المفكر فهمي هويدي: تم إيقاف مشروع الدولة الآن الأسرة هي التي تحكم في اليمن بعد إلغاء المشاركين
اليمن تتراجع من مشروع الدولة إلى مشروع القبيلة من بين زحمة أعماله المتواصلة استطعنا زيارة المفكر العربي الأستاذ فهمي هويدي بمنزله في القاهرة لنتحدث حول العديد من المستجدات على الساحة..
حاوره في القاهرة ثابت الأحمدي:
* نبدأ من حديث الساعة، ما هذه الضجة التي نسمعها الآن على امتداد الوطن العربي حول التوريث؟
– هذه ليست ضجة، هذا واقع، وهذه حقيقة نعيش مقدماتها اليوم، والتوريث له أسباب متعددة أهمها الضعف الشديد للدولة العربية الحديثة من ناحية، ومن ناحية ثانية حرص الأنظمة الدولية على تفتيت الأنظمة العربية القائمة، لأنها خائفة من البدائل التي تلوح في الأفق حاليا، حين كانت الديمقراطية في فلسطين بدت حماس تنادي وتتكلم باسم شعبها، في مصر حين وجدت بعض الديمقراطية دخل البرلمان 88 عضوا من الإخوان، ثم كبحوا وقمعوا بعد ذلك، نحن ندفع ثمن غياب الديمقراطية الضعف الشديد للمجتمع العربي سلح الأنظمة القائمة بجرأة شديدة فثبتت أقدامها لتتواصل أجيالها، وهو ما لقي ارتياحا للقوى الدولية المهيمنة في المنطقة.
* الأنظمة الدولية بدورها لماذا تدعم مثل هذه الأنظمة؟
– لعدة أسباب، وليس حبا فيها، ولكن حرصا على مصالحها، وبالمناسبة ليست الدول العربية فقط؟ بل وإسرائيل أيضا، الوضع العربي حاليا مريح جدا للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.
* بعد مرور أكثر من نصف قرن من الزمن على نشوء الحركات التحررية في الوطن العربي، سواء اليسارية أو اليمينية أو القومية أو الليبرالية، يبدو أن الوضع لا يزال على ما هو عليه، إن لم يكن أكثر سوءا، لماذا؟
– الأنظمة الموجودة تمكنت من السلطة وصادرت حق الآخرين في المشاركة، وعلى مدى نصف قرن استمرت محاولة تدمير خلايا المجتمع المدني، وبالتالي ضعفت المجتمعات ضعفا شديدا، وهذا سوغ للأنظمة أن تتحكم في الحاضر والمستقبل.
* قلت: الأنظمة دمرت خلايا المجتمع المدني.. أين كان المجتمع نائما حتى دمرت خلاياه؟ وأين ذهبت صحواته؟ كان عبدالناصر يخطب في القاهرة ويصفق له المستمعون في قدس من أرض اليمن..
– صحيح، ولكن هذه عواطف، وليست حركة وطنية، في مصر قامت الثورة المصرية وكانت الأحزاب موجودة، ألغيت الأحزاب وتمت مصادرتها بقوة السلطة وبأدواتها الجبارة، ألغيت مؤسسات المجتمع المدني، وزورت الانتخابات وكبَّل المجتمع وكأنك تسألني الآن لماذا المكبل بالقيود لا يجيد السباحة؟ فأقول لك ببساطة لأنه مكبَّل!!
* هل هذا هو كل ما في الأمر؟
– هناك أيضا قوى خارجية استراحت إلى هذا الوضع وشجعته ووجدت فيه استقرارا لمصالحها.
* دعنا نغوص في العمق قليلا لنتحدث عن حركة الإخوان المسلمين، كبرى الحركات المعاصرة، الملاحظ أنها تمددت أفقيا إلى حد كبير، بينما تقزمت رأسيا، رغم الفكرة المثالية التي تحملها، ما سبب ذلك؟
– حركة الإخوان المسلمين في المنطقة جزء من الحركات الأخرى صودرت حقوقها ومستقبلها مثل باقي الحركات، وتمددها أو قل ارتقاؤها رأسيا مرتبط بالوضع الديمقراطي في المنطقة، أنظمتنا ضد الديمقراطية لا ضد الإسلام.
* هل ثمة فرق بين الديمقراطية والإسلام؟
– نحن نرى، وأنا أعبر عن نفسي، كل ديمقراطية لا تحل حراما ولا تحرم حلالا هي من الإسلام، بل وجزء أصيل منه.
* كيف تنظر إلى الديمقراطية العربية التي نعيش هامشها؟
– هذه ديمقراطية مغشوشة، الديمقراطية لها شروط ثلاثة: حق المشاركة، حق المساءلة، حق التداول.
* ما نسبة ما توفر من هذه المنظومة الثلاثية سواء في مصر أو في الوطن العربي؟
– أولا ليس هناك دولة اجتمعت فيها هذه المنظومة كاملة، أما المشاركة فوجدت، ولكن بدرجات متفاوتة، في اليمن هناك بعض المشاركة، في الكويت كذلك..
* البلد الديمقراطي المثالي في الوطن العربي؟
– لا يوجد بلد مثالي، لكن هناك درجات في السوء.
* طيب.. الأقل في السوء؟
– لماذا هذه الصيغة من أساسها، هناك دول لا توجد فيها مساءلة، ولا تداول سلمي للسلطة، فقط هناك مشاركة بدرجة متفاوتة، ولكن لا تمس صلب القرار السياسي.
* أنجح الحركات الإسلامية الإخوانية في الوطن العربي من وجهة نظرك؟
– يا سيدي الأمر متعلق بمشكلة الديمقراطية، وكل الحركات الأخرى تعيش نفس الشيء، الحركات الإسلامية أفضل من غيرها، لأن التربة العربية كلها تربة إسلامية في الأساس.
* لماذا تحمل الحكومات كافة المسئولية؟ أين دور الصف المعارض بكل أطيافه؟
– لا أحملها كافة المسئولية، ولكن المسئولية الأولى.
* ألا ترى أن الطرف الآخر قد يكون مساهما إلى حد ما سواء كان ذلك لعوامل ذاتية أو موضوعية؟
– مساهمته هي ثمرة لزرع زرعته السلطة.
* هناك بعض من الحركات الإسلامية تحالفت مع بعض أنظمة الحكم في الوطن العربي في فترات معينة من تاريخها.
– لست واثقا من هذا.
* بل حصل هذا.
– هات لي مثلا!!
* اليمن في مرحلة ما قبل التعددية السياسية قبل عام 90م.
– هل هو تحالف من أجل تمكين الاستبداد أم تحالف من أجل استقامة الأوضاع واستقرارها؟
* ربما كان من أجل استقرار الأوضاع واستقامتها، لكن ما حصل غير ذلك.
– هذا خطأ، ثم ما الذي يمنع إذا أخطأ الإخوان في بلد ما أن نقول أنهم أخطأوا.
* من يتحمل تبعات هذا الخطأ؟
– الشعب هو الذي يدفع الثمن.
* على صعيد آخر يرى البعض أن الوهابية السعودية قد مثلت عامل هدم لمشروع الإخوان المسلمين في المنطقة من الداخل من خلال عدة استراتيجيات مرسومة، عملوا على تنفيذها ونجحوا في كثير منها إلى حد ما. ماذا ترى أنت؟
– لا أريد أن أحصر التجربة العربية في الإخوان المسلمين لوحدهم، ألا توجد قوى أخرى خارج الوهابية وخارج الإخوان؟
* أقصد أنها ضربت في العمق أقوى حركات المعارضة في الوطن العربي.
– أوافق تماما أن الخطر الحقيقي والضرر الكبير الذي مس الثقافة الإسلامية جاء من الوهابية بدرجة أساسية.
* لماذا تتمدد بصورة كبيرة في أنحاء الوطن العربي؟
– تتمدد لأن هناك فراغا، أنت إذا أزلت لاعبا وحيدا في ساحة خالية سيكون هو المنتصر.
* ألا ترى أن ما يمكن ما يسمى بالريال الحنبلي أو البترول الحنبلي قد أسهم في ذلك؟
– هذا يأتي في المقام الثاني، الدرجة الأساسية أو السبب الأول يكمن في الفراغ الذي حصل، مصر مثلا حصل فيها فراغ فتمددت الوهابية.
* هل ترى أنها صاحبة مشروع؟
– صاحبة مشروع، ولكن هو مشروع ثقافي، وليس مشروعا سياسيا، أو بالأصح مشروع ثقافي يوظف سياسيا. الوهابية ثلاث فئات: الأولى تحتكر الإسلام لصالحها، والثانية: تختزل الإسلام في مجموعة من الطقوس والشعائر، والثالثة: تفصل بين العقيدة والأخلاق.
* كيف؟
– أي لا مانع أن أكون وهابيا ملتزما وأنا أكذب عليك وأغش وأدلس و…. الخ.
* ألا ترى أن المنبع واحد والمصب واحد في النهاية؟
– رأيي أن المشكلة الأساسية تتمثل في الجو المليء بالجراثيم، ولكن متى يتاح لهذه الجراثيم أن تؤثر؟ بالطبع إذا فقد الجسم مناعته من الداخل وضعف، وهذه هي المشكلة.
* ألم تتسبب هذه الجماعة في صناعة جماعات العنف المعاصرة؟
– بدرجة أولى أساس العنف جاء من الوهابية التي تحتكر الإسلام وتكفر الآخرين.
* كيف تقرأ مستقبلها؟
– مستقبلها مرتبط بمستقبل الديمقراطية.
* مزيدا من التوضيح؟
– إذا وجدت الديمقراطية فإنها ستتيح للفكر الآخر أن ينمو وأن يقارعها وأن يحد من حجمها.
* منذ فترة ليست بالقصيرة وبعض الأقلام العربية تنادي بعلمانية الدولة العربية الحديثة، ماذا تقصد بالتحديد؟
– ينبغي أن يوجه لهم السؤال.
* أسألك أنت كمفكر ومتابع.
– رأيي أن هذه الأطروحات تعبر عن ترف شديد، ينبغي ألا نتكلم الآن عن دولة علمانية أو إسلامية، يجب أن نتكلم عن دولة مستقلة، لا توجد دولة عربية مستقلة الآن في الوطن العربي، كلها خاضعة للنفوذ الأمريكي ومتأثر بالطرف الإسرائيلي، فلماذا نتعارك حول هذه المفاهيم، نتحدث عن استقلال سياسي واقتصادي وبعدها تأتي التفاصيل.
* بعد فترة قيام الثورات العربية، استوردت بعض الأنظمة العربية النظام الاشتراكي وبعضها النظام الرأسمالي، لكن الطرفين اتفقا في الفشل في حين نجح النظامان هناك في الغرب، لماذا هذه المفارقة العجيبة؟
– نحن نستورد الأنظمة ونفسدها، كما شوهنا الإسلام من قبل بالعنف والوهابية الصين مزجت بين الاشتراكية والرأسمالية، لكن الحاصل أن هذه المجتمعات تدرجت وطبقتها بأصولها ثم صححت نفسها، لأنها مجتمعات حية، الآن المجتمعات الرأسمالية التي تواجه انهيارا اقتصاديا تتكلم الآن عن التراجع عن بعض الأسس الرأسمالية، الدولة الحديثة في الوطن العربي لم تعمل على إيجاد مجتمع حر يصحح أخطاءه بنفسه.
* هل ترى بأننا عدنا إلى مرحلة ما قبل الثورات العربية ونشوء الحركات الوطنية في منتصف القرن الماضي؟
– في مصر مثلا، الدولة قبل الثورة ماذا كانت؟ كان يوجد أحزاب، وملك وانتخابات حرة وتداول سلطة وجامعات وقضاء حر وصحافة حرة، كان يوجد فساد، لكن الدولة موجودة بشكل أفضل.
* أفهم من كلامك أن فترة ما قبل الثورة هي أحسن من الوضع الآن.
– يعني.. أقل سوءا، كان يوجد احتلال وكان يوجد عدو واضح الآن لا تعرف من عدوك.
* كيف تقرأ المشهد الإيراني -العربي؟
– المشهد تعبير عن أزمة العالم العربي الذي تهيمن عليه السياسة الخارجية والقوى الأجنبية والذي لا يملك حرية قراره، الموقف العربي من إيران متأثر بالموقف الأمريكي من إيران.
* هل إيران عدو حقيقي للعرب أم مجرد وهم في الذهن فقط؟
– غير صحيح، إيران عدو موهوم، عدونا إسرائيل لا إيران، هذه سخافات سياسية لا أقل ولا أكثر.
* هم يقولون إن إيران تحمل المشروع الفارسي القديم؟
– يا أخي ما هو هذا المشروع الفارسي؟ إيران لها مشروعها الوطني وتطلعاتها الخاصة الوطنية.
* تصدير الثورة؟
– لا شيء من ذلك.
* ألم يصرح الزعماء الإيرانيون أنفسهم بذلك؟
– لا لم يصرحوا، وهناك فرق بين من يخطب من فوق منبر الجمعة عن تصدير الثورة وبين من يخطب من فوق المنصة السياسية، الخطاب الرسمي يصدر الحافلات والبضائع.
* ألم يصرح أحمدي نجاد وحزبه بذلك؟
– من قال لك ذلك؟ أحمدي نجاد لم يقل بذلك، هذا ادعاء. في بداية الثورة حصل كلام عن تصدير الثورة، وهذه عادة الثورات، الثورة البلشفية بعد قيامها عملت مجلسا لقيام الثورة في العالم كله، ومثلها ثورة يوليو بمصر وهذا وهج الثورة ورنينها بعد نجاحها في منطقة ما يظنون أنهم سيغيرون العالم كله.
* هل ترى أن إيران يجب أن تكون صديقة العرب؟
– المفروض بحكم الجوار، وبحكم التكامل الجغرافي، الآن تركيا تمارس سياسية صداقة الجوار مع الدول العربية.
* عموما إلى أين نحن ذاهبون؟
– لا نستطيع أن نتفاءل بالمستقبل، ولكن المستقبل مرهون بقدرتنا على تحقيق أمرين أساسيين: الاستقلال والديمقراطية.
* وحتى يأتي الاستقلال والديمقراطية، ما الذي يجب أن نفعله؟
– هما واقفان ونحن يجب أن نذهب إليهما، ونناضل.
* من خلال..
– الاحتشاد الوطني بقنواته المشروعة والسلمية.
* إذا سدت هذه القنوات؟
– الفوضى هي البديل.
* كيف؟
– مثلا عندكم مشكلة في جنوب اليمن وفي صعدة، انفجرت مؤخرا حلولها كانت موجودة منذ سنوات وقبل أن تتفجر، ولما لم تتفعل هذه الحلول حصل الانفجار.
* إجمالا ما رأيك بما يجري الآن في اليمن؟
– مشكلة اليمن ليست في الشمال أو في الجنوب، المشكلة في صنعاء، الآن أنت تعود من وضع الدولة إلى وضع القبيلة، تم إيقاف مشروع الدولة في اليمن. الآن الأسرة هي التي تحكم في اليمن بعد إلغاء المشاركين.
* يوجد في اليمن برلمان وأحزاب وانتخابات ومنظمات مجتمع مدني؟
– دعك من كل هذا، هذا ديكور ديمقراطي، أقم ما شئت من المؤسسات التي تكون شكلا للديمقراطية، لكن هل هي تؤدي وظائفها؟ الشعب اليمني لا يحكم. الأسرة هي التي تحكم. في اليمن تراجع عن مشروع الدولة والعودة إلى مشروع القبيلة.
* على ضوء هذه المؤشرات كيف تقرأ مستقبل اليمن؟
– شيئان اثنان: إما تغيير سلمي أو فوضى وعنف. وأدعو إلى التغيير السلمي بقنواته المعروفة.