دوامة الصبيحي تعصف بعقول اليمنيين
يمنات – صحيفة المستقلة
قبل أشهر بدأ اللواء محمود الصبيحي وكأنه غير قابل للقسمة على اثنين.. أما الآن فلا يستطيع أحد الجزم بشأن ما يدور في رأس الرجل، وما الذي يريد أن يصل إليه بالتحديد، أصبح الصبيحي لغزاً محيراً في نظر غالبية اليمنيين، لكنه ليس كذلك لدى البعض..
هناك من يراهن على أن الصبيحي سيكون رجل المرحلة القادمة، وآخرون يرون أنه أحرق نفسه وأن الواقع تجاوزه بعد خروج الرئيس هادي وانتقاله إلى عدن.. وفريق ثالث يرى أنه ما يزال يؤدي الدور المرسوم له بدقة عالية.. وغير يعتبره فاتح الجنوب القادم.. وقليل من الناس يعتقد أنه فعلاً يعمل من أجل المحافظة على ما تبقى من جيش..
لا يختلف اثنان على أن انتقال هادي إلى عدن وضع الحوثيين في مأزق لكن البعض يقللون من أهمية هذه الخطوة ويرون أن مأزق الحوثيين غير حقيقي، وأن سيناريو سينبلج فجأة سيحسم أمر عدن بطريقة ليست كما يتوقعه المحللون، إلا أن كثرة اللاعبين على الساحة وتقاطع المصالح جعل المسألة تؤخر هذا السيناريو.. ومع ذلك يحمل التصريح المنسوب للقائم بأعمال وزير الدفاع محمود الصبيحي بأن «ما يحدث في عدن مجرد زوبعة» دلالات كثيرة تجعل الوضع الراهن مفتوحاً على جميع الاحتمالات..
هل تمكن هادي من الوصول إلى بر الأمان فعلاً.. هل أصبح قادراً على إدارة اللعبة بطريقة صحيحة مستنداً إلى العمق الشعبي في الجنوب، والدعم الإقليمي غير المحدود، أم أن عقدة القوة الضاربة للحوثيين مازالت تسيطر عليه.. وهل يتواصل فعلاً مع اللواء محمود الصبيحيقبل مغادرة الأخير صنعاء بحسب ما نقلته بعض المصادر- أم أن الصبيحي باع رئيسه فعلاً لأنه لم يكن يعلم أن هادي سيتمكن من الفرار إلى عدن.. أم أن الأمر يمضي وفقاً لما هو مدروس ومقرر منذ أمدٍ بعيد..
لا يمكن الجزم بمصداقية سيناريو معين،س وقد يأخذ هادي فرصة ثلاث سنوات أخرى بصفته رئيس من عدن حتى يصل الجنوبيون الى تلك القناعات التي وصل اليه البعض في صنعاء وكل ما يمكن الاشارة اليه هنا أن الوضع السياسي منذ أكثر من عام يمضي خلافاً لكل التوقعات، ويأتي بنتائج لم تكن تخطر على بال أشد المتشائمين أو أكثر المتفائلين على حدٍ سواء.. وهو ما يجعل مآل الأزمة واتجاه الأحداث مفتوحاً لجميع الاحتمالات الموضوعية وغير الموضوعية.
الرجل الغامض.. الولاء والطموحات
من المؤكد أن الحظ حالف اللواء محمود الصبيحي مرات كثيرة.. كانت الأولى عندما استطاع الهروب من جحافل ماسمي بالشرعية خلال حرب صيف 94م، واستطاع أن ينجو بنفسه إلى خارج الحدود رافضاً الاستسلام أمام القوات المتقيدة بزعامة علي عبدالله صالح وشركاؤه من آل الأحمر.. ليظل في بلاد المنفى أو اللجوء ثمان سنوات كاملة عاد بعدها ضمن عشرات الضباط الجنوبيين في إطار تفاهمات خاصة..
عاد الصبيحي مجدداً إلى الخدمة العسكرية، ليس كقائد كبير، وإنما ضابط عادي في أكثر من موقع، واستمر على هذا الوضع نحو تسع سنوات، أي إلى أن حالفه الحظ مجدداً عام 2011م، وكان حينها ما يزال ضابطاً مغموراً في قاعدة العند العسكرية التي يقودها الجنرال السنحاني «عبد الإله القاضي»، المقرب من الجنرال علي محسن الأحمر.
قدم القاضي استقالته من قيادة قاعدة الجند إثر انشقاق الجنرال علي محسن، وأعلن انضمامه لثورة 11 فبراير 2011م، وعلى إثر ذلك أصدر الرئيس السابق علي عبدالله صالح قراراً بترقية الصبيحي وسلمه قيادة القاعدة الجوية الشهيرة، وشعر الصبيحي أن الحظ ابتسم له مجدداً، حينها صار ولاءه لعلي عبدالله صالح.. فهو من وجهة نظره انتشله من رتابة وروتين الحياة المملة التي يعيشها غالبية ضابط الجيش اليمني المغمورين والمهمشين عمداً أو سهواً.. لكن صالح لم يستمر طويلاً على رأس السلطة، ليتسلم هادي مقاليد الحكم على أساس المبادرة الخليجية-.. ولم يكن قرار هادي بتعيين الصبيحي قائداً للمنطقة العسكرية الرابعة ومقر قيادتها في عدن على خلفية ما عرف بهيكلة الجيش، سوى تحصيل حاصل، فمركز الصبيحي وخبرته ومكانته تخوله للقيام بالمهمة الجديدة، وبالتالي فإن رهان «هادي» على الاستئثار بولاء قائد المنطقة الرابعة كان منذ البداية محل شك..
قد يتساءل البعض عن سر الحماس الشديد للواء الصبيحي خلال الحرب التي شنها هادي والجيش على القاعدة في شبوة وأبين، حيث كان الصبيحي في طليعة المقاتلين متنقلاً من جبهة إلى جبهة ومن ثكنة إلى أخرى، مما جعل الكثيرين ومن بينهم الرئيس هادي نفسه، يشعرون أن الصبيحي شديد الولاء لرئيسه الجديد، ومستعد بالتضحية من أجل أن يعود له بالنصر في هذه المعركة الصعبة والمعقدة.. لدرجة أن الصبيحي تعرض خلال هذه المواجهات لعدة محاولات اغتيال نجا من أحدها بأعجوبة وقتل عدد من مرافقيه..
مصادر استخبارية أشارت إلى أن الصبيحي كان على تواصل مع إدارة مكافحة الإرهاب في السفارة الأمريكية، ومع السفير الأمريكي نفسه، لذا فإنه كان معنياً بصفة شخصية لإنجاح الحرب على القاعدة في ابين وشبوة، ولم يكن الأمر متعلقاً بالولاء لهادي كقائد أعلى للقوات المسلحة، وأن هادي كان يدرك ذلك لكنه لم يكن يعلم ما إذا بقي الصبيحي على صلة بسلفه «صالح» أم لا..
وتفيد مصادر أخرى أن الحوثيين تواصلوا مع الصبيحي منذ وقت مبكر، وخصوصاً منذ النجاحات الميدانية التي حققها على جبهات الحرب ضد القاعدة، لكن هذه المصادر ليست متأكدة ما إذا كان هذا التواصل قد حدث بطريقة مباشرة، أم عبر رئيس المؤتمر صالح..
وعندما تم تعيينه وزيراً للدفاع لم يكن الأمر أكثر من مجرد تحصيل حاصل كما حصل سابقه في تغيير قائد للمنطقة الرابعة.