهم .. كل ذلك يحيط مساعي الغرب بالفشل، ويدق مزيدا من الأسافين بين الليبيين أنفسهم.
الدول الغربية (الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا)، تدلي بتصريحات في غاية الأهمية والخطورة، تشكل بانوراما حقيقية لما يحدث حول ليبيا، وليس فيها فقط. فهناك من بين هذه الدول من يتهدد بتحول ليبيا إلى دولة فاشلة. وآخر يؤكد أن تنظيم داعش يتمدد ويتوسع. وثالث يشدد على ضرورة التدخل العسكري في هذا البلد. ورابع يعلن عن استعداده لقيادة عمليات برية للدخول إلى هناك.
كل هذه التصريحات تظهر تباعا، بينما القوات الخاصة الفرنسية والبريطانية موجودة في ليبيا، وتعمل بنشاط غير عادي، فيما تقوم الولايات المتحدة بغاراتها في الأوقات والأماكن المناسبة لها. فعن أي دولة فاشلة يتحدثون، وهم أنفسهم الذين يحظرون توريد السلاح إلى الجيش الليبي؟ وعن أي عمليات برية وقواتهم الخاصة وعناصر استخباراتهم تملأ ليبيا؟
إيطاليا، تعلن عن استعدادها لقيادة حملة عسكرية في ليبيا، ولكنها في الوقت نفسه تعلن في استحياء خشيتها من أن يعتبر الليبيون ذلك غزوا خارجيا! إذن، فماذا يمكن أن نسميه؟! لهذا تحديدا يريد الغرب، عبر الضغط على الأمم المتحدة، تشكيل حكومة الوفاق الوطني بأي شكل وبأي حال لكي تمنحه “رخصة” الدخول إلى ليبيا. ومن الممكن بعد ذلك تغييرها أو إحلال عناصر أخرى فيها وفقا لرؤية الغرب الذي سيكون قد بدأ في تقسيم ليبيا اقتصادا وجغرافيا.
رئيس الحكومة الليبية المؤقتة، عبدالله الثني، اتهم الدول الغربية بأنها تريد تحويل ليبيا إلى دولة فاشلة، وشكك في جديتها بمحاربة الإرهاب. بل واعتبر أنه “لو أن المجتمع الدولي كان جادا في محاربة الإرهاب والقضاء على داعش لما انتظر حتى تشكيل حكومة الوفاق”.
هذه هي رؤية رئيس الحكومة الليبية المؤقتة. ولكن الخطير هنا أن هذه الرؤية تكتمل إذا أشرنا فقط إلى حالة “النهم” التي أصابت واشنطن وباريس ولندن وروما، وكأن ليبيا هي “الدجاجة” التي ستبيض لهم ذهبا.
وبالتالي، فلا ينبغي أن تتدخل أطراف أخرى، وبالذات روسيا والصين. بل ومن الممكن أن يلقي الغرب ببعض الفتات لدول الجوار، بصرف النظر عن المخاطر والتهديدات التي تواجه هذه الدول. مما يولد انطباعا في غاية الخطورة أيضا، وهو أن الغرب لا يريد أن تكون دول الجوار قوية وقادرة على مكافحة الإرهاب، مهما قال من تصريحات معسولة. وذلك من أجل أن يحكم قبضته ليس فقط على ليبيا، بل وعلى تلك الدول التي يجب أن تكون بحاجة دائمة لدعمه وحمايته من الإرهاب، ومواصلة سيناريو اللعب والتلاعب بالجماعات الدينية وتصنيفها كما يحلو له، وإجبار الشعوب على تقبل هذه الجماعات تحت مسميات أمريكية وغربية من قبيل “الإسلام الديمقراطي الجديد”.