السعودية وحرب اليمن .. آخر العلاج الاستعانة بالقبيلـة
يمنات
صلاح السقلدي
شرَعَ التحالف العربي الذي يضم السعودية والإمارات في اليمن قبل أيام الى استخدام ورقة القبيلة اليمنية في خضم معركته المستعرة منذ أربعة أعوام مع الحركة الحوثية وقوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح- التي ما تزال تقاتل بوجه التحالف-، وهذا الإقحام للقبيلة ينطوي على مخاطر كبيرة على السلم الاجتماعي باليمن المضطرب أصلاً ناهيك عن الخطورة على نسيج القبيلة ذاتها من خلال إحياء الثارات التي كانت اليمني الجنوبي بُعيد استقلال عام 67م قد وضعت حدا لمآسيه.
ومع أن للسعودية علاقة طويلة بالقبائل اليمنية منذ عقود ،وشكلت تلك القبائل وبالذات المتاخمة جغرافيا للحدود السعودية سواء القبائل الشمالية كقبيلتَـي حاشد وبكيل” كبرى القبائل اليمنية” والقبائل الجنوبية في حضرموت الداخل، وقابل شبوة- قبلية العوالق مثلاً-، حين ظلت المملكة تطل على اليمن عبر هذه النوافذ مستخدمة أدوات ترويض واستمالة متعددة، مثّــلَ سحر المال وهيلمان المكاسب المادية واحدة منها، من خلال ما يُـعـرف باللجنة الخاصة التي شُكّلِتْ مطلع سبعينات القرن الماضي وظل يرأسها لفتر طويلة ألأمير الراحل سلطان بن عبدالعزيز -، ضف الى ذلك وسيلة تجنيس بعض شيوخ ورجال القبائل المحاذية للحدود بالجنسية السعودية أو منح كثير من أفراد القبيلة ما يُــعرف بوثيقة التابعية، نقول أنه برغم كل ذلك إلا أن استخدام العنصر القبلي بهذه الحرب بقي بعيدا الى قبل أيام ..إلى أن طفقَ مؤخراً الإعلام السعودي ومعه الإماراتي في تسلّيط الأضواء بقوة على تحركات بعض القبائل خصوصا في محافظة حجة ومناطق كُشر- شمال غرب اليمن- المدعومة من ” التحالف” والتي تم الزج بها كعنصر جديد بالمعركة بعد أن تعثر التحالف بحسم هذه الحرب عبر الجيش اليمني المسمى بالجيش الوطني الذي أكتشف التحالف أن ولاءه لم يكن للرئيس هادي كما راهن على ذلك، بل توزعت ولاءاته الحزبية والفكرية منذ اندلاع هذه الحرب بين كل من الرئيس السابق صالح وحزب الإصلاح” إخوان اليمن” والحركة الحوثية، وهذه الأخيرة ما يزال بيدها الجزء الأعظم مما تبقى من الجيش والأمن عُــدّة وعتاداً – على الأقل قياسيا بالقوى الأخرى-،فالرئيس الحالي منصور هادي” المنتمي للجنوب” كشفت له هذه الحرب النتيجة الهزيلة لحضوره وتأثيره على المؤسسة العسكرية بعد أن تم تسريح ما تبقى من الجيش الجنوبي تسريحا شبه كُــلي غداة حرب94 والتي كان هادي مسامهما بها بفعالية، وهي النتيجة التي تجرّعَ هادي مرارتها مؤخرا وتجرعها معه التحالف لولا أن وجدا بالطرف الجنوب متطوعاً بالمجان يخرجهما من مستنقع التورط والهزيمة بالجنوب.
لا شك أن التركيبة الاجتماعية باليمن تغلب عليها القبيلة والعشيرة بشكل طاغ شمالا وجنوبا، ولهذا يكون من المؤكد أن الجزء الكبير من المقاتلين الذين يقاتلون إلى جانب كل أطراف الصراع هم بالأصل من رجال القبائل ولكن ظلت مشاركتهم بها الى قبل أيام تتم بصفة فردية، أو حزبية – أو حتى طائفية -في بعض المناطق- وليس بالصفة القبلية كما يتم تشكيله اليوم. فاشراك القبيلة اليمنية المثقلّة أساسا بالصراعات والثارات في الصراع السياسي والطائفي المحتدم اليوم بضراوة سيعني بالضرورة إذكاء مزيداً من نيران الصراعات، وتأجيج مشاعر العصبيات في بلد أضح كمرجل مضطرم فوق جمر بشكل لم يسبق له مثيل من قبل ليضاف الى صراعات اليمن المعقدة ومشاكله المتعددة.
لن تتوقف خطورة اقحام القبائل بحرب أصبغ عليها التحالف صبغة طائفية وجهوية وحزبية على نسيج هذه القبائل وتعاضدها فقط أو سيقتصر على تهديد السلم الاجتماعي والاقتصادي والثقافي فحسب بل ستطال خطورته تحجيم دور القوى المدنية والحداثية كالأحزاب والقوى السياسية والثقافية وفعاليات المجتمع المدني الأخرى، وهذا سيكون له تبعات مدمرة على مجمل الصُعد، وعلى صعيد التسوية السياسية تحديدا و جهود حل الأزمة اليمنية ومعها بالقطع القضية الجنوبية.
كما أن مثل هكذا توجه صوب ورقة خطيرة تمضي نحوها السعودية في خضم حربها المتعثرة باليمن لا شك أنه مؤشرا جليا على فشل فكرة الحسم العسكري الشامل باليمن، وهو الفشل النابع أصلاً من قاعدة البيانات المغلوطة التي اعتمد عليها التحالف، ناهيك عن فشل الأدوات والوسائل التي ظلت بمتناول يده” التحالف” كوسيلة المقاومة – بالشمال أقصد – والجيش المسمى بالوطني الذي لم تعد السعودية والإمارات تعولان عليه كثيرا كونه بحسب اعتقادهما مواليا لحزب الإصلاح ” إخوان اليمن”، فضلا عن فشل وسيلة ورقة الطائفية شمالاً برغم ما تثيره هي الأخرى من خطر ماحق على السلم الاجتماعي بعد أن كانت” الطائفية” قد أتت أُكلها لمصلحة التحالف بالجنوب مطلع هذه الحرب، ومع فشل كل هذه الوسائل الفاعلة فلن يجدي نفعا استخدام مزيدا من الوسائل وتجريب أدوات جديدة في بلد انهكته حماقات أبناءه وأطماع جيرانه.
وعطفاً على ما تقدّمَ وإنفاذا للحاجة الماسة التي تبحث عنها السعودية لتسجيل انتصارا عسكريا عبرها بالوقت الضيق الذي يتقلص أمامها، و قبل أن يتسع قُــطر دائرة الحل السياسي التي تدفع بها الأمم المتحدة بشدة، فقد كانت ورقة القبيلة هي آخر العلاج لديها لكيّ ظهر الخصم – أو هكذا تتمنى السعودية أن يكون-.
فمن معرفة الرياض أن لديها تجربة تاريخية ثرية بسهولة التحكم- الى حد ما- بورقة القبيلة اليمنية كواحدٍة من الأذرع المتعددة للنفوذ والهيمنة التاريخية باليمن فقد كان قرار الاستعانة بالقبيلة بشكل أوسع هو السهم المتبقي بكنانتها -،وهذا لا يعني أن الرياض لم تطرُق هذا الباب منذ بداية هذه الحرب، بل لقد فعلت ذلك ولكن بشكل محدود، حين كان ما زال لديها الأمل بمفعول أوراق الضغط الأخرى وليس بشكله العلني وواسع النطاق كما تعمل منذ أيام بإقحام قبائل في محافظة حجة مثل قبيلة “حجور”، وفعلت الشيء نفسه بمحافظات أخرى كمحافظة صعدة معقل الحركة الحوثية التي استقبل من شيوخها وزير الإعلام السعودي قرابة15 شيخا ، خلال الندوة التي جمعتهم بمبنى الوزارة بالرياض في19 يوليو/ تموز العام الماضي لغرض تجييش القبائل بشمال الشمال اليمني ضد القبائل الموالية للطرف الآخر” الحوثيين” وغير الحوثيين ممن لم ينصاعوا للرغبات السعودية ).
فاليوم وصل الأمر الى اشراك عسكري فعلي لهذه القبائل ومساندته بالطيران فضلاً عن الاسلحة الثقيلة الأخرى، وسلاح المال بالطبع، بالتوازي مع إثارة الضغائن الطائفية وشحنها بشكل كبير, وهذا ما سيلقي بظلاله الكئيبة والخطيرة ليس فقط على الشمال كما يعتقد الجنوبيون التواقون للخلاص من وحدة ما بعد حرب 94م، بل سيطال شرره وناره الجنوب والشمال على السواء ، فلا نظن اشعال كل هذه الحرائق على هذا النحو من الإضرام والتمدير سيقتصر ضرره على فقدان الشمال للوحدة مع الجنوب بل سيكون الشمال والجنوب معا على موعدٍ مع التفتيت والتشظي وليس التقسيم فقط، مما سيعني بالتأكيد تبخر الحلم الجنوب بالعودة لوضع ما قبل عام 90م، وتناثر أحلام العودة لسدة الحكم في صنعاء كما تتوق لذلك القوى اليمنية الشمالية وشرعية الرئيس هادي المتحالفة مع التحالف ،فسيطال ضرره بالمجمل الجميع وفي كل الجهات من صعدة شمالا حتى المهرة وعدن جنوبا.
المصدر: رأي اليوم
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.