أخبار وتقارير

“دحيمي”.. أنقذته غارة أمريكية من الإعدام, واغتيل بسيارة مفخخة, وكافأته الحكومة بالنسيان

يمنات – الشارع – ماجد الداعري

يعتبر البعض الدور الشجاع الذي لعبه الرائد في الشرطة العسكرية محمد سعيد عمر المعروف بـ ((دحيمي)), الذي بلغ من العمر 37 عامل, بمثابة المفتاح الأهم في النصر الذي حققه الجيش اليمني ومسلحو اللجان الشعبية على تنظيم القاعدة في أبين.

لقد غامر بروحه في سبيل إنقاذ حياة ومعنويات منتسبي أهم واقوي لواء عسكري شارك في دحر مسلحي ((القاعدة)) من مناطق أبين العام الماضي, من خلال استبساله وإدخال ناقلة مياه شرب ضخمة لإنهاء العطش القاتل لمنتسبي اللواء 25 ميكا وإنقاذهم من الموت وتمكينهم من استعادة معنوياتهم القتالية لمواصلة الحرب وفك الحصار المحكم الذي كان يومها مسلحو ((القاعدة)) يفرضونه على اللواء, تمهيداً للسيطرة عليه ونهب أسلحته الثقيلة والمتوسطة والانطلاق بها صوب محطتهم الأهم (عدن), حسب ما قاله قائد اللواء السابق العميد محمد الصوملي.

تفاصيل قصة الفدائي دحيمي تحمل الكثير من البطولات والمواقف المثيرة والغريبة في آن واحد, والمؤلم في نهاية المطاف مما يجعلها قصة بطل ظلم حياً ونسي اليوم وهو تحت الثرى شهيداً لم يجد أهله بعده ما يحملهم حتى على دفنه, عوضا عن إقامة حفل عزاء يليق بمستوى التضحية والبطولة الوطنية التي قدمها قبل استشهاده بسيارة مفخخة ظلت عاما كاملاً تتعقبه وتنتظر قدومه إلى تلك المدينة التي اتهم فيها بالخيانة العظمى والعمالة للكفار, على خلفية دوره في فك الحصار عن لواء عسكري كان ((القاعدة)) يرى فيه أول أهداف النصر المقدس على من يعتبرهم جنودا للطغاة وخونة لأوطانهم, وأدوات بطش بيد ساستهم العملاء لأعداء الدين والأمة الإسلامية.

تبدأ قصة البطل دحيمي من مشهد نجاته من موت محقق بأعجوبة, بعد أن استسلم للقضاء والقدر واكتفى بطلب عشاء وحبة سيجارة من قاتليه بتهمه الخيانة والعمالة, قبل أن تنقذه غارة جوية استهدفت فجأة مكان اعتقاله ولم تدعه حتى ليكمل نفث أخر دخان سيجارة, ولم يدر في خلده لحظتها إن تلك الغارة المباغتة, ستكون طوق نجاته الوحيد من الموت المحقق المرسوم أمام ناظريه, بعد سماعه لما اسماه بحكم ((أمير القاعدة)) فيه جلال بالعيدي, يومها.

وتقول تفاصيل قصة دحيمي’ احد المحسوبين كقوة فائضة بالجنوب, بعد أن كان يعمل قائد حرس العميد محمد إسماعيل, قائد المنطقة الشرقية الراحل في ظروف غامضة, أن غارة جوية دفعت سجانيه إلى مغادرة مكان سجنه هربا من الموت, دون أن يدركوا إن تلك الغارة التي رأوا فيها موتهم مرسوما في أرجاء مكان اعتقاله, سيكون مبعث حياة له.

كان مسلحو ((القاعدة)) المعرفون بـ "أنصار الشريعة", يعتقدون أن أسيرهم سيقضى في جحيم تلك الغارة التي خلفت دمارا كبيرا في مباني المجمع الحكومي للمحافظة, الذي كانوا يتخذونه مقراً لإدارة حكمهم على أبين, ومعتقلا للمطلوبين لديهم, وكذلك ساحة لتنفيذ الإعدام بحق المدانين لديهم بتهم العمالة والخيانة وغيرها من الجرائم الأخرى.

قبض عليه مسلحو ((القاعدة)) وهو على متن حافلة تقوم بتمويل أفراد اللواء 25 ميكا المحاصر, بقيادة العميد محمد الصوملي, بالماء والغذاء أثناء حصار "أنصار الشريعة" لمدينة زنجبار.

واصدر تنظيم القاعدة حكم الإعدام بحقه باعتباره خائنا للمسلمين وعميلا للكفار وأمريكا. وقبل دقائق من تنفيذ الحكم جاءت الغارة الجوية.

بعد إن فر أعضاء ((القاعدة)) وتركوه وحيدا في إحدى الغرف, تمكن من اقتلاع نافذة السجن ومغادرة المعتقل.

ورغم الفرحة التي عادت لأهل دحيمي ومحبيه وزملائه في اللجان الشعبية بنجاته من الموت, إلا أن الموت لم يمهله طويلا’ فنصب له ولآخرين كانوا برفقته, في أول أيام ذي الحجة, سيارة مفخخة , استهدفتهم حينما كانوا في إحدى نقاط اللجان الشعبية مديرية :مودية", ليستشهد يومها هو وناصر جمال بدر,15 عاما, وعلي حسين الحرد,22 عاما, وعهد شعيرا,16 عاما, وجميعهم من صغار السن ممن التحقوا بصفوف مقاتلي اللجان الشعبية التي ناصرت الجيش في دحر ((القاعدة)) من أبين وماتوا يومها إلى جواره ولم يجدوا من قيادة تلك اللجان حتى ثمناً لأكفانهم. وفق ما قاله مقربون منهم.

وقال دحيمي في حوار سابق أجريناه معه مطلع العام الماضي بالعاصمة صنعاء, أن العبيدي كان قد اصدر حكم الإعدام بحقه باعتباره خائنا وعميلا لأمريكا واللواء المعادي للإسلام والمسلمين, وطلب منه قبل دقائق من الغارة الجوية أن يسال ما يريد قبل تنفيذ الإعدام بحقه, فطلب وجبة عشاء وحبة سيجارة ثم جلس يرقب لحظة نهايته في صراع لم يعرف يومها دواعيه ومسبباته ولا ذنب له سوى حاجته وأسرته لأي مردود مالي سيعود عليه من قيادة اللواء المحاصر يومها, جراء خدمة توصيل الماء إليهم.

اكتشف أخيرا من أصدقاء ومقربين للدحيمي أن عليه ديونا مالية تصل إلى حوالي 600 ألف ريال منها 200ألف لأحد فنادق صنعاء كان يقيم فيه أثناء محاولته البحث عن فرصة للقاء بقيادات عسكرية وأمنية من تلك التي يعرفها وعلى علاقة بها كنجل العميد محمد إسماعيل واللواء علي محسن الأحمر الذي قالت مصادر مقربه منه انه كان على علاقة جيدة به, وسبق أن رافقه في حروب صعدة وتنقل معه إلى هناك كأحد مرافقيه في تلك الفترة؛ غير أن الجميع هجروه وابتعدوا عنه فيما بقى هو وحيدا يطرق أبواب الأصدقاء والمسؤولين بحثاً عن فرصة عمل تدر عليه وأسرته ما يكفيه لإعالة أسرة كبيرة مكونة من 20 شخصاً, كان الوحيد المتكفل بإعالتهم.

وأكدت مصادر مقربة منه أن لديه عشرة من الأبناء والبنات إضافة إلى أمه وعشرة آخرين من إخوانه العاطلين عن العمل الذين خلفهم وراءه يتجرعون اليوم مرارة وويلات الديون التي تركها, بعد أن تنكرت له اللجان الشعبية وتركته السلطات المحلية والأمنية بابين ولم تلتفت له ولا لأسرته, واقسم احد أصدقائه أن اللجان الشعبية لم تتكفل حتى بالكفن الذي كفن به, بعد وفاته بالقرب من إحدى نقاطها العسكرية, مما اضطره لشراء كفن له ولبقية الأربعة الذين استشهدوا معه في الانفجار الذي أعقب هجوما مباغتا لـ ((القاعدة)) على نقطة عسكرية للجان الشعبية بمودية أبين.

التنكر والتجاهل الحكومي كان الدافع الوحيد لتذكر ما قاله دحيمي, رحمة الله , قبل استشهاده بأسابيع ولإيصال رسالة الواجب الأخوي والإنساني تجاه عائلته, إلى كل من كان لدحيمي يوماً صديقاً ورفيقاً ومعيناً, أو حتى ربطته معرفة بمن يجمع كل من عرفه بصاحب القلب الطيب والكرم اللا محدود, والمواقف البطولية التي جعلت منه شخصاً محبوباً لدى كل من عرفه, بتلك الطيبة والبساطة والطرافة والكرم.

زر الذهاب إلى الأعلى