حاشد في فضاء لا يتسع لطائر .. سردية كفاح من أجل العدالة والكرامة في زمن الإستبداد
يمنات
محمد المخلافي
في كتابه “فضاء لا يتسع لطائر”، يقدم البرلماني والمناضل اليمني الكبير أحمد سيف حاشد نافذة على تاريخ يمتد لقرابة ستين عامًا. يسرد من خلال هذا العمل مسيرته النضالية وتجارب حياته الشخصية، محاولًا عبور محطات معقدة مليئة بالتحديات في سعيه نحو مستقبل أفضل، رغم واقع الاستبداد والظلم.
يُبرز صموده في وجه آلة القمع، مُعبرًا عن مقاومته للظلم والطغيان، ويرفع صوت المظلومين الذين يواجهون واقعًا قاسيًا. يطرح أسئلة وجودية عميقة حول الحكام الذين يتغذون على الصراعات، متحدثًا عن الملايين الذين يعانون من نقص الغذاء والدواء والماء. يتجلى في أسلوبه النقد اللاذع للحكام الظالمين الذين يمارسون سلطتهم بالقوة، مما يُعكس مأساة حاشد وتجربته الشخصية خلال سنوات الحرب التي عانى منها الملايين في مختلف المحافظات اليمنية.
لا يُعتبر الكتاب مجرد سرد لتجربة حاشد الشخصية، بل هو صوتٌ يُعبر عن معاناة الملايين من المظلومين في عالم مليء بالصراعات. يعكس الكتاب التزامه بالحق والعدالة، مُحفزًا القارئ على التفكير في القضايا الإنسانية والحرية. من خلال كلماته، يشعل حاشد فتيل الأمل في نفوس الذين يسعون نحو غدٍ أفضل، داعيًا إلى التمرد على الظلم ومواجهة التحديات.
حكايات من عمق المعاناة
أهدى هذا الكتاب إلى المظلومين الذين خانتهم أقدارهم، والمثقلين بهموم الوطن وتفاصيل الحياة اليومية. في الكلمة الافتتاحية، يستهل محمد علي اللوزي حديثه عن السرديات التي كتبها أحمد سيف حاشد، مشيدًا بمهارة الأخير في اقتحام المجال السردي بفن وإبداع واضحين. يتميز حاشد بقدرته على الصياغة الفنية العالية، مستحضرًا مسار حياة مليء بالشجن والصخب، حيث يعكس انتماءً عميقًا إلى الأرض وإرادة قوية للحرية. رغم التحديات القاسية، يسعى حاشد إلى تجاوز الأزمات، مؤكدًا على حق الإنسان في الكينونة والوجود.
يمثل حاشد في مؤلفاته مغامرًا قوي الإرادة، يمتلك أدوات التحول التي يعبر من خلالها عن معاناته، معبرًا عن مشاعر القهر والقلق التي تكمن في أعماقه. منذ طفولته، عاش حاشد تحت وطأة التعب والحرمان، مما أفضى به إلى تساؤلات عميقة حول معنى الحياة. تلك التجارب المريرة، من فقر ومرض وفقدان الأحباء، تركت جروحًا مفتوحة في روحه، تبرز في كتاباته.
سرديات تعبر عن تجارب الحياة بين الألم والحنين
يتكون الكتاب من 689 صفحة، صدر عن الدار اليمنية للكتب والتراث في القاهرة ومكتبة خالد بن الوليد وفروعها في اليمن، هذا العام 2024. ويتناول تسع عشرة سلسلة. في السلسلة الأولى، “أسئلة وجودية وإطلالة معرفية”، يستكشف حاشد عالمًا مليئًا بالألم، متأملًا في مشاعر الحزن والأسئلة الوجودية التي تطرح نفسها في الحياة اليومية. يتناول أيضًا الرغبة في التحليق والتخلص من القيود، معبرًا عن غصة الندم التي ترافق الإنسان في مسيرته.
تغوص السلسلة الثانية، “أمي وأبي ووجودي”، في تفاصيل حياة أسرته، بدءًا من زواج والدته، مرورًا بتجاربها مع أزواجها، وصولًا إلى زواجها من والده. يعكس حاشد من خلال هذه السلسلة خيبات الأمل التي واجهها عند ولادته، مما يبرز التوترات العاطفية في حياته.
أما السلسلة الثالثة، “أبي”، فتسلط الضوء على العلاقة المعقدة مع والده، حيث يستكشف حاشد مشاعر الفقد والحنين. يتناول موضوعات مثل ثقل اسم “هاشم” والمفارقات التي عاشها، بالإضافة إلى رسائل مؤثرة يوجهها إلى والده، تعبر عن مشاعر الحب والافتقاد.
في السلسلة الرابعة، “الطفولة الأولى”، يستعرض حاشد بدايات حياته، متناولًا مشاعر الخوف والموت التي رافقته في صغره. يحكي عن طفولة مسجونة، حيث كانت حياته مليئة بالتحديات والصراعات. تتجلى معركة الحياة والموت في سردياته، مما يبرز التأثير الكبير لماضيه على شخصيته.
تنتقل السلسلة الخامسة، “ملمح من واقع كان”، إلى العودة إلى القرية، حيث يستعيد ذكرياته عن مسقط رأسه. يستعرض حاشد كيف شكلت أمه وجدانهم الأول، ويتناول العلاقات الأسرية والأعراف الاجتماعية التي أثرت على حياته. كما يتحدث عن أجداده من حضرموت ويستعرض تفاصيل بسيطة تعكس واقعهم اليومي، بما في ذلك المعتقدات الشعبية والأمراض التي كانت تؤثر عليهم.
أما السلسلة السادسة، “قسوة وطفولة بطعم التمرد”، فتتناول قسوة الطفولة وصعوباتها. يعكس حاشد تجربته مع الحرمان والشدة، مستعرضًا مشاهد من حياته كراعٍ للغنم. تظهر في هذه السلسلة روح التمرد والعناد، حيث يسعى حاشد لتجاوز القيود التي تحيط به.
في هذه السلسلة أيضًا، يتحدث عن “الله” في مخيال طفولته، مستعرضًا كيف كانت تصورات الطفولة عن الإله تتشكل في ظل ظروفه الحياتية. يتناول أيضًا موضوع الطغيان، مسلطًا الضوء على تأثيره السلبي على الأفراد والمجتمعات، مما يعكس إحساسه بالظلم والمعاناة.
وتتطرق السلسلة إلى خرافات الطفولة، مستعرضة تجارب مثيرة وغامضة، مثل “سيل حميد” وقصص القطط التي تعكس وجع الفقد. ويتناول مشاعر القلق والأسئلة الوجودية التي تثيرها هذه التجارب، مما يضفي عمقًا على سردياته.
يستمر حاشد في عرض الألم والخيبات، مثل أعياد مشبعة بالخذلان ومحاولات الانتحار التي تكشف عن الصراعات النفسية. يعكس معاناته في البحث عن مكان للانتماء، حيث يتناول مشاهد من حياة الشارع والأسواق، مما يبرز الصراع من أجل البقاء.
في السلسلة السابعة، “الأشباح”، يستكشف حاشد عالم الخرافات والمخاوف، متناولًا مواضيع مثل الجن والخيالات التي تلاحقه. يعكس هذا الجانب من كتاباته استكشافًا للقلق الوجودي، حيث يشجع على مواجهة المخاوف والتغلب عليها.
في السلسلة الثامنة، “التعليم الابتدائي”، يستعرض حاشد ذكرياته في مدرسة “الوحدة”، حيث يتناول مقالب الطفولة وتجارب العقاب. يعبر عن شعوره بالهرب إلى الأمام، موضحًا كيف يمكن للتعليم أن يكون تحديًا قاسيًا، لكنه أيضًا يحمل أملًا. يصف يومًا في الجحيم، مما يكشف عن صعوبات الحياة المدرسية.
تنتقل السلسلة التاسعة إلى “طور الباحة”، حيث يسلط الضوء على أهمية التعليم في محاربة الجهل. يتناول حاشد تجارب تطرفه اليساري وفصله من المدرسة، مشيرًا إلى الأحداث السياسية وتأثيرها على حياته. كما يسرد تجربة السجن، مما يعكس التوترات الاجتماعية التي شهدها، بالإضافة إلى فصوله الدراسية ومستواه في الإعدادية.
في السلسلة العاشرة، “الثانوية في مدرسة البروليتاريا”، يقدم حاشد لمحة مقارنة عن التعليم، مسلطًا الضوء على الجوع كأحد التحديات التي واجهها خلال تلك المرحلة. يعبر عن احتجاجه ضد الجوع ويدعو إلى التعليم كوسيلة للتغيير. يذكر أيضًا قراءاته المتنوعة والتحولات المعرفية التي عاشها، مشيرًا إلى تجربة ثانوية بدون اختلاط، مما يدل على تأثير البيئة التعليمية على تشكيل أفكاره.
في السلسلة الحادية عشرة، “خجل ورهاب”، يستعرض مشاعره من خجل واضطراب واغتراب، مما يعكس صراعاته الداخلية وتأثيرها على شخصيته. ويتحدث عن “الجوع والخجل”، مستعرضًا كيف أثرت هذه المشاعر على حياته. يستكشف البقايا العاطفية للرهاب الذي عاشه، وكيف تداخل شعوره بالظلم مع مشاعر القلق. يتناول أيضًا الصراع بين رهابه وجنونه، مُشيرًا إلى الأسباب التي أدت إلى شعوره بالخجل والرهاب، مما يعكس عمق تجربته النفسية.
تأخذنا السلسلة الثانية عشرة إلى “الكلية العسكرية”، حيث يصف حاشد تجربته في بيئة تعليمية صارمة. يتحدث عن اختيار الكلية كخطوة صعبة، موضحًا التحديات التي واجهها. يعكس أيضًا الضغوط الناتجة عن الحرب، وكيف أثرت تلك الضغوط على حياته الأكاديمية والشخصية. يُسلط الضوء على العقوبات والعراك والمخالفات التي اختبرها، وينتهي بفخره كالأول في دفعته، مما يُظهر قوة إرادته.
في السلسلة الثالثة عشرة، “دهشة وعجب”، يستعرض حاشد تجاربه الجديدة والمثيرة. يروي لحظات لا تُنسى، مثل أول مرة يركب فيها الطائرة، ويصف جمال الأماكن التي زارها، بدءًا من الساحة الحمراء وصولًا إلى موسكو. تتضمن السلسلة مواقف محرجة وتجارب عاطفية، مما يُظهر تنوع حياته وتجاربها.
أما السلسلة الرابعة عشرة، “نجاح وإخفاق”، فتتناول رحلة حاشد في البحث عن المستقبل. يعبر عن إحباطاته، مثل فشله في كتابة القصة، مما يعكس الصراع الداخلي الذي يواجهه كفنان وكاتب. تُظهر هذه السلسلة كيف يمكن للإخفاقات أن تكون جزءًا من رحلة النجاح، مُعبرة عن أمل دائم في التحسن والنمو.
في السلسلة الخامسة عشرة، “في الصاعقة”، يستعرض حاشد تجربته في اختيار دورة الصاعقة، مُشيرًا إلى الانتقال من المدرسة إلى المعسكر. يتناول مشاعر الخوف والتحدي خلال تلك الفترة، وكيف واجه “جدار الموت”. كما يتحدث عن الجائزة التي حصل عليها، معبرًا عن واقع مثقل بالصراع والتخلف، ويُعبر عن حلمه في الدراسة الجامعية كطريق للخروج من تلك الأوضاع.
تتناول السلسلة السادسة عشرة أحداث يناير، حيث يستعيد حاشد ذكرياته حول التوترات والانقسامات التي سادت في تلك الفترة. يعبّر عن مشاعره كأب، متسائلًا حول هويته في ظل الظروف الصعبة. تتضمن السلسلة لحظات مؤلمة مثل “بسكويت وقذيفة” التي تعكس التناقض بين الحياة العادية والواقع القاسي للحرب. تُظهر سردياته أيضًا كيف اكتشف بعض الحقائق حول نفسه والعالم من حوله، مُعبرًا عن انتصار ضميره رغم الفوضى.
في السلسلة السابعة عشرة، “كلية الحقوق”، يتناول حاشد تجربته الأكاديمية في هذه الكلية. يستعرض شخصيات مثل الأستاذ حامد ويشير إلى بعض المفارقات والهامشيات التي واجهها خلال دراسته. كما يتناول مادة “الكساح” ومناهج البحث، معبرًا عن تأثير الأيديولوجيا على التعليم والمعرفة.
في السلسلة الثامنة عشرة، “قانون الأسرة في الجنوب”، يتناول حاشد قضايا قانونية معقدة تتعلق بالأسرة، مُعبرًا عن آراءه حول القوانين السائدة وتأثيرها على الناس. يُظهر كيف يمكن أن يكون النظام القضائي أحيانًا بعباءة “دكتوراه” لكنه يفتقر إلى العدالة.
تتطرق السلسلة أيضًا إلى الحب والإعجاب، حيث يستعيد ذكرياته عن حبه الأول في عدن، مُعبرًا عن الأمل الذي تحطّم بفعل الحرب. يتحدث عن “نور” اللحجية، مشيرًا إلى خيبة الأمل في الحب والعدل المفقود. يُعبر حاشد عن مشاعر الكتمان والارتباك التي ترافق العلاقات العاطفية، مُشيرًا إلى كيف يمكن للحب الخائب أن يُكتب للريح.
تتوالى الأحداث مع لحظات صادمة، حيث يستقبل بعض الأخبار بقهقهة، مُعبرًا عن تناقضات الحياة. يواصل سرد قصصه مع “هيفاء”، حيث يتناول بوحه لها بعد سنوات، مُعبرًا عن مشاعر فقدان الأمل وخيبات الأمل المتكررة. كما يتطرق إلى التجارب المتعلقة بالخطوبة والزواج، مُشيرًا إلى لحظات الفرح والألم.
تظهر شخصية “أم شريف” في سياق علاقاته، حيث يعبر عن رغبته في الاطمئنان. يسلط الضوء على تعقيدات العلاقات، من الخطوبة إلى عقد القران، مُعبرًا عن تناقضاته في الحب والحياة.
تتطرق السلسلة التاسعة عشرة، “متفرقات من عدن”، إلى مجموعة من المواضيع التي تعكس الحياة اليومية في المدينة. يتناول أيضًا مشاهد من الحياة في خور مكسر، حي القطيع، ودار سعد، مُشيرًا إلى الأحياء التي تحمل ذكرياته وتجربته.
يمتد السرد ليشمل تفاصيل عن البريقة والغدير والمصافي، وكذلك جبل شمسان وصهاريج عدن، حيث يعكس حاشد جمال المدينة وتاريخها الغني. يتحدث عن الثقافة والمجتمع في عدن، مُبرزًا التغيرات التي مرت بها وما نتج عنها من ردات حضارية.
إليكم بعض الاقتباسات
الإقتباس الأول
كان أبي عاملاً مُفنّداً للجلود في سنين من حياته. هي مهنة محتقرة عند البعض باعتبارها امتدادًا لدباغة الجلود. مهنة مُحتقرة عند من يتملّكهم الخواء و”العنطزة”، والذين يعيشون على السلب والنهب والفساد في الأرض، وغير القادرين على فهم أن العمل، طالما كان مشروعًا، هو قيمة اجتماعية وشرف كبير؛ لأن صاحبه يأكل من كده وعرق جبينه.
كان أبي يعمل في شركة (البس) بعدن، يفنّد الجلود، وهي الحرفة التي أعطاها الجزء الأهم من زهرة عمره وريعان شبابه. العمل بتفنيد الجلود له أضرار صحية، ولكن يبدو أن أبي، وهو يلتحق بالعمل في هذه الشركة، قد آثر فرصة العمل على البطالة، وأنفذ المثل القائل “غُبار العمل ولا زعفران البطالة”.
بسبب الملح والجلود والمواد الكيميائية المستخدمة، أُصيب أبي بضيق النفس وسعال ليلي، رافقه حتى آخر أيام حياته (ص45).
يسلط هذا الاقتباس الضوء على تجربة إنسانية عميقة تجسد الصراع بين الكرامة الإنسانية واحتقار المجتمع لبعض المهن. تظهر العبارات بوضوح كيف أن المجتمع غالبًا ما يُقيِّم الأفراد بناءً على نوع العمل الذي يمارسونه، دون أن يدرك أن كل مهنة تحمل في طياتها قصصًا وتجارب تستحق كل الاحترام. يُشير إلى أن العمل، مهما كان نوعه، يُمثل شرفًا وقيمة اجتماعية، فهو ينبع من “كدّ” العامل و”عرق جبينه”. تعكس هذه الصورة الفخر الذي يجب أن يشعر به أي إنسان يكسب رزقه بجهده، بعيدًا عن السلب والنهب.
عندما يتناول حاشد تجربة والده في شركة “البس” بعدن، يُبرز جانبًا آخر من القصة: التضحية. فقد اختار والده العمل رغم الأضرار الصحية المحتملة، مُفضلًا أن يكون جزءًا من المجتمع المنتج بدلاً من الانزلاق نحو البطالة. في ذلك، نجد تجسيدًا للمثل القائل “غُبار العمل ولا زعفران البطالة”، مما يُعبر عن قيمة العمل الجاد حتى في أحلك الظروف.
ومع ذلك، لا يخلو النص من الحزن؛ فالأضرار الصحية التي تكبدها والده نتيجة المواد الكيميائية المستخدمة في العمل تبرز ثمن هذا الخيار. ضيق النفس والسعال الليلي اللذان عانا منهما حتى آخر أيام حياته يعبّران عن الألم الذي يُحدِّد حياة الكثير من العمال الذين يضحون من أجل لقمة العيش.
—————————–
الإقتباس الثاني
هكذا يجد الموظف نفسه مسحوقًا حد العدم، ومنهوبًا حد الموت، عارياً من كل شيء، محروماً من راتبه الذي يتقاضاه مقابل عمله، ومحروماً مرة أخرى من راتبه التقاعدي الذي كان يريد أن يستند إليه في ضعفه وشيخوخته، ويعتاش منه بقية حياته، بعد أن قضى جل ذلك العمر في خدمة الوطن، وبلغ أحد الأجلين.
إنه حكم إعدام مضاعف في تنفيذه: عمل بدون راتب، وسنوات خدمة مهدرة تجتمعان في نهاية مأساوية فادحة ومؤسفة يعيشها ذلك الموظف المنكوب بسلطة كل شرعيتها لا تتعدى الغلبة والادعاء.
مثل هذا الإعدام المضاعف لا يحدث إلا في ظل سلطة غلبة متصدرة الوعي، وقوية الطباع، ومتوحشة الفعل، وتفتقد تمامًا إلى كل ما هو إنساني، ولا تمت بصلة للمسؤولية نحو شعبها، وتفتقر إلى المعرفة بأبجديات وبديهيات حقوق المواطن.
هكذا يجد الموظف نفسه يعمل ويأمل فينتهي إلى سراب.. يزرع دون جني (ص 63).
في هذا الاقتباس، يُسَلِّط حاشد الضوء على معاناة الموظف الذي يعاني من ظلم السلطة وغياب العدالة، معبرًا عن حالة من اليأس والإحباط. يصور الموظف ككائن مُحطَّم، مسحوق تحت وطأة الإهمال وانعدام الحقوق. يمثل هذا الوضع تجسيدًا لحياة مليئة بالمعاناة، إذ يُحرم الموظف من راتبه الذي يُفترض أن يعوضه عن جهوده، وكذلك من الراتب التقاعدي الذي كان يُعدّ أملًا له في مستقبل أكثر أمانًا.
تتجلى مأساة الموظف في تصويره كإنسان عارٍ من كل شيء، محروماً من أبسط حقوقه. تعكس هذه الحالة ما يُمكن تسميته بالإعدام المزدوج، حيث يُضطر الموظف للعمل بلا أجر، بينما يُحرم أيضًا من ثمار سنوات خدمته التي بُذلت بإخلاص في خدمة الوطن. هذا التراكم من الظلم والإخفاق يؤدي إلى نهاية مأساوية، حيث يُختزل كل ذلك العطاء في تجربة قاسية تُظهر كيف يمكن للسلطة أن تكون قاسية ومتوحشة. تعكس هذه الصورة واقعًا مريرًا يحتاج إلى تغيير جذري وإعادة النظر في قيم العمل والعدالة الاجتماعية.
بين السرد الواقعي والتأمل الفلسفي
يتميز أحمد سيف حاشد بأسلوب لغوي عميق وسلس، حيث يستخدم لغة بسيطة لكنها معبرة، قادرة على نقل مشاعر معقدة وتجارب شخصية بشكل فعّال. يمزج بين السرد الواقعي والتأمل الفلسفي، مما يمنح القارئ فرصة للتفاعل العاطفي مع النصوص. يعكس أسلوبه تأثير البيئة المحيطة به، إذ يستعمل تعبيرات شائعة في مجتمعه، مما يضيف طابعًا محليًا أصيلاً لكتاباته.
تظهر حالته النفسية في كتاباته بوضوح، حيث يعكس مشاعر القلق والخوف والأمل. يميل إلى استكشاف الصراعات الداخلية، مما يجعل القارئ يشعر بعمق معاناته وتجربته. تتضمن نصوصه شعورًا بالحنين إلى الماضي، ورغبة قوية في فهم الذات والواقع المحيط به. كما يُظهر قدرة على التأمل في مشاعره، مما يساهم في خلق رابط إنساني مع القارئ.
تتأثر كتاباته بشكل كبير بالبيئة التي نشأ فيها، وهي بيئة مليئة بالتحديات الاجتماعية والسياسية. تعكس تفاصيل الحياة اليومية في مدينته عدن، بما في ذلك العادات والتقاليد والأزمات، إضافة إلى الأمل في التغيير. تتناول كتاباته قضايا مهمة تتعلق بالهوية والانتماء والمجتمع، مما يجعلها تمثل الواقع المعاصر بشكل واقعي.
بشكل عام، يُعبر أسلوب أحمد سيف حاشد عن ذاته وتجربته في بيئة مليئة بالتحديات، مما يجعل أعماله غنية بالمشاعر والتأملات الإنسانية.
قراءة في عنوان “فضاء لا يتسع لطائر” .. دلالات ومعاني
عنوان الكتاب “فضاء لا يتسع لطائر” يُعبر عن تجربة إنسانية عميقة، حيث يُشير إلى قيود الحياة وصعوبة التحرر من الظروف المحيطة. يرمز الفضاء الضيق إلى التحديات والصراعات التي يواجهها الكاتب، مما يجعل الطائر، الذي يُمثل الرغبة في الحرية والانطلاق، غير قادر على التحليق.
السير الذاتية والسرديات المشتعلة في الكتاب تُبرز مشاعر القلق والألم، وتتناول تفاصيل الحياة اليومية والتجارب الشخصية التي شكلت هوية الكاتب. يُظهر العنوان كيف يمكن للإنسان أن يشعر بالعزلة حتى في بيئة مليئة بالأحداث، مما يعكس صراعًا دائمًا من أجل الفهم والانتماء.
ختامًا، تجربة أحمد سيف حاشد تعكس رحلة إنسانية عميقة في مواجهة التحديات والصراعات اليومية. من خلال أسلوبه الأدبي العميق، يُبرز حاشد الأبعاد الإنسانية للمعاناة والأمل، مُعبرًا عن صوت المظلومين والمهمشين. عنوان “فضاء لا يتسع لطائر” يجسد تلك القيود التي تعيق الحرية، مما يسلط الضوء على أهمية النضال من أجل العدالة والحرية.
المصدر: صحيفة راي اليوم اللندنية
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليغرام انقر هنا