تحليلات

صحيفة الشعب الصينية: شعوب الربيع العربي تدفع ثمناً باهضاً “للحرية”

 (شينخوا) سلطت مقالة نشرت مؤخرا في ((صحيفة الشعب)) الصينية البارزة الضوء على الربيع العربي الذي بدأ في اجتياح منطقة الشرق الأوسط متأثرا بالشرارة الأولي التى أنطلقت في تونس أواخر عام 2010، قائلة إن هذا الربيع لم يحدث في حقيقة الأمر فرقاً كبيراً، إذ انه لم يصل بالشعوب العربية إلى غاياتها وتطلعاتها, وإنما كبدها خسائر فادحة.

وتناول كاتب المقالة تيان ون لين, الباحث بمعهد الصين للعلاقات الدولية المعاصرة, أحدث قضية مطروحة على الساحة في العالم العربي، قائلا إن الوضع في سوريا ينزلق حاليا نحو مأزق خطير وذلك في ضوء رفض المعارضة والحكومة السورية على التوالي لاقتراح بتشكيل حكومة انتقالية تضم أعضاء من الحكومة الحالية والمعارضة كان قد طرح في اجتماع جنيف الذي عقد في 30 يونيو الماضي بهدف وضع نهاية للصراع المستمر منذ 16 شهرا في هذا البلد العربي, مضيفا أن تسوية القضية السورية لا يمكن ان تتم على ما يبدو إلا باستخدام القوة, ومن ثم فإن من سيملك القوة التي تمكنه من إحكام قبضته على زمام الأمور, هو من سيخرج من هذا الصراع منتصرا في نهاية المطاف.

ويرى تيان أن الشعوب العربية هى الضحية التي تدفع ثمن تلك الاضطرابات الشديدة التي أودت بحياة حوالي عشرات الآلاف من السوريين وأسفرت عن نزوحهم بأعداد كبيرة تقترب من مائة ألف لاجئ سوري، وفقا لاحصائيات صادرة عن هيئة مختصة تابعة للأمم المتحدة.

وأضافت المقالة أن التغيرات السياسية في سوريا فتحت "صندوق باندورا "وكانت شرورها أعلي بكثير من منافعها, وهو ما اتضح جليا في اليمن وليبيا وبلدان عربية أخرى شهد أيضا تقلبات واضطرابات خلال مرحلة الانتقال السياسي فيها.

وصرح تيان في مقالته بأن الشعوب العربية لم يطرأ علي حياتها أى تحسن يذكر بعد بزوغ الربيع العربي, بل من أجل هذا النوع من "الحرية" بذلت كل غال ونفيس، وحملت على عاتقها تبعات ذلك من خسائر بشرية ومادية وأزمات إنسانية وغيرها .

وتابع قائلا إن هناك جملة مختلفة من الأسباب المنوعة أدت إلى هذه النتيجة, ومن أهمها التشكيل السياسي الاجتماعي المحلي, موضحا أن الولاء القبلي الشديد يضرب بجذوره العميقة في قلوب معظم العرب, وان الفكر السياسي لديهم أشبه "بحلقات متتابعة" تنخفض فيها قوة ولاءهم مع الاتجاه من "الحلقة الداخلية" إلى "الحلقة الخارجية": التي تبدأ بالأسرة، فالقبلية، ثم تحالف القبائل وأخيرا بالبلاد .

ومن ناحية، يمكن ان يؤدي هذا النوع من الطائفية والقبلية في الحياة السياسية إلى المحسوبية والمحسوبية الرأسمالية وكذلك احتكار عائلة بعينها للمشهد السياسي, ويثير من ناحية أخرى الضغينة والعداء وإنعدام الثقة من قبل الحاكم تجاه القبائل والطوائف الأخرى , ما يؤدى إلى ممارسة عمليات قمع بلا هوادة ودون رحمة.

ويعتقد العرب أن الفائز ينال كل شيء فيما يفقد الخاسر كل شئ وذلك إرتكازا على نمط تفكير فريد راسخ في نفوسهم؛ وبالتالى إذا تخلى الحاكم عن سلطته فانه يخسر كل ما يملكه حتى أنه قد يخسر حياته. ونادرا ما يظهر حل وسط أو وضع يحقق كسب متكافئ للأطراف في الصراع السياسي.

وان هذا النوع من التشكيل السياسي الاجتماعي الفريد سرعان ما يحول الاحتجاجات السياسية التي تبدو شيئا طبيعيا إلى قمع واشتباكات وأعمال عنف في الدول العريبة، وخير مثال على ذلك عبد الله صالح في اليمن ومعمر القذافي في ليبيا وبشار الأسد في سوريا، إذ انهم يفضلون المواجهة المستميتة على التخلى عن السلطة خشية تسوية الحسابات معهم بعد سقوطهم.

ويرى كاتب المقال ان ما يحدث في بعض البلدان العربية ما هو إلا لعبة "معادلة صفرية" توقع الكثير من الخسائر وتعرقل أى عملية انتقال سياسي، ما يجعل البلدان العربية الأخرى تخشى الربيع العربي وتحجم عن اتخاذ خطوة للأمام في ضوء ما شهدته في التجارب السابقة المؤلمة من اضطرابات أمنية واجتماعية وأعمال عنف لم تهدأ حتى الآن .

وهناك إلى حد ما ثمة خصائص متشابهة بين الجدل الدائر أثناء عملية الانتقال السياسي في البلدان العربية وبلدان العالم الثالث. ومن ثم، علينا ان نتعامل مع العلاقة بين الاصلاح والاستقرار على نحو ديالكتيكي .

وذكر الكاتب في مقالته إن الثمن الفادح الذي تدفعه الشعوب في دول عربية مثل سوريا واليمن وليبيا جراء عدم الاستقرار خلال عملية التحول السياسي يؤكد مدى العلاقة الوطيدة بين الاستقرار والإصلاح وانها أشبه بعلاقة الإنسان بالماء والهواء. ويضيف ان الفوضي والاضطرابات لن تجدى نفعا ،مستشهدا بالمثل الذي يقول "ماذا يفيد الشاة سلخها بعد ذبحها ؟"، وبالتالي، إذا لم يتم وضع أسس سياسية سليمة ودفع النظام الاقتصادي والاجتماعي للمضي في مساره الصحيح، فان أى مخطط إصلاحي سيبيت حبرا على ورق. ويمكن القول إن المحافظة على الاستقرار لها الأولوية القصوى.

ويختتم الكاتب مقالته قائلا إن خلال الإصلاح والتنمية هما الضمان الرئيسي للاستقرار . ويقول إنه إذا أرادت دولة الحفاظ على قوتها وأراد نظام الحفاظ على نشاطه السياسي، فلا بد عليهما أن يواكبا العصر ويدخلا تعديلات على السياسات الداخلية والخارجية على نحو مستمر من منطلق الحفاظ على مصالح الشعوب ومكتسباتها.

زر الذهاب إلى الأعلى