تسارع “روسيا وإيران ونظام الأسد والميليشيات الشيعية” الزمن، لخلق مسرح عمليات عسكرية جديد يفرض خارطة سياسية مرسومة بدقة لمستقبل سوريا، تقوم على تهميش ممنهج لدور المعارضة السورية، وإعادة تمكين نظام الأسد بهياكله ومؤسساته وشبكة حلفائه، و هو ما تم كشفه مؤخراً عبر الوثيقة الأمريكية المسربة، والموقف الأمريكي عن دعم أمريكي كبير للخطة (الروسية – الإيرانية) بشكل غير مسبوق، بالصمت على المجازر والتجويع واستهداف المعارضة وتصفيتها والتعتيم على مصير الأسد، وبلع الانتهاكات الإيرانية برغم إمكانية ردع إيران بأوراق أمريكية عديدة، في تخل واضح عن أمن الخليج، بحسب مراقبين.
و في الوقت الذي يجري التحضير للمفاوضات السرية المرتقبة بعد أسبوعين، والتي تتطلب إجراءات بناء الثقة، ترتفع على العكس وتيرة التصعيد العسكري للنظام لحصد مناطق استراتيجية، ورسم خريطة تقسيم سوريا حسب خريطة حلفاء الأسد، مع تعنت شديد إزاء وفد المعارضة المشارك وتصنيفه، بالتزامن مع تلويح روسي بالخروج الآمن للأسد، أو إعادة تنصيبه إذا فاز بالانتخابات، بما يكشف استمرار التلاعب الأمريكي الروسي بورقة “بشار – داعش”.
الأمر إذن يتطلب تحركًا سريعًا من قبل المحور السني الداعم للمعارضة السورية، لدعمها سياسيًا وعسكريًا، إلا أن هناك مؤشرات على محاولة إنهاك السعودية بالجبهة اليمنية كلما اقترب موعد المفاوضات السورية، وأمس تعرضت تركيا لهجوم إرهابي لا يستبعد كونه يستهدف محاصرة تركيا وإنهاكها، وتهميش دورها بالملف السوري.
دعم أمريكي للخطة الروسية
التمكين “الإيراني – الروسي” من سوريا يحظى بدعم أمريكي، حيث قال رياض حجاب، منسق المعارضة السورية للمفاوضات مع نظام الأسد، أمس الثلاثاء: إن “الولايات المتحدة تراجعت عن موقفها بشأن سوريا، بما في ذلك مستقبل رأس النظام بشار الأسد، لاسترضاء روسيا”، محذراً من أن “المعارضة ستواجه خياراً صعباً بشأن إمكانية المشاركة في محادثات السلام المنتظرة هذا الشهر”.
وأضاف “حجاب” أن “الخلافات لا تزال قائمة مع النظام والأمم المتحدة بشأن جدول أعمال المحادثات”، وتابع: “لم يذكر الروس ولا الأمريكيون الأسد (خلال المفاوضات)، ولم يتحدثوا عن رحيله، وهذا تراجع واضح، وحتى عندما قال أوباما إن الأسد ليس له شرعية كان كيري يقدم تنازلات.. إذا لم يجر الإعداد بشكل جيد للمفاوضات فسوف تفشل”.
وتسعى روسيا لضمان بقاء رأس النظام بشار الأسد، في السلطة عامين إضافيين، من خلال تمرير قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، الذي وضع خارطة طريق لـ”الحل السياسي” في سوريا، مع ميوعة وقف إطلاق النار وضماناته لتصفية المعارضة السورية وفصائلها، ومحاولة ضم أسماء مقربة من روسيا والأسد، إلى وفد المعارضة الذي سيفاوض وفداً للنظام.
معادلة عسكرية جديدة
نظام بشار بدعم روسي يشكل خريطة عسكرية جديدة، وتقدم استراتيجي قبيل بدء التفاوض برضا أمريكي، ليؤكد مقولة أن “العراق لأمريكا وروسيا لسوريا”، حيث تقدمت قوات النظام السوري مدعومة بميليشيات عراقية وحزب الله في جبهات الساحل، وتمكنت من السيطرة على مناطق وتلال مهمة في محيط مصيف سلمى، في جبل الأكراد بريف اللاذقية، كما تمكنت من التقدم باتجاه البلدة الاستراتيجية من أكثر من محور.
وسيطرت القوات المتحالفة مع النظام السوري على قرية ترتياح وقلعة كفردلبة، بغطاء جوي روسي، رافقه قصف مدفعي وصاروخي استهدف مواقع الثوار، انطلاقًا من مراصد النظام المنتشرة في محيط مصيف سلمى، مثل مرصد جبل دورين وكتف صهيون وانباتة وبارودا وتلا، لتنتقل المعارك إلى مداخل سلمى، التي تعد أهم موقع للثوار في جبل التركمان بريف اللاذقية، وذلك إثر عمليات عسكرية مستمرة منذ أكثر من ثلاثة أشهر.
ويعتبر دخول ميليشيات النظام إلى سلمى التي تلّقب ببلد “المليون برميل” (لكثرة قصفها)، هو الأول لها منذ أكثر من ثلاث سنوات ماضية، رغم عشرات المحاولات السابقة التي شنتها قوات النظام بمفردها.
وأشارت مصادر إلى أن أمس الثلاثاء، شهد تصعيدًا عنيفًا وتحليق مكثف للطيران الحربي الروسي في أجواء ريف إدلب وحلب الجنوبي والغربي، إضافة إلى أرياف حمص الشمالي وسهل الغاب في حماة، ومدن على الحدود التركية السورية.
انسحاب أمريكي
وبينما تهمين روسيا على سماء سوريا والمفاوضات، يعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما ضمنيًا الانسحاب من الملف السوري، في مؤشر على وجود صفقات بينهما حول تقاسم النفوذ في الشرق الأوسط، فقد صرح أوباما أمام الكونجرس : بأنه “لا يجب التدخل في كل بلد ينهار، وعلينا أخذ العبرة من فيتنام والعراق، إلا لحماية مصالحنا”، في إشارة إلى سوريا.
لقاء الكبار والتفاهمات غير المعلنة بينهم تحدد مصير سوريا، حيث يلتقي مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، ستافان دي ميستورا، اليوم الأربعاء، في مقر الأمم المتحدة بجنيف، مندوبي الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي. ومن المتوقع أن يلتقي دي ميستورا مع مبعوثين كبار من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا اليوم، في مدينة جنيف السويسرية.
ورقة الأسد
قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس، إن روسيا على استعداد لمنح رئيس النظام السوري، بشار الأسد، اللجوء إذا اضطر إلى مغادرة البلد، وفي مقابله له، استدرك بالقول إنه من السابق لأوانه الحديث عما إذا كانت روسيا ستؤوي الأسد، مرجحًا أن يكون الأمر مؤجلًا إلى ما بعد الانتخابات، وإذا ما خسر الأسد فيها.
وتصر روسيا على التلاعب بورقة الأسد لأطول فترة ممكنة، حيث خرج بيان فيينا الأخير دون تحديد مصيره، إلا أن تصريحات “بوتين” تشير إلى أنها ستمنحه خروجًا آمنًا باللجوء إليها، وتهدد بإمكانية إعادة تنصيبه واستمراره بالسلطة عبر بوابة الانتخابات لرفع كلفة تنحيه، وكشفت وثيقة أمريكية مسربة أن الأسد باق حتى مارس 2017 أي لفترة 15 شهرا قادمة.
الأمر الذي يعكس إصرار (أمريكي – روسي) على بقاء الأسد، مما يهدد بفشل المفاوضات ودخول سوريا بسيناريو الدولة الفاشلة، سواء بقي الأسد 15 شهرًا فقط أو أعيد انتخابه، لأن روسيا تصر على إحلال الدولة العميقة ورجال الأسد محله، وإعادة هيكلة الجيش والمؤسسات الأمنية تحت الهيمنة الروسية، مع ترجيح خطة التقسيم بالنهاية، ولكن بعد اكتمال بنك الأهداف الروسية على دماء وجثث السوريين.