تحليلات

لماذا لم نعد بحاجة لقوات نظامية تقليدية (برية) !!

يمنات

يمكن لنا مناقشة هذا الأمر من ناحتين رئيستين على أقل تقدير، الناحية الأولي لها علاقة وثيقة الصلة بما أصبحت عليه اليمن من الناحية الجغرافية- السياسية منذ العام 1990م من مكانة استراتيجية مرموقة لها شأنها في الخارطة العالمية، في ضوء بروز متغيري الموقع الاستراتيجي والحدود البحرية الطويلة وما حازته بموجبهما من مزايا وامتيازات متنامية لها شأنها بغض النظر عن طبيعة ومستوى ومن ثم حجم ما نجحت اليمن في تحقيقه منها؛ جراء ضعف قدراتها الذاتية واستمرار تنامي العوامل الموضوعية المناوئة والمناهضة والمعيقة لها بهذا الشأن السائدة في البيتين الداخلية والخارجية.

إلا أن هذا الأمر يجب ان يتم تجاوزه في توجهات واهتمامات الدولة في المرحلة القادمة من خلال أهمية لا بل وضرورة تحويل اليمن إلى دولة بحرية مدنية حديثة، كي يصبح بموجبها للبحر مكانة متعاظمة جدا في أولويات المصلحة الوطنية العليا وبصورة تمكنها من تحقيق الاستفادة القصوى بشقها المادي والمعنوي من حيازتها لهذا المتغير، وكي يتسنى لها القيام بذلك فقد أصبح من الضرورة أن تعيد ترتيب مفرداتها الرئيسة في اتجاه تحويل الجزء الأكبر والمهم من قدراتها العسكرية والبرية منها- بوجه خاص- إلى قوات ضاربة بحرية ودفاع ساحلي، وإعادة جدولة احتياجاتها العسكرية السابقة والحالية والمقبلة- وفقا- لهذا الأمر بما يسهم في إحداث نقلة جذرية نوعية في واقعها بمراعاة عامل الوقت والسرعة والكلفة.

سيما بعد التحول الجذري الحاصل في العامل الخارجي- تبعا- لما فرضته أولويات مصالحها الحيوية المتنامية، في اتجاه تمكين اليمن من الإمساك بمقاليد زمام الأمور فيها؛ من خلال دعمها في فرض سيطرتها على كل أرجاء البلاد انطلاقا من حدودها البحرية، بعدما حققته من نجاحات في حل الملف السياسي الإقليمي مع جيرانها والسعودية منها- بوجه خاص- من خلال توقيع اتفاقيات الحدود، وصولا إلى الملف السياسي الداخلي بأبعاده المختلفة التي هي بصدد معالجته- وفقا- لحيثيات المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة.

في حين أن الناحية الثانية لها علاقة وثيقة بتلك الحقيقة الدامغة في التاريخ العسكري المعاصر، في ضوء ما أصبح عليه واقع الحروب منذ مطلع القرن الحادي والعشرين من تغييرات نوعية كبيرة جدا طالت معظم مفرداتها الرئيسة إلى حد كبير، ومن ثم ألغت الجزء الأكبر والمهم من المزايا التي حازتها دولا بعينها جراء ما وصلت إليه من قدرات نوعية في تطوير ترسانتها التقليدية، التي تؤكد بأنه لم يعد هنالك أهمية وضرورة للجيوش النظامية التقليدية من حيث الكم، في ضوء بروز متغير حرب العصابات كظاهرة لها شأنها وفكر عسكري وعنوان أساسي في حيثيات المشهد العسكري الحالي.

على خلفية ما شهدته كبرى الجيوش في العالم بكل ما تمتلكه من موارد وإمكانات تقنية متقدمة، من تجارب طاحنة وإخفاقات متوالية في التعامل معها، بصورة أصبحت بموجبها الوحدات الخاصة والوحدات غير النظامية هي محور الارتكاز الأساسي في خوض الحروب الحالية والمقبلة ليس هذا فحسب، لا بل وما أصبح يمثله متغير بناء وتطوير الجيوش التقليدية من استمرار تنامي حالات الإفراط الحادة في استنزاف الموارد والإمكانات المتواضعة في هذه البلدان، على الرغم من عدم جدوى استمرار هذا الأمر إلى حد كبير بعدما أصبح نطاق حدود هذه الدول والشعوب مخترقة على كافة المستويات والعسكري والأمني منها- بوجه خاص- سواء أكان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر.

أما الناحية الثالثة فإنها تدور حول أهمية لا بل وضرورة أن يتم تحويل المؤسسة العسكرية اليمنية إلى رافد محوري وأساسي من روافد التنمية الشاملة والمستدامة بكل أبعادها، بدلا من بقائها مجرد عبء ثقيل جدا على كاهل البلاد- تبعا- لما تم تناوله من مؤشرات لها شأنها بما تحمله من دلالات ومعاني أوردنا الكثير منها في مقالنا المنشور بعنوان (المؤسسة الدفاعية الجديدة: بوابة التنمية التي لم تفتح إلى حد الآن!!). 

[email protected]

 

*باحث في العلاقات الدولية والشئون الاستراتيجية وكاتب ومحلل سياسي.

زر الذهاب إلى الأعلى