هل تحسم الامارات معركة الحديدة قريبا..؟
يمنات
صلاح السقلدي
بصرّتُ ونجّــمتُ كثيراً لكني لم أقرأ أبداً تصريحات تشبه تصريحات التحالف “السعودية والإمارات” في تناقضاتها واضطرابها حيال الوضع في الساحل الغربي اليمني الذي يخوض فيه “التحالف” حرباً صعبة وغريبة في انتصاراتها وانكساراتها، لاقتحام مدينة الحُــديدة ومينائها الحيوي. فبعد أن كانت الإمارات قد حددّتْ ساعة الصفر قبل أكثر من ثلاثة شهور، وبعد أن أعلنتْ مرارا أنها حسمت أمرها وأمر القوات الموالية لها ومنها الجماعات السلفية الجنوبية لاقتحام المدينة، وأنها أصبحت لا تكترث بأي اعتراضات دولية لإنقاذ المدينة من جرائم الانقلابين – بسحب الخطاب الإماراتي – وظلت تكرر خطابها الذي يؤكد كذلك أن الحركة الحوثية رفضت التسوية السلمية للمدينة، وأنها “الإمارات” بناءً على ذلك ستباشر العملية العسكرية صبيحة أحد تلك الأيام، وهو بالفعل ما تم، حيث شرعتْ بحملة عسكرية واسعة النطاق على المدينة برا وبحرا وجوا, ترافق ذلك مع حملة إعلامية ضخمة ظلت تتحدث عن انتصارات متلاحقة وعن أحداث دراماتيكية هناك وعن فرار قوات الحوثية فُــرادا وجماعات وهزائم متلاحقة تتلقاها, إلى درجة سقوط مطار المدينة ومينائها وبعض أحياء المدينة.
و فجأة وبشكل صادم لشركائها تعلن الإمارات عن إيقاف العملية أو ما اسماه وزير دولتها للشؤون الخارجية أنور قرقاش بتصريح له: (نعلن تعليق العمليات العسكرية بالساحل الغربي لإتاحة الفرصة للعميلة السياسية التي يبذلها المبعوث الأممي ولإفساح المجال للجانب الإنساني). قبل أن يتضح بعد ذلك عدم صحة تلك الانتصارات “الافتراضية”, بل وليتكشف الوضع العسكري أن الواقع على الأرض مغايرا كثيرا لما صوره الإعلام، فتموضع القوات الموالية لها “الإمارات” بعيدة بعشرات الكيلومترات عن تخوم المدينة، ناهيك عن مطارها ومينائها وقلبها.
ظل الوضع يراوح مكانه حتى عشية انطلاقة المشاورات التي كان من المفترض أن تعقد في جنيف في السادس من الشهر الجاري, والتي فشلت قبل أن تبدأ، وبصرف النظر عن من أفشل تلك المشاورات التي طفقَ كل طرف يحمل الآخر المسؤولية عن فشلها، لينطلق بدلاً عن ذلك حوار البندقية بالساحل الغربي أيضا وبشكل أكثر ضراوة، بعد أن صعّــدت الإمارات على الارض لتعيد الكرّة من جديد صوب المدينة. ومن حينها عاد الخطاب يتحدث عن انتصارات بالجُــملة، وأن سقوط المدينة أصبح وشيكا وقاب قوسين أو أدنى. بل أن كثيراً من التقارير الصحفية التابعة للإمارات تحدثت بالفعل عن السيطرة على أهم شوارع الحُــديدة “شارع صنعاء” وجامعتها، وأن مقاتلي الحركة الحوثية يلوذون بالفرار شمالاً، قبل أن تظهر أهم الصحف الإماراتية “البيان” يوم الاثنين17 سبتمبر الجاري لتتحدث وبشكل مفاجئ أن الجيش الوطني اليمني ينتظر الضوء الأخضر لاقتحام المدينة..!
لا نعرف عن أي ضوء أخضر هذا الذي تتحدث عنه الصحيفة بعد كل هذا الذبح والدمار، ولا من أية جهة سينبعث هذا الضوء الأخضر ليصل الى ذلك الجيش الوطني الذي لا أساس له بهذه الصيغة، ولا نفهم حقيقة كيف يكون انتظار ضوء اخضر أو حتى برتقالي في خضم معارك هي مستعرة أصلاً !.. ثم هل يعقل أن تتوقف المعركة من أجل استلام ضوء أخضر من جهة مجهولة وفي غمرة انتصارات تتوالى تباعاً، لأن الحديث عن انتظار ضوء أخضر يعني بالضرورة أن الجيش في حالة توقف, بعد أيام من بلوغ الأخبار بالأيام القليلة الماضية عنان السماء بانتصاراتها وبحديثها من أن الجيش الوطني والمقاومة الوطنية قد بلغ قلب المدينة ومطارها وجامعتها..؟.. ولكن بالمقابل فإننا نعرف من أن هكذا حديث أنه يشي إلى أن الانتصارات التي سمعنا عنها بالأيام الماضية لم تكن دقيقة, وأن شيء وراء الأكَــمة يكمن ويتشكل لا نعلم بالضبط عن كنهته وطبيعته, وأن ثمة خسارة كبيرة طالت القوات الموالية للإمارات وهي بالمناسبة قوات جنوبية غير نظامية “جماعات سلفية ومقاتلين جنوبيون مؤيدون للحراك الجنوبي” (الثورة الجنوبية)، فضلا عن قوات شمالية تابعة للعميد طارق، نجل شقيق الرئيس اليمني السابق صالح, وما مصطلح الجيش الوطني إلّا أكذوبة يسوقها إعلام السلطة اليمنية الموالية للتحالف “السلطة الشرعية”، لتجيير أي انتصار عسكري هناك لمصلحتها ولتسحب به البساط من تحت القوات التي تقاتل هناك, وهي جهات وقوات لا تعترف بشرعية هذه السلطة سواء تلك القوات الجنوبية المؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي أو التابعة للعميد طارق, وكأننا هنا أمام نسخة أخرى مما جرى بالأشهر الماضية تتكرر على شكل مأساة، أو قُــل على شكل كوميديا سواء.
فالإمارات التي تستخدم هذه القوات وبالذات الجنوبية كوقود حطب رخيص لمعركتها – أو بالأحرى لمحرقتها – بالحُــديدة تتطلع الى تحقيق أمرين على الأقل بهذه المعركة..
أولاً: استكمال سيطرتها على الساحل اليمني من المهرة شرقا حتى الحُــديدة غربا، و ربما إلى شمال الحديدة أن اُتيح لها ذلك, مرورا بميناء عدن الاستراتيجي وميناء المكلا، فأبوظبي تخوض حربا اقتصادية بلباس عسكري، وعينها على كل ما له علاقة بالموانئ والجزر بالمنطقة وليس فقط باليمن, سيما بعد ان تم إخراجها مؤخرا عنوة من أهم موانئ البحر الأحمر والقرن الأفريقي “جيبوتي والصومال”.
ثانياً: اتخاذ الإمارات من الحُــديدة موطئ قدم وعاصمة سياسية لحزب المؤتمر الشعبي العام “حزب الرئيس الراحل صالح” الجناح الموالي لها الذي يقوده السفير أحمد علي صالح, والعميد طارق وقيادات أخرى جُــلها تعيش خارج البلاد. أما مصير القوات الجنوبية فسيكون خارج الحساب, ولن يطول عنب اليمن ولا بلح الشام, ولن يحصدوا أكثر من عبارة: (شكر سعيكم يا طويلو الإعمار)، وهذا ما تسربه الإمارات بشكل صريح عبر أصوات جنوبية مقربة منها.
و بالتالي وعطفاً على هذا الإصرار الإماراتي وعلى الدعم الدولي الذي تحظى به وبالذات من الطرف الأمريكي الذي عقد مؤخرا اتفاقا مهما بمدينة عدن مع السلطة الموالية للتحالف ومع الطرف الإماراتي اثناء لقاء مهم جمع بين رئيس الأركان اليمني اللواء طاهر العقيلي و قائد القيادة المركزية الأمريكية الوسطى الجنرال جوزيف فوتيل لا نستبعد أن تقتحم “الإمارات” والقوات والموالية لها المدينة، ولكن بثمن باهظ جدا سيدفع جزءا كبيرا من فاتورته الجنوبيون بل أنهم بالفعل في هذه الأثناء يدفعونه تحقيقا لمصالح الغير. ولكن ومن واقع التجارب الفاشلة التي سجلها التحالف في الجنوب وفي عدن تحديدا سوف لن تكون الحُـــديدة إلا ثقب شديد السواد بسماء السياسة الإماراتية الوليدة بالمنطقة، وسيزداد قتامة أكثر مع مرور الوقت – إن فعلا سقطت – فالتجارب شهود عدول.
المصدر: رأي اليوم
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.