لماذا رفضت السعودية التفاوض مع “صالح” بعد ساعات من خطابه..؟ وهل عرض “صالح” دليل قوة أم ضعف؟ وهل ستغير السعودية وجهة نظرها..؟
12 يناير، 2016
5٬120 10 دقائق
يمنات – رأي اليوم
بات الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح يحتل العناوين الرئيسية في الصحف العربية هذه الأيام، أكثر مما كان عليه حاله عندما كان يتربع على كرسي العرش في اليمن، طوال ثلاثين عاما من الحكم الاوتوقراطي المتواصل، فتصريحاته ومقابلاته التلفزيونية لم تعد تحظى باهتمام اليمنيين فقط، وانما دول منطقة الشرق الاوسط والخليج العربي خصوصا.
الرئيس صالح الذي كان حتى عام 2011، الذي اندلعت فيه الثورة اليمنية المطالبة بتنحيه عن الحكم، الحليف الاوثق للمملكة العربية السعودية، والصديق الاقرب للعاهل السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز، تحول الى احد اشد الاشخاص عداوة للمملكة بدخوله في تحالف مع تيار انصار الله الحوثي، الذي حاربهم ست مرات بدعم من السعودية، ولم يستطع هزيمتهم والقضاء عليهم.
احدث مفاجآت الرئيس صالح فجرها مساء السبت امام اللجنة العامة لحزب المؤتمر الشعبي العام الذي يترأسه، عندما قال “اذا لم يتم الحوار المباشر بيننا وبين المملكة العربية السعودية فلا حوار مع المرتزقة ولا حوار مع الفارين”، في اشارة الى الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته، علما ان الرئيس هادي عاد الى مدينة عدن، بينما انتقل نائبه، ورئيس حكومته خالد بحاح الى مأرب في ظل خلاف متصاعد بينهما، واشترط الرئيس السابق صالح “وقف اطلاق النار والغارات الجوية للذهاب الى الحوار مع المملكة وليس مع وفد الفارين والنازحين والمتسولين”.
الرفض السعودي لهذا الطلب جاء سريعا، وعلى لسان العميد ركن احمد عسيري المتحدث باسم “عاصفة الحزم”، حيث اكد انه لا يمكن ان تقبل السعودية على الاطلاق بالتفاوض مباشرة مع صالح او ميليشيات الحوثي، وهو رفض متوقع على اي حال، ولكن ربما تتغير الظروف وموازين القوة على الارض لاحقا مع اطالة امد الحرب في اليمن.
الموقف السعودي ربما يكون مفهوما، لو ان المملكة العربية السعودية تخوض حربا بالوكالة في اليمن، وتعتمد فقط على حلفائها، ولكن طالما انها باتت طرفا رئيسيا في هذه الحرب وتوجد لها قوات على الارض، وطائرات تجوب السماء اليمنية ليل نهار، وتقصف اهدافا هنا وهناك، وتفرض حصارا بريا وجويا وبحريا على البلاد، فإن طلب التفاوض معها مباشرة، ليس عبر حليفها الرئيس هادي، ينطوي على وجهة نظر مقبولة.
الولايات المتحدة ظلت ترفض الحوار مع حركة طالبان الافغانية لاكثر من عشر سنوات باعتبارها حركة ارهابية في نظرها، وها هي تتفاوض معها حاليا وهي التي اطاحت بحكمها عام 2001، فهل ستنتظر الحكومة السعودية عشر سنوات او اكثر للتفاوض بشكل مباشر مع التحالف “الحوثي الصالحي”.
جولات المفاوضات الاولى والثانية بين وفد “الشرعية” الذي يمثل حكومة الرئيس هادي، والتحالف الحوثي الصالحي انهارت، وانهار معها كل اتفاقات وقف اطلاق النار، والجولة الجديدة التي كانت مقررة بعد اربعة ايام (الجمعة المقبل) في سويسرا بدعوة من الامم المتحدة تأجلت، ودون تحديد اي موعد جديد، والمعارك على جبهات القتال ما زالت تراوح مكانها، حيث عجزت الاطراف المتحاربة على حسمها لصالح اي منها.
اطالة امد الحرب في اليمن يصب في مصلحة التحالف “الحوثي الصالحي” في المستقبل المنظور، لان هذا التحالف امتص الصدمة، واظهر نفسه امام العالم، او معظمه، بمظهر الضحية المعتدى عليه، مضافا الى ذلك ان هذه الحرب تكلف الخزينة السعودية حوالي مليار دولار شهريا على الاقل، اي ان حجم تكاليفها وصل الى عشرة مليارات حتى الآن، وهناك من يقول ان الرقم الحقيقي اكبر من هذا التقدير بمقدار الضعفين.
القيادة السعودية لا تثق بالرئيس صالح الذي تعتقد انه مراوغ لا يمكن الوثوق به، وانه طعنها في الظهر، وهذا ينطوي على بعض الصحة، ولكن المفاوضات تكون عادة بين الخصوم، وليس بين الاصدقاء او الحلفاء، والمبدأ المتفق عليه هو ان الحروب خدعة، والحرب اليمنية ليس استثناء.
السلطات السعودية هي التي تدير دفة المفاوضات اليمنية حاليا، وهي التي تضع الاجندات والشروط، وان كانت هذه الادارة غير مباشرة، ولا نستبعد ان يأتي اليوم الذي تجلس فيه وجها لوجه مع التحالف “الحوثي الصالحي” في مفاوضات تؤدي الى انقاذ الطرفين، والشعب اليمني من نيران هذه الحرب، التي اودت حتى الآن بحياة عشرة آلاف يمني، ودمرت بلدا لم يكن فيه ما يمكن تدميره في الأساس.