الدكتور رامي عبد الوهاب وانتهاك حقوق المواطنة

يمنات
طه العامري
الحوار الوطني والمصالحة ليسا أفعال ترف، ولا يمكن التوصل إليهما عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو عبر تقنية “البلوتوث”، وإنما يتحققان عبر الاتصال والتواصل والحوارات الجمعية والفردية، وهما هدفان يتحققان من خلال جهود فردية وجماعية مضنية تبذل من كل ذي مكانة ودور ونشاط سياسي واجتماعي، خاصة في زمن تحوّل فيه الصراع من أزمة سياسية إلى مواجهة عسكرية، نتج عنها استدعاء دول خارجية، وصولًا إلى ارتهان القرار الوطني بيد أطراف خارجية إقليمية ودولية أخذت صبغة “أممية”، ووُضع فيها الوطن بمن فيه تحت “الفصل السابع”. وهذا يتطلب وعيًا وطنيًا من قبل النخب الفاعلة، وعيًا يرتقي إلى مستوى المخاطر التي وضعتنا والأحداثُ ونزقُ النخب فيها.
الدكتور رامي عبد الوهاب محمود، الشخصية الوطنية والقومية، نشأ وترعرع في بيت وطني وقومي، وفي كنف أسرة مشهود لها بالوجاهة الاجتماعية، قدّمت الكثير من أجل الوطن والشعب. الأمر الذي جعل أفرادها يعيشون في خضم المعترك الوطني، وكانت أدوارهم الوطنية والقومية دائمًا فوق الشبهات وفوق كل إمكانات التشكيك.
ما تعرض له الشيخ الدكتور رامي عبد الوهاب محمود، لا يمكن تبريره أو تجاوزه أو تجاوز تأثيره النفسي، ليس على الدكتور وأسرته ومشائخ ووجهاء “صبر” فحسب، بل على محافظة تعز ووجهائها ونخبها وفعالياتها، وعلى النخب والفعاليات والوجاهات الوطنية في كل أرجاء الوطن، الذين أدانوا ما تعرض له الدكتور رامي، واعتبروه خطأ جسيمًا ومحاولة لردع كل من يدعو للحوار والمصالحة الوطنية والسلام الاجتماعي، من أجل إنهاء معاناة الوطن والشعب، في ظل متغيرات إقليمية ودولية غير مأمونة العواقب.
وهذه المتغيرات تتطلب منا، حكامًا ومحكومين ونخبًا وفعاليات، طي صفحة خلافاتنا، والبدء بحوار وطني يمكّننا من إغلاق أبواب المؤامرات والتدخلات الخارجية بكل أشكالها، وإسقاط اسم بلادنا من “الفصل السابع الأممي” الذي لا يمكننا تجاوزه أو تجاهله إلا بوحدتنا الوطنية وتحقيق المصالحة والسلام، من خلال تكاتف الجهود الوطنية وفتح نوافذ الحوار والتواصل بين الفعاليات والنخب، وطي صفحة الخلافات الداخلية. وهذا إنجاز لن يتحقق إلا بتعزيز الثقة بيننا، وأن نجعل أدوارنا تكمل بعضها بعضًا، وألا يتفرد فريق بتقرير مصير الوطن والشعب واحتكارهما، أو ممارسة التعسف والانتقاص من الشريك الوطني الذي يقف معه في خندق وطني واحد.
إن ما تعرض له الشيخ الدكتور رامي عبد الوهاب محمود، انتهاك لحقوق المواطنة، وانتقاص مريع وغير مقبول بحق شخصية وطنية وواجهة اجتماعية ورمز سياسي لم يقم بأي عمل يتجاوز القانون والدستور، بل قام بكل ما قام به في العلن وأمام أنظار السلطات وأجهزتها، وبمشاركة رموز في السلطة. وهذا يجعل التساؤلات تتصاعد حول دوافع هذا الإجراء التعسفي، الذي قد يكون له ما يبرره وفق منطق “الشك يقين” لدى الأجهزة المعنية، غير أن هذا “الشك” يجب أن يتبدد حين يتداعى وجهاء ورموز الوطن، ومنهم شركاء في مفاصل السلطة، رافضين الإجراء الذي طال الدكتور رامي ومستائين منه، خاصة والجميع يعرفون جيدًا شخصية الدكتور رامي ومكانته الاجتماعية ودوره وهدفه النبيل من كل هذا النشاط الذي يقوم به منذ سنوات، وغايته تحقيق السلام الاجتماعي والمصالحة الوطنية من خلال الحوار الوطني المسؤول، وقطع الطريق أمام من يتربصون بالوطن شرًّا ويسعون إلى تدمير ما تحقق من إنجاز وطني، أبرزُه انتزاع اليمن قرارها الوطني الذي ظل مرتهنًا لعقود بيد “جارة السوء” وبيد محاور نفوذ دولية. وهذا الإنجاز، بحد ذاته، يحتم على كل الفعاليات والرموز الوطنية، بما في ذلك السلطة وأجهزتها، أن تبارك مساعي الدكتور رامي وتشجع مبادراته الوطنية الهادفة إلى جمع أطراف الفعل الوطني، بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا معهم، المهم ألا نترك ثغرة تمكّن المتربصين بالوطن وسكينته من الولوج عبرها لمزيد من التمزق الوطني.
لقد شهدت، قبل أيام، موقف وجهاء وأعيان ورموز تعز، الذين عبّروا عن غضبهم من الإجراء الذي طال أحد رموز المحافظة، وتحدثوا بمرارة عمّا تعرض له الشيخ الدكتور رامي عبد الوهاب، وتمنوا لو أن شركاءهم في الوطن وضعوا اعتبارًا لرموز وطنية شريكة معهم في الخندق الوطني، بمن فيهم الفريق سلطان السامعي عضو المجلس السياسي الأعلى، والشيخ جابر عضو المجلس السياسي الأعلى، والأساتذة الأفاضل محمود الجنيد وسليم مغلس، وكل هؤلاء يحتلون مواقع متقدمة في مفاصل السلطة، وللأسف تفاجؤوا، كما بقية العامة، بما حدث للدكتور رامي، الذي يعرفونه جيدًا ويقسمون ببراءته، ومع ذلك…؟!
إن الحوار والمصالحة الوطنية قضية ملحة في ظل ظروف استثنائية وطنية وإقليمية ودولية، والمطلوب فعلاً فتح أبواب ونوافذ الحوار، تجنبًا لما قد تفرضه تداعيات الأحداث. ولله الأمر من قبل ومن بعد.