العرض في الرئيسةفضاء حر

رحلتي إلى المعتقل (3)

يمنات

خليل عبد الوهاب

المساجين يتهافتون على اكلهم المعتاد الذي يقدم لهم. لم يعد يهمهم نظافتهم الشخصية ولا غسل ايديهم ولا المكان.

انا انظر إليهم شزرا في كل وقت، وليس لي حاجة بالطعام، فيتقدم احد الطيبين مشفقا علي – ياعمنا – ارحم نفسك، لماذا لا تأكل..؟.

وبينما كان قد ملى كفه ببعض الأرز الذي خلطه بطبيخ رائب، ينساب من بين اصابعه مصرًا علي ان آكل منه – يا إلهي – ليت نفسي تطاوعني الأكل من يده تطييبا لخاطره.. لكن هيهات..

لما يئس مني الْتَهَمه في بضع ثوان، متتبعًا لعق ما تسرب بين اصابعه إلى ذراعه، وبينما انا على ذلك الحال، نادى منادي السجن باسمي لأول مرة..

كان المنادي ينادي بين الحين والآخر لتحويل بعضهم إلى جهات أخرى لا نعرف أين..؟ وبعضهم للتحقيق معهم ويعودون إلينا، فذهبت اليه خائفا أترقب..

أخذ بيدي واخرجني إلى غرفة صغيرة، فعصب عيني، ثم جرني إلى مكان آخر في نفس المبنى، وأقعدني على كرسي خشبي وقلبي تتسارع دقاته، كما لو بقي له بضع دقات وينهار.

شعرت ان في الغرفة اكثر من شخص، وكانوا صامتين، فابتدأني أحدهم بسؤاله عن اسمي وعملي، ثم قال بصوت هادئ لماذا أتيت..؟ وماذا تريد..؟ وما طبيعة المهمة..؟

وقال آخر بنبرة عالية قليلا: انت صاحب الدور البارز في حرب الحوثي على تعز سابقا..؟ فهلا اخبرتنا عن ذلك..؟ لا.. لا.. لا، ربما تقصدون غيري..؟ لا انت..

فلان ابن فلان – نعم – ولكن فلان هذا … ربما … تشابه أسماء، بينما البطاقة التعريفية لديهم توحي بأن المطلوب انا ذاتا وصفة..

ولما تبين لي ذلك وجدت نفسي في مواجهة حقيقية مع ادعاء قد حيكت خيوطه منذ بداية الحرب .. شعرت حينها انني في ورطة ولا يسعني الا صدق القول واقناع المحققين بالحقيقة الظاهرة، والقول الصريح الذي لم أخفيه يوما..

ذلك هو موقفي الواضح والمعلن ضد العدوان والعبث الذي مارسه ويمارسه العدوان من اول يوم ضد بلادي، سواء في مناطق الشرعية او في مناطق الحوثي، ولم أرض يوما بأي ضرر لتعز او عدن او صنعاء او غيرها، بل ويؤلمني كثيرا حصار تعز ومعاناة اهلها او الاعتداء عليها من اي كان، كما تؤلمني معاناة اليمنيين جميعهم في شرق البلاد وغربها، شمالها وجنوبها، ولي مواقف انتقد فيها بعض الممارسات حسب الوقائع والأحداث سواء هنا أو هناك.

قلت كلاما كثيرا عله يدفع المحققين للبحث والتدقيق بعيدا عن مزاج المتعصبين والمحرضين ضدي، والذين يرمون بتهمهم جزافا، وتوالت الأسئلة بالتناوب بين المحققين، وأنا أجيبهم باطمئنان وهدوء، بعد أن توسمت فيهم خيرا، من خلال أسئلتهم التي توحي بأنها تبحث عن إجابات في وسط ذلك الكم من التقارير المليئة بالتهم والافتراءات اللامسئولة، وربما انهم قد احتاروا في أمرها وساورتهم شكوك في كيديتها وعدم واقعيتهامع ما أُعلٍنه من مواقف، وما أكتبه منذ البدء..

شعرت انهم قد بحثوا كثيرا وتحروا سيرتي وأخباري، وتناولوا أفكاري وكتاباتي، فكانوا يستمعون إلي كالذي يبحث عن الحقيقة صدقا، أو هكذا كان أملي فيهم..

يتبع..

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليغرام انقر هنا

زر الذهاب إلى الأعلى