أسرار ووثائق
حرب متعددةُ الأوجه تفتك باليمنيين .. د. أحمد قايد الصايدي
حرب متعددةُ الأوجه تفتك باليمنيين
د. أحمد قايد الصايدي
يمنات:
قتل بالصواريخ والقذائف والرصاص، وقتل بالحصار والتشريد والتجويع وانقطاع المرتبات وارتفاع الأسعار وسقوط قيمة الريال اليمني وانعدام المشتقات النفطية وانقطاع الكهرباء ومياه الشرب وتدمير المرافق الخدمية، وقتل بنفايات الدول الصناعية، وقتل بالحزن والكمد واغتيال الحلم والأمل وانسداد الأفق. هذا هو حال اليمن اليوم. وتختص تهامة اليمن من بين المناطق اليمنية الأخرى المنكوبة، تختص بالصور المفزعة، التي تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي، لأطفال مشوهين، من جراء دفن نفايات الدول الصناعية فيها. وهو ما تناوله بيان جماعة نداء السلام، في تاريخ 11 فبراير 2022م، كما تناولته أبحاث أساتذة جامعيين ومقالات قديمة وجديدة، لكتاب وصحفيين وناشطين حقوقيين وطرحه نواب في البرلمان اليمني، في تسعينيات القرن الماضي، وتم تشكيل بعض اللجان للنزول الميداني، أعدت تقارير سلمتها إلى الجهات الرسمية.
وفي هذه العجالة سأشير مجدداً إلى بعض ردود الفعل، التي عبر عنها أصحابها بطرق مختلفة بعد تداول بيان جماعة نداء السلام في الداخل والخارج: فمعظم ردود الفعل كانت قلقة مما يحصل في تهامة، ومؤيدة لما طالب به البيان، من تشكيل لجنة تحقيق دولية، من متخصصين، تحقق في الأمر وتكشف ملابساته وتعمل على إنصاف اليمنيين. وبعض ردود الفعل رأت أن عملية نقل النفايات النووية من دول صناعية ودفنها في بلدان العالم الثالث ليست إلا خرافة من نسج الخيال، لأن مخاطر النقل مخاطر كبيرة على صحة وحياة من ينقلونها وعلى الأرض والبحار، وتأسيساً على ذلك لا يمكن أن توجد نفايات نووية في اليمن.
وقد لفت انتباهي هذا الرأي الأخير، الذي استبعد نقل الدول الصناعية نفاياتها النووية ودفنها في بلدان العالم الثالث، وحفزني إلى محاولة البحث عن الحقيقة. ولأنني لا أنتمي إلى دائرة المتخصصين في هذا المجال، فقد وجدت نفسي أراجع ما استقر في ذهني سابقاً عن هذا الموضوع، من أن النفايات النووية توضع في حاويات، يتم تصنيعها بمواصفات خاصة لهذا الغرض، ويتم إغلاقها بإحكام، بعد ملئها بالنفايات، وتُتخذ إجراءات واحتياطات مشددة، تضمن عدم إصابة من ينقلونها بأي أضرار، وإن كانت بعد ذلك تسبب أضراراً للإنسان وللبيئة في المناطق التي تُدفن فيها.
ولكي أراجع هذا التصور، الذي استقر في ذهني من قبل، وأتحقق من مدى صحته، أو مدى صحة الرأي، الذي يستبعد نقل النفايات النووية من البلدان الصناعية ودفنها في بلدان العالم الثالث، اتجهت إلى البحث عما يمكن أن يكون قد نُشر، من مقالات وأبحاث وكتب حول هذا الموضوع. وكانت المفاجأة كبيرة. فقد وقفت على مئات العناوين، لمقالات وكتب باللغة العربية وبلغات غير عربية، تؤكد حقيقة نقل النفايات النووية والكيميائية من الدول الصناعية ودفنها في بلدان العالم الثالث، وتتحدث عن أخطارها على الإنسان وعلى بيئته الطبيعية.
فالوكالة الدولية للطاقة الذرية، مثلاً، تؤكد في تقرير لها عام 2003م، في فقرة تحت عنوان (سوق النفايات النووية) حقيقة دفن النفايات النووية في بلدان العالم الثالث، من خلال إشارتها إلى أن “موزنبيق تعتبر من الدول الإفريقية الأهم في دفن النفايات النووية التي تلقي بها الدول الصناعية الكبيرة على أرضه”.
وفي عام 2017م أعلنت منظمة الشرطة الدولية (الإنتربول) عن “اكتشاف أكثر من 1.5 مليون طن من النفايات غير القانونية العابرة للحدود في جميع أنحاء العالم، خلال عملية عالمية قامت بتنسيقها، تستهدف الشحن غير المشروع للنفايات والتخلص منها. وكانت آسيا وأفريقيا الوجهتين الرئيستين للنفايات التي يتم تصديرها بصورة غير مشروعة، من أوروبا وأميركا الشمالية”.
وفي مقال بعنوان (النفايات النووية قاتل صامت يهدد العالم)، للدكتور محمد رشاد السبع، نُشر في (مجلة بيئتنا – الهيئة العامة للبيئة – العدد 63،14 مايو 2011م)، ورد ما يلي: “على الرغم من أن التخلص من النفايات النووية بعد معالجتها بالأساليب العلمية الدقيقة، يتم حسب معايير الأمان الأساسية الصادرة عن الهيئة الدولية للطاقة الذرية، إلا أن هذه النفايات التي تنتجها دول العالم المتقدم بشكل رئيسي، تشكل تهديداً كبيراً للدول النامية والمنطقة العربية على وجه الخصوص ومنذرة بخطر وشيك، حيث تسعى الدول المنتجة للنفايات النووية للتخلص منها في دول العالم الثالث وفي مقدمتها دول الشرق الأوسط”.
ويفسر الدكتور مسعد عبد الرحمن زيدان، الأستاذ في كلية العدالة الجنائية بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، في مقال له بعنوان (الدول النامية مكب النفايات النووية)، نُشر في عام 2013م، يفسر سبب دفن النفايات في الدول النامية، وهو “أن التخلص من النفايات النووية في الدول المتقدمة، ووضعها في مدافن آمنة، يحتاج إلى مئات المليارات من الدولارات”. وهذا التفسير، الذي يسوقه الدكتور زيدان، يعني أن دفن النفايات النووية في بلدان العالم الثالث أقل كلفة مالية. وسنرى ما يؤكد هذا التفسير لاحقاً. فالكلفة المالية، كما يبدو، تدخل في حسابات هذه الدول المصدرة للنفايات، ولا تدخل في حساباتها الكلفة البشرية.
وفي ما يتعلق بالأضرار، التي تلحقها النفايات النووية والكيميائية بالبشر، تتكرر في الكتابات المنشورة الإشارة إلى بعض الأمراض، التي تسببها هذه النفايات، ومنها: السرطانات وفقر الدم والتشوهات الخلقية، إضافة إلى الأضرار التي تلحقها بالبيئة الطبيعية، من حيوانات ونباتات وتربة ومياه (وكل هذه الأضرار شوهدت في تهامة اليمن). وقد أكدت بعض الكتابات بأن حاويات النفايات النووية معرضة للتآكل، بسبب المياه الجوفية. وهذا التآكل سيؤدي إلى انسياب محتوياتها في التربة ومياه الشرب، وبالتالي إلى الإنسان والحيوان والنبات، مما يهدد بإبادة مظاهر الحياة في المناطق التي دفنت فيها.
ويتضح من بعض الكتابات، أن البلدان ذات الأنظمة الحاكمة الرخوة، في العالم الثالث، التي يخترقها الفساد وتتحكم فيها مراكز نفوذ متعددة، تحظى بالنصيب الأوفر من هذه النفايات. ولما كان اليمن واحداً من هذه البلدان، فما الذي يجعلنا، نستبعد دفن النفايات في أراضيه وشواطئه، لا سيما ونحن نشاهد القرائن المتعددة، من أمراض وتشوهات خلقية وتلوث المياه، وسمعنا الأصوات التي ارتفعت من قبل، ونسمع الأصوات التي ترتفع اليوم، مطالبة بكشف الحقيقة وإيقاف العبث بحياة الإنسان اليمني وبيئته الطبيعية؟
ويكتسب هذا التساؤل وجاهته، عندما نعرف بأن موضوع دفن النفايات النووية والكيميائية، هو موضوع مثار في العديد من البلدان العربية. فعلى سبيل المثال لا الحصر، أكدت تقارير إعلامية ومعلومات صادرة عن أجهزة رسمية في ليبيا، تورّط دول غربية في التخلّص من نفاياتها النووية والصناعية ودفنها في الصحراء الليبية الممتدة وفي المياه الإقليمية. ومن مقال بعنوان (ليبيا تؤكد ضرورة تجريم دفن النفايات النووية في الدول النامية)، نُشر في (بوابة إفريقيا الإخبارية، بتاريخ 8 نوفمبر 2021م)، ننقل ما يلي: “أكد وفد مجلس النواب الليبي المشارك في جلسة الاجتماع البرلماني بمناسبة مؤتمر الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ المنعقد بمدينة غلاسكو ببريطانيا على ضرورة اتخاذ موقف موحد حيال تجريم نقل النفايات النووية ودفنها في الدول النامية”.
وأحدث الأخبار المنشورة تأتي من تونس، بعد اتفاق أبرم بين الحكومة التونسية والحكومة الإيطاليه، قضى بإعادة نقل النفايات الإيطالية من تونس إلى إيطاليا. ففي يوم الجمعة الموافق 18 فبراير 2022م، نُشر في المواقع الإلكترونية الخبر الآتي: “وأخيرا.. النفايات الإيطالية تُغادر تونس. أسدل الستار، اليوم الجمعة 18 فيفري 2022، عن قضية ما بات يُعرف بـ (النفايات الإيطالية)، التي شكّلت على مدار السنتين جدلا واسعا في تونس، وذلك بعد أن انطلق اليوم إعادة شحن 213 حاوية للفضلات الماكثة في الميناء التجاري بسوسة منذ ماي 2020 لإرجاعها إلى ميناء (ساليرنو) بإيطالية”.
وكم نتمنى أن تتوصل بعض الحكومات العربية الأخرى، التي دار الجدل فيها حول النفايات الكيميائية والنووية المدفونة في أراضيها وشواطئها، كالحكومات الجزائرية والمغربية والليبية والسودانية والصومالية واليمنية وغيرها، أن تتوصل إلى اتفاق مماثل لاتفاق تونس وإيطاليا، يقضي بإعادة هذه النفايات إلى الدول المصدرة لها، لتعالجها بالطرق المناسبة.
وأختتم هذه العجالة بفقرات من مقالين، يؤكد ما ورد فيهما بأن نقل النفايات النووية من البلدان الصناعية إلى بلدان العالم الثالث الفقيرة هو حقيقة واقعة، وليس خرافة من نسج الخيال. وقد تضمن المقالان معلومات تكررت في عشرات المقالات الأخرى. ومع أن المقال الأول يركز على دفن النفايات النووية في بلدان أفريقية، فإنه يؤكد ضمناً حقيقة نقلها من الدول الصناعية ودفنها في أراضي الدول الفقيرة. وكاتبة هذا المقالة هي الدكتورة شاهيناز العقباوي، التي عملت في مجلة الأهرام العربي وفي المركز الديمقراطي العربي. وقد نُشر في موقع مركز الخليج للأبحاث، العدد 125، في يوم الخميس الموافق 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017م، بعنوان (دفن 30% من نفايات العالم النووية في إفريقيا) ومما ورد فيه:
“علاقة إفريقيا مع إنتاج الطاقة النووية لم تتوقف عند امتلاك اليورانيوم واستخراجه وتصديره واستخدامه في الأغراض السلمية، لكن هناك عنصر آخر أكثر خطورة يواجه القارة بقوة رغم عدم امتلاكها مفاعلات نووية، سواءً للأغراض السلمية أو العسكرية، ألا وهو دفن النفايات النووية، حيث كشفت دراسة (قضية دفن النفايات النووية الخطرة في إفريقيا)، التي أصدرها مركز زايد للتنسيق والمتابعة التابع لجامعة الدول العربية أن العالم ينتج سنوياً أكثر من 420 مليون طن من النفايات النووية، موزعة بين الدول الصناعية الكبرى بنسبة 90% ودول العالم الثالث بنسبة 10%، حيث ينتشر في العالم أكثر من 250 ألف مفاعل نووي وكيمائي لكل منها نفايات خطرة، وتعمل الدول الصناعية على دفنها في مناطق متعددة، منها قارة إفريقيا التي يدفن فيها 30% من هذه النفايات …….
ويرجع استئثار إفريقيا بنصيب كبير من النفايات النووية والخطرة طبقاً لما جاء في الدراسة إلى أسباب خاصة بالدول الغربية المصدرة لهذه النفايات، وأخرى متعلقة بالدول الإفريقية المستقبلة لها، ففي حين تبحث الأولى عن مكان بعيد ورخيص التكاليف لدفن نفاياتها، فإن الثانية فقيرة وتحتاج إلى العملات الصعبة، ومن هنا نشطت تجارة دفن النفايات النووية عبر العالم، وفاقت في حجمها المالي تجارة المخدرات، واجتذبت عدداً كبيراً من الشركات الإجرامية والوسطاء، واستغلت الأسعار والرقابة القانونية بين دول الشمال والجنوب، حيث تبلغ تكلفة دفن الطن الواحد من هذه النفايات في الدول المتقدمة أكثر من 1000 دولار، بينما لا يدفع الوسطاء والشركات الإجرامية عن دفنه في إفريقيا إلا 40 دولاراً، الأمر الذي جعل نسبة 95% من ضحايا هذه النفايات من الشعوب النامية والفقيرة.
ولم يفت الدراسة (تقصد دراسة قضية دفن النفايات النووية الخطرة في إفريقيا، التي أشارت إليها سابقاً) أن تبرز دور بعض الحكومات الإفريقية والمنظمات الدولية والإقليمية وغير الحكومية في التصدي لهذه الظاهرة الخطرة، مؤكدة على أنه لا بد من تضافر ثلاثة محاور لمعالجة ملف النفايات النووية الخطرة في إفريقيا، يتمثل أولها في إصلاح النظام السياسي الإفريقي للقضاء على الثغرات التي تتسرب منها هذه السموم، كالرشوة، والثاني بضرورة التكاتف الإقليمي بين الدول الإفريقية ومؤسسات الاتحاد الإفريقي من أجل حماية الأراضي الإفريقية. بينما يرتبط المحور الثالث بضرورة إصلاح النظام الدولي، ومنع ازدواجية المعايير، والتعامل مع بلدان العالم الثالث بنظرة المساواة …….
وكشفت جريدة (لوسوار) البلجيكية أن دولا مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان، بالإضافة إلى دول غربية مثل: المانيا والنمسا وفرنسا تبدو “مهتمة” بدفن النفايات النووية في إفريقيا. وجاء في جريدة (اللوموند) الفرنسية أن الدول الإفريقية التي تجد صعوبة في تجاوز أزماتها الاقتصادية والسياسية لا تبدو “معترضة” على صفقات دفن النفايات طالما أن المقابل المضمون سيكون مدفوعاً مسبقاً بالدولارات. وذكرت مجلة (لوسولاي) السنغالية أن كل من موزنبيق وإفريقيا الوسطى تشكل نسبة 33% من المساحة المخصصة في إفريقيا التي ترمي فيها الدول الغربية نفاياتها النووية وهو ما أكدته الوكالة الدولية للطاقة الذرية والتي كشفت في تقرير لها سنة 2003م عن “سوق النفايات النووية” من أن موزنبيق تعتبر من الدول الإفريقية الأهم في دفن النفايات النووية التي تلقى بها الدول الصناعية الكبيرة على أرضه …….
ويقول الكاتب والمحلل السياسي الكاميروني (بتريس دافيد دولمبا) صاحب كتاب (لا تدفنوا نفايتكم عندنا) إن قضية النفايات النووية لم تكن سرا، ففي السبعينات انفجرت قضية النفايات النووية الاسترالية التي قيل إنها دفنت في الأراضي السنغالية مقابل ملايين الدولارات، والتي كانت سبباً في موت الزرع والحيوان. وفي عام 1989م، نشرت منظمة الصحة العالمية تقريراً جاء فيه أن سببب موت الأطفال في دول مثل الكاميرون وموزنبيق وإفريقيا الوسطى هو دفن النفايات النووية في هذه البلدان. والقضية الأخطر في دفن النفايات حسبما ذكر باتريس في كتابه لا تنحصر في كونها ليست أماكن عشوائية الإختيار، بل أنها أماكن استراتيجية بحكم صراعات داخلية وإقليمية، إذاً فهي عملية إبادة ممنهجة على حد قوله”.
أما المقال الثاني، فهو لجاسم كلابي، بعنوان ( كيف تتخلص الدول الكبرى من مخلفاتها الصناعية)؟. وقد نُشر في شبكة النبأ المعلوماتية، بتاريخ 12 كانون الأول 2005م. ومما ورد فيه:
“تحتوي النفايات الصناعية على مواد سامة مثل الأحماض والكيماويات الغير قابلة للتحلل والمعادن الثقيلة ويعتبر السيانيد من أخطر المواد السامة في النفايات الصناعية ……. من أهم أنواع النفايات التي تقوم الدول المتقدمة بتصديرها للعالم الثالث هي النفايات الصناعية والنفايات النووية …….
مع تزايد النشاط الصناعي في أوروبا وأمريكا تزايدت كميات النفايات الضارة المتخلفة من الصناعات المختلفة وتزايدت بالتالي مشكلات التخلص منها في أراضي الدول التي تنتجها وخاصة مع إصدار معظم الدول الصناعية المنتجة للنفايات الصناعية قوانين مشددة لحماية البيئة من أخطار النفايات بعدم السماح بدفنها في أراضيها. أما بخصوص النفايات النووية ففي منتصف القرن الماضي بدأ استخدام الطاقة النووية يتوسع سواء في الأغراض السلمية أو الترسانة العسكرية ومن أهم المشكلات التي صاحبت هذا التوسع مشكلة التخلص من النفايات النووية، ونظرا لأن النفايات النووية لها طبيعة خاصة تتمثل في عدم اختفاء آثارها السلبية على البيئة وصحة الإنسان حتى مع دفنها في مسافات عميقة تحت سطح الأرض. فعنصر البلوتونيوم 239 مثلاً فترة نصف الحياة لهذا العنصر هي 24 ألف سنة …….
بناءً على ذلك يبدو من الواضح أن سعي الدول المتقدمة لدفن نفاياتها النووية في أراضي دول العالم الثالث يعد جريمة بحد ذاته…… إن مشكلة تصدير النفايات الصناعية والنووية تشكل مشكلة سياسية دولية، تمت مناقشتها في عدد من المؤتمرات والملتقيات الدولية التي أوصت بحظرها وإيقافها بالإضافة إلى جهود الجمعيات الأهلية والمنظمات غير الحكومية المناهضة للتلوث البيئي كمنظمة السلام الأخضر”.
وبعد هذا العرض، الذي طال أكثر مما أردت، رغم أني _ رغبة مني في عدم الإطالة _ قد أسقطت منه عشرات الاستشهادات، التي تؤكد نقل النفايات النووية من الدول الصناعية ودفنها في البلدان الفقيرة، بعد هذا العرض وإزاء ما نشاهده من قرائن دالة على وجود عمليات دفن نفايات نووية وكيميائية في بعض مناطق تهامة، متمثلة بصور الأطفال المشوهين والأعراض المرضية غير المألوفة والتقارير الطبية وتغير لون التربة وتلوث المياه، فضلاً عن الإثارة المتكررة لهذا الموضوع في البرلمان اليمني، لابد من طرح سؤالين محوريين، وهما: ماذا يمكن أن نعمل نحن اليمنيين؟ ومن يمكنه أن يحسم الجدل، بين من يؤكدون وجود هذه النفايات في الأرض اليمنية وبين من ينكرون وجودها؟
هذان سؤالان أضعهما بين أيدي السلطات المتعددة القائمة في اليمن المدمر، وبين أيدي الجامعات اليمنية وأساتذتها المتخصصين، إضافة إلى المكونات السياسية والاجتماعية والناشطين الحقوقيين والكتاب والصحفيين وغيرهم ممن ينشدون الحقيقة، ليفكروا فيهما ويبحثوا عن الإجابة عنهما، بعد أن أيقنا بأن العالم مشغول بقضاياه الخاصة عن كوارثنا ومآسينا المتلاحقة، لا ينصت إلى نداءاتنا، ولا يلتفت إلى أوجاعنا، ولا يسمع إلا أصوات الأقوياء. وسوف ننتظر، نحن الذين ننطلق من إحساس بالألم، أكثر مما ننطلق من علم وتخصص، سوف ننتظر رأي العلماء المتخصصين، لاسيما من أساتذة الجامعات اليمنية.
***
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ