العرض في الرئيسةفضاء حر

“طوق صنعاء” طوقان مشائخي وشعبي والأخير هو الأهم!

يمنات

محمد محمد المقالح

لا اشعر بالخطر على صنعاء الا حين يتسابق السياسيون في صنعاء لمراضة مشايخها او وجهاء ما يسمونه طوقها..!

لعلنا نتذكر جميعا انه ومع بداية ثورة ١١فبراير٢٠١١م كان الرئيس صالح يلتقي كل اسبوع تقريبا بمجموعة جديدة من وجهاء ومشائخ وضباط وتجار المناطق المحيطة بصنعاء، و كان في كثير من تلك اللقاءت و حفاظا على سلطته يخوفهم من الثورة و يحذرهم من التهاون؛ بل ان في بعض الاحيان كان يحاول مخاطبة غرائزهم المناطقية ضد مناطق يمنية اخرى.

و قد ظل هذا التحذير و التخويف لتلك الوجاهات يتصاعد من قبل صالح كلما تصاعدت الاحتجاجات الشعبية في الشارع، و إلى درجة ان التهديد بالحرب الأهلية “من بيت الى بيت و من طاقة الى طاقة” و الذي اصبح – لاحقا- مأخذا كبيرا عليه من قبل خصومه، قد نقل على لسانه في احد تلك اللقاءات التي تبين انها لم تود الى أي نتيجة، مما كان يريده صالح من هؤلاء القيام به لحماية حكمه و لو بإسم حماية صنعاء من الغرباء..!

و لكن لماذا لم تنفع كل تلك التحريضات..؟

الجواب هو انه لا صالح و لا كل الطبقة السياسية المعارضة كانوا يدركون ان هذه الادوات المشائخية و الوجاهية قد فسدت و ترهلت و ان ارتباطها بالسلطة اصبح اقوى من ارتباطها بأبناء قبائلها و مناطقها الريفية، كما لم يدرك هؤلاء انفسهم ان ابناء قبائلهم و مناطقهم الريفيين ليسوا قطيع او جزء من القبيلة البدائية “قبيلة الدم” بل فلاحين و عمال و جنود و اصحاب حرف مثلهم مثل بقية ابناء الشعب، و يعانون ما يعانيه الشعب؛ بل ان ابناء ريف صنعاء و ريف المحافظات الشمالية عموما؛ كانوا و لا يزالون اكثر حماسة للثورة و الاحتشاد في ساحات التغيير بحثا عن العدالة الاجتماعية و فرص العمل و التعليم و الصحة و بقية الخدمات الأساسية التي يتفقدها عموم اليمنيون.

و لذلك و لعدم ادراك كل هذه الحقائق و المتغيرات الاجتماعية لدى صالح و كل الطبقة السياسية اليمنية من حوله، سقط صالح و اضطر الى التوقيع على التنحي عن السلطة بعد ان تأكد ان كل اجتماعاته بما اسماهم مشائخ و وجهاء طوق صنعاء لم تعمل له شيئا؛ بل تبين له ان بعض هؤلاء الذين كان يجتمع بهم بالصباح في الصالة الرياضة كانوا يذهبون بالمساء الى ساحة التغيير بجامعة صنعاء ليتحدثوا بسخرية عما حدثهم به صالح في لقاءات الصباح..!

في هذا السياق كانت جناية احزاب اللقاء المشترك و على رأسها الاصلاح انها اتت بمشايخ السلطة انفسهم الى ساحة التغيير ليكونوا قادة لثورتهم و يخاطبونهم من منصات الثورة نفسها دون ادراك ان هؤلاء المشائخ الفاسدين لن يمثلوا للثورة اي اضافة ايجابية تستقوي بها على نظام صالح، بل هم من مثل نقطة ضعف الثورة الشعبية، و هم من دفعوا تيارات واسعة من الثوار للانكماش عنها و كيف لا و قد جاء ابناء الريف الى الثورة هربا من بطش هؤلاء المشائخ الذين يمثلون في مناطقهم ادوات قمع و تسلط عليهم من قبل نظام صالح نفسه، و اذا بهم يفاجاؤن بأنهم قادة الثورة و نجوم منابرها و منصات الخطابة في ساحتها و هكذا استولى هؤلاء على الثورة و سرقوها، و بالتالي فشلت بعد ان انكماش الثوار عنها، و بعد ان تبين لهم ان المشترك يريد استبدال رموز سيئة برموز اخرى اكثر سوأ من داخل النظام نفسه!

المشهد نفسه تكرر مرة اخرى عشية ثورة ٢١سبتمبر ٢٠١٤م و بالذات حين كان الرئيس التوافقي هادي يحاول الحفاظ على سلطته امام الثورة التي يقودها هذه المرة السيد عبد الملك الحوثي من صعدة و من الريف اليمني المحيط بصنعاء تحديدا..

اذ قام هادي بتكرار الوسيلة ذاتها التي سبق لصالح الفشل فيها و هي اللقاء بوجهاء ومشائخ و تجار و ضباط قبائل من اسماهم ويسمونهم اليوم بـ”قبائل طوق صنعاء” بل انه هو صاحب حق الامتياز في اطلاق توصيفات رنانة اضافية لتوصيف هؤلاء الوجاهات و المشائخ.

فقد التقى في اوج تصاعد الاحتجاجات الشعبية بمشائخ بني مطر و الحيمتين و اطلق عليهم حينها توصيف حماة “البوابة الغربية” لصنعاء، و في الاسبوع التالي التقى بمشايخ سنحان و بلاد الروس فأطلق عليهم توصيف حماة “البوابة الجنوبية” لصنعاء، و هكذا بالنسبة لهمدان (البوابة الشمالية) و ارحب و بني الحارث (البوابة الشرقية) و لكنها جميعا رغم بريقها لم تفلح ابدا في حماية سلطة هادي و علي محسن و الاصلاح، لأن هادي و بقية تحالفاته مثلهم مثل صالح راهنوا على من لم يعد لهم اي تاثير في واقعهم الاجتماعي في مناطقهم و قبائلهم؛ بينما راهن السيد عبد الملك الحوثي و قادة ثورة ٢١ سبتمبر على الشعب و ان شئت على الفلاحين و العمال و الفقراء من ابناء تلك المناطق و ابناء الشعب عموما، و قد كانت تلك هي نقطة تفوق ثورة 21 سبتبر و سر انتصارها فكان ان انتصرت الثورة و سقط هادي بسقوط فرقة محسن و معها كل المشائخ و الوجهاء الذين راهن عليهم و في مقدمتهم صف واسع من المشائخ والوجهاء بينهم علي محسن و عيال الأحمر و الشائف و دماج و صغير بن عزيز و عبد الغني جميل و الرويشان و الحنق و العليي و غيرهم ممن لم يعد لهم أي تأثير في مناطقهم حول صنعاء او طوق صنعاء كما يحب البعض تسميته!

بمعنى اخر راهن هادي على الفاسدين و المتسلطين و الذين لم يعد لهم بسببب فسادهم و استبدادهم اي قوة اجتماعية او سياسية في واقع القبائل التي ينتمون اليها سوى قوة المال السياسي الذي يحصلون عليه من السلطة و من ارتباطهم الخياني بالسعودية، و لذلك سقط و حلفائه و لحقوا بسقوطهم صالح و بذات الوسيلة تقريبا.

كل هذا يشير الى ان الطبقة السياسية اليمنية بكاملها لم تدرك ان انقلابا اجتماعيا قد حدث في كل اليمن، و في المناطق الريفية بشكل خاص و ان جماهير هذه المناطق اصبحوا مقاتلين او ثوار في صفوف مسيرات و ألوية الحوثي و انصار الله و ان من أدخل انصار الله الى عمران و إلى صنعاء و بقية المحافظات هي هذه الجماهير لا صالح و لا الحرس الجمهوري و لا هادي..!

و لكنهم و يا لغبائهم ذهبوا – الطبقة السياسية – ليتنابزوا بالاتهامات المتبادلة بعد سقوطهم في صنعاء حول من ادخل الحوثي الى صنعاء..؟ و قبلها من ادخل الحوثي الى عمران.

ففي حين وزع الاصلاح التهم بالخيانة في كل اتجاه – وهو صاحب تهمة الخيانة الجاهزة لحليفه حين يهزم – تارة يتهم الرئيس هادي بعدم سماحه للجيش لصد مقاتلي الحوثي عن اسقاط عمران ثم صنعاء و تارة يتهم صالح و حرسه الجمهوري، و يقول بأنه هو من ادخلهم الى صنعاء دون وعي بل و بغباء شديد تجاه ما حدث في الواقع الاجتماعي من متغيرات طوال حكم صالح عموما و طوال حروب صعدة و ثورتي ١١فبراير و٢١سبتمبر خصوصا..!

الغريب ان هذا الجدل البيزنطي حول من “ادخل الحوثي” او من يسيطر على وجهاء طوق صنعاء لا يزال قائما حتى اللحظة رغم انه لا مصداقية كبيرة له امام حقيقة حدوث “انقلاب اجتماعي” كامل في الولاءات السياسية لصالح الحوثي و انصار الله تحديدا.

اذا انه و في خضم هذا الجدل “عادة سعيدة لعادتها القديمة” و بدأ صالح يراود نفسه في انه بالفعل من ادخل الحوثيين الى صنعاء و انه لا يزال يمسك بزمام المبادرة في التاثير على ما يصفونه بقبائل طوق صنعاء، و هذا ما يفسر تواصل اللقاءات التي يعقدها صالح هذه الايام باسم لقاءات حزبية و اعلن انه سيتوجها بمسيرات شعبية بمناسبة مرور عام واحد على العدوان السعودي، و كأننا في احتفال بمناسبة الحرب لا في ماتم من جروحها المادية و المعنوية و على نفس المنوال يبدو ان الاصلاح قد استطاع اقناع السعويدية بأن علي محسن هو صاحب التأثير الاكبر في وجهاء طوق صنعاء، و قد جاء تعيينه كنائب القائد الاعلى للرئيس الفار هادي على هذه الخلفية المتوهمة تحديدا..

و قبل ان اختم علي ان اعترف ان ما لم اكن اتوقعه هو ان انصار الله انفسهم و هم من ثاروا بقاعدة الهرم الاجتماعي (الشعب) ضد رأس الهرم الاجتماعي (المشائخ و التجار و الضباط) و انتصروا و انتصرت ثورتهم و قبلها مظلوميتهم عليهم عادوا او بعضهم من جديد ليراهنوا مثل سابقيهم من الحكام على نفس الأدوات التي سبق و ان اسقطوها او كشفوا عدم تأثيرها في الواقع الاجتماعي تاركين خلفهم جمهورهم الحقيقي الذي انتصروا به و مثلوا به نبض و طموحات المجتمع المغيب او المقهور و التائق للعدالة و الحرية و الاستقلال من الارتهان اليمني للسعودية و القوى الاجنبية.

ان رهان بعض قيادات انصار الله في صنعاء على المشائخ و الوجهاء و الضباط بدلا من الجماهير الشعبية لأبناء هذه المناطق او اعتبار ان ابناء هذه المناطق ليسوا مع الثورة و انصار الله بل مع مشائخهم. هذا بحد ذاته يمثل مؤشرا جديا في ان الثورة التي قادها انصار الله قد سرقت منهم او ان رأسها السياسي لم يعد له علاقة بجسدها الاجتماعي الامر الذي وجب التنبه اليه و ما لم يتم مراجعة هذا النهج الخطير و بسرعة فإن ما حدث لسابقيهم من طوق صنعاء و طوق اليمن عموما سيطوقهم ايضا و لو بعد حين.

زر الذهاب إلى الأعلى