ما هو حادث في الإقتصاد العالمي اليوم من هزات اقتصادية عنيفة، وكان آخرها الهزة التي أعقبت تصويت الشعب البريطاني بالخروج من الإتحاد الأوروبي، وقبلها الأزمة الاقتصادية المالية العالمية التي حدثت في العام 2008م عقب إنهيار مصرف ليمان براذرز…
فكل ذلك ليس وليد اللحظة بل هو امتداد طبيعي لهذا النوع من الإقتصاد الذي يتحكم في مساراته قطب واحد يحمل شعار “العولمة” ويتمثل في الدول الرأسمالية الإمبريالية بزعامة أمريكا وبريطانيا والصهيونية العالمية.
والقائم على المضاربات المالية ومشتقاتها، والأرباح الربوية، والقمار، وتجارة المخدرات والأعضاء البشرية والاتجار بالبشر، والدعارة… وغيرها من الأعمال غير المشروعة.
وقد طوعت هذه الدول لخدمته جميع المؤسسات والبرامج الدولية وعلى رأسها صندوق النقد والبنك الدوليين، ومنظمة التجارة العالمية… التي فرضت جميعها على الدول النامية والفقيرة سياسات تدميرية تحت عناوين براقة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.
ففي اليمن، على سبيل المثال: بدأت هذه المؤسسات الدولية منذ منتصف عقد التسعينات، بتطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي بحجة القضاء على بؤر الفساد، وتحسين وتنمية الموارد العامة، والحفاظ على إستقرار سعر صرف العملة المحلية، وتحقيق الإستقرار والنمو الاقتصادي، ورفع مستوى دخل الفرد، إلى آخر هذه المصطلحات الجاذبة، ووضعت لتحقيق تلك السياسات مجموعة من الأدوات الهدامة، مثل: خصخصة الوحدات الاقتصادية للقطاع العام، فتح الأسواق للمنافسة وإلغاء الحمائية للمنتج المحلي، رفع الدعم عن المواد الأساسية، وإصدار أذون خزانة وتوجيه القطاع الخاص والصناديق للإستثمار في سندات الدين العام لتغطية الإنفاق الجاري، والإعتماد الكلي على القروض الخارجية لتمويل المشاريع العامة ومشاريع البنية التحتية…
إلى آخر تلك الأدوات التي قضت من خلالها على ماكان قائم من مؤسسات إقتصادية ناجحة تابعة للدولة كانت تؤدي للمجتمع وخاصة للطبقات المتوسطة والفقيرة خدمات وسلع بسعر التكلفة أو أكثر قليلا، وكانت تساعد على تحريك عجلة الإنتاج المحلي، كما ألغت الدعم عن المواد الأساسية مما وسع دائرة الفقر بشكل مخيف وأدخلت فيها الطبقة المتوسطة وذوي الدخل المحدود، وتخلت الدولة عن مهامها الأساسية في تحقيق الأمن الاقتصادي للمواطن والمجتمع، وتراجع المنتج الوطني المحلي أمام تغول الشركات العالمية العابرة للحدود والقارات، وتوقفت عجلة التنمية الاقتصادية، وتراجع الناتج المحلي، تراجعت جودة التعليم والخدمات الصحية، وإرتفعت معدلات التضخم والبطالة لمستويات قياسية، وتراجع دخل الفرد، حتى وصل الوضع الاقتصادي في العام 2011م، في اليمن وفي معظم الدول العربية التي انتهجت سياسات وبرامج صندوق النقد والبنك الدوليين إلى مرحلة حرجة جدا أدت إلى فشل اقتصادي وسياسي أدى إلى إنهيار الثقة بين السلطة والمعارضة وبين الأنظمة الحاكمة والشعوب فنتجت عن ذلك ما يسمى بثورات الربيع العربي.
والتي جاءت نتيجة طبيعية لفشل السياسات الاقتصادية وتفشي ظاهرة الفساد وارتفاع معدلات البطالة والتضخم…وكلها كانت نتيجة حتمية للسياسات التدميرية لصندوق النقد والبنك الدوليين الرعاة الرسميين لنظام العولمة. والذي لا يستطيع البقاء إلا بافتعال الأزمات والحروب في كل منطقة من العالم.
أما في 26 مارس من العام 2015م فقد تعرض الاقتصاد الوطني للشلل التام عندما شنت قوى تحالف العدوان بقيادة السعودية وأمريكا حربا شاملة على اليمن وشعبه طالت كل مقدرات الوطن والبنية التحتية للاقتصاد الوطني، ولم تكتف بذلك بل ضربت حصارا شاملا على الشعب اليمني فقد معه الاقتصاد الوطني توازنه، وعجزت الدولة وبنكها المركزي عن السيطرة على إستقرار سعر صرف العملة المحلية أمام العملات الأجنبية.
لكل ما سبق ولتلافي الإنهيار الوشيك للاقتصاد العالمي الحالي الذي بات غذاءه الوحيد افتعال الحروب والأزمات بين الدول، والتي ستنهار معه جميع اقتصاديات دول العالم، قرر زعماء مجموعة من الدول التحرك السريع لوضع نظام إقتصادي عالمي جديد متعدد الأقطاب ليكون بديلا للاقتصاد الحالي ذات القطب الواحد الذي أوشك على الأفول والانهيار.
هذه الدول التي اطلقت على نفسها إسم “بريكس” (نسبة لأول حرف من كل دولة: البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب أفريقيا)، وهي الدول التي حققت أسرع نموا اقتصاديا على مستوى العالم، هذه الدول حملت على عاتقها مسئولية إنقاذ كوكب الأرض والعنصر البشري من إحتمال الفناء نتيجة نشوب حرب عالمية ثالثة لاقدر الله تستخدم فيها كافة اسلحة الدمار الشامل.
وفيما يلي نعرض عليكم مقتطفات من قراءة سيدة خط الحرير الجديد السيدة الألمانية/هيلجا لاروش* لمخاطر نظام العولمة الآخذ في الأفول ومعالم هذا النظام الجديد الذي تقوده دول البريكس ومعها نصف شعوب كوكب الأرض، حيث قالت :
“”إن عواقب سياسة “تغيير الأنظمة” هذه قد ألقت في الماضي القريب أجزاء كبيرة من أفريقيا في أتون الفوضى، وداست على تلك القارة بعجلات حروب الإرهاب والحروب الأهلية.
وتلوح في الأفق كذلك صراعات جيوستراتيجية في منطقة المحيط الهادئ أيضا والتي لديها القدرة على إشعال حروب اقليمية وأكثر.
وبما أنه لم يتم القيام بأي شيء لعلاج الأسباب التي أدت إلى انهيار مصرف ليمان براذرز في عام 2008، فإن البنوك العملاقة قد اصبحت أكبر بمعدل 30 إلى 40 % عن ما كانت عليه في ذلك الوقت، وما زالت مديونيتها هائلة، بل وازدادت حدة.
أما فقاعة المشتقات المالية فقد نمت لتقترب من مستوى 2 كوادرليون دولار، مما يعني أن أزمة نظامية قد تندلع في أية لحظة. وفي هذا الوقت بالذات وبوجود الوضع الاستراتيجي الذي صورناه هنا واحتمال تفشي خطر الفوضى، فإن كارثة استراتيجية كبرى ستكون بحكم المؤكدة.
هكذا يجد العالم كله نفسه في وضعية مثيرة للإنذار إلى درجة أن المرء لا يسعه إلا أن يتسائل كيف ترك المسؤولون عن ما يسمى بمنظومة القيم الغربية الأوضاع تنحدر إلى هذه النقطة.
لقد علق البابا فرانسيس ـ الذي وصف النظام المالي والاقتصادي العالمي على أنه “لا يطاق”ـ على الوضعية هذه في مقابلة مع صحيفة لافانغوارديا الاسبانية مؤخرا بقوله: “لكي يبقى هذا النظام حيا، يجب شن الحروب مثلما فعلت الامبراطوريات الكبرى من قبل. لكن البشرية لا تحتمل حربا عالمية ثالثة، لذلك يتم الاستعاضة عنها بحروب إقليمية.”
بالرغم من أن المرء ليس بقادر على أن يعبر عن المشكلة بأحسن مما عبر عنها البابا، لكنه في هذه المرة قد أساء تقدير مستوى الطاقة الشيطانية التي يمتلكها نظام العولمة الذي لن يتردد في استخدام كل الأسلحة المتوفرة لديه للدفاع عن امتيازاته.
فبعد مئة عام من الحرب العالمية الاولى نجد أنفسنا في وضعية جيوسياسية مشابهة جدا لتلك التي سادت قبل تلك الحرب، باستثناء أنه توجد اليوم أسلحة نووية سيقود استخدامها إلى محو الجنس البشري من الوجود””
البديل موجود
لقد تم في هذه الأثناء خلق بديل للنظام عبر الأطلسي المنهار، إذ أدت محاولات النظام استخدام المؤسسات فوق الوطنية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، ومعاهدة الشراكة عبر المحيط الهادئ ومعاهدة التجارة والاستثمار الاطلسية وغيرها من الأدوات النقدية لنظام العولمة لتوسيع امبراطوريته العالمية، نقول أدت إلى تشكل معارضة لم يكن متوقعا أن تبرز مثلما فعلت الان.
في مدة أقل من عام تم خلق تحالف اممي يقوم ببناء نظام اقتصادي موازي بخطوات عملاقة، وهو نظام مسخر بشكل حصري لبناء الاقتصاد الحقيقي، على عكس النظام الذي يهدف إلى تعظيم الارباح المالية المضاربية. يضم هذا النظام البديل أكثر من نصف سكان العالم اليوم.
إن مجتمع الأمم الجديد هذا يمثل مركز قوة مبني على النمو الاقتصادي، وفوق كل شيء على التقنيات المتقدمة، وهو مجتمع ينتمي إلى المستقبل كما دل على ذلك نجاح البرنامج الصيني لاستكشاف القمر الذي يركز على فكرة جلب كميات كبيرة من نظير الهيليوم ـ3 من القمر إلى الأرض وذلك لاستخدامه في الاقتصاد المستقبلي المبني على طاقة الدمج النووي.
إن هذا البرنامج يفتح الطريق امام ثورة علمية وتقنية من شأنها أن ترفع بنسبة أضعاف مضاعفة كثافة تدفق الطاقة في كل من عملية الانتاج على كوكب الارض وكذلك توفير الوقود اللازم للسفر عبر الفضاء، وبذلك يمهد الطريق إلى مرحلة جديدة في عملية ارتقاء العنصر الانساني.
لقد تم اتخاذ الخطوة الاولى نحو نظام اقتصادي عالمي جديد حينما أعلن الرئيس الصيني شي جينبينج (ْXi Jinping) في مؤتمر عقد في كازاخستان في شهر يوليو/ تموز 2013، أن الصين ستبني “حزاما اقتصاديا لطريق الحرير” الجديد عبر آسيا الوسطى إلى أوربا بناء على ميراث طريق الحرير التاريخي.
ومن بعد ذلك، وفي شهر اكتوبر/ تشرين الأول أصدر الرئيس الصيني أثناء زيارة لاندونيسيا وماليزيا مبادرة لضم جميع دول جنوب شرق آسيا في مشروع بناء “طريق الحرير البحري”.
في اجتماع القمة الذي جمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع الرئيس الصيني شي في شانجهاي في 20 مايو/ أيار 2014 وأثناء الزيارة الرسمية لبوتين إلى الصين بمناسبة انعقاد “المؤتمر الرابع للتباحث وإجراءات بناء الثقة في آسيا” (CICA) يوم 21 مايو في شانجهاي أيضا، تم التوقيع على اتفاقيات شاملة للتعاون بين القوتين العظميين، وكان من بينها اتفاقية لتوريد الغاز الطبيعي الروسي الى الصين لمدة 30 سنة بالإضافة إلى 46 بروتوكول ثنائي إضافي.
قام الرئيسان في ختام القمة بإصدار إعلان نوايا مشترك يشير إلى أن الدولتين تتمنيان خلق بنية اقتصادية جديدة في منطقة اسيا والمحيط الهادئ، وتعارضان التدخل في الشؤون الداخلية للأمم الأخرى، وأنهما تنويان التنسيق قدر الامكان في تعاملهما مع قضايا السياسة الخارجية المهمة التي يتفقان حولها.”” (انتهى الاقتباس)
إذا أصبح من المحتم على جميع الدول، ومنها بلادنا، إتخاذ خطوات عملية للتحول صوب النظام الاقتصادي الإنتاجي الإئتماني الجديد والتعاون المشترك مع الصين وبقية دول البريكس للاستثمار في المشاريع العملاقة للبنية التحتية لإنعاش اقتصاديات الدول وإنقاذ الاقتصاد العالمي من الإنهيار والتهيئة لإنشاء بنك إعادة إعمار اليمن أسوة بالشقيقة سوريا.