لم أكن أعلم إنك سابق بالرحيل، ولاسيما أنك كنت تلح النصيحة بالحذر والحفاظ على حياتي من أجلكم، ولكن كان للأقدار قرارها في غفلة منّا، وقضي الأمر من غير سؤال..
هي الأقدار يا رفيقي لا تسأل ولا تستشر من تبقي ومن تأخذ على عجل، وإن فاضلت يوما بين الناس تحسن اختيار الأكثر نقاء وحبا وطيبة وكنت أنت بلا منازع.
لقد اكتشفت اليوم في عزاك يا صديقي إن البكاء حرية فاتنا النضال من أجلها وكانت تستحق..
أعذرني وأغفر لي يا صديقي فقد اكتشفت اليوم أنني صرت سجانا وجلاد.. اكتشفت هذا وأنا أغالب حزني الكبير وأحبس دموعي وأقمع بكائي بسطوة وطغيان.
ابني العزيز سميح.. نحن في مجتمع يُحرِّم بكاءنا على من نحب حتى وإن كان فراقه أبد.. نحن في مجتمع عيونه ومقاله يهين الرجل الذي يبكي أمام الناس لأي سبب..
في قاعة عزاك يا صديقي كنت أريد أن أنفجر بالبكاء.. كنت أحدّق أبحث عن مكان اذهب إليه بعيداً عن الناس وأنفجر بالبكاء حد الأعياء، ولكن لم تسعفنِ اللحظة ولم يسعفنِ المكان.
ابني العزيز سميح.. لقد اكتشفت يوم رحيلك إنه من الصعب أن نصدق فراق وموت من نحب، وعندما نستوعب صدمة فراق الأبد ونقر بمرارة الحقيقة نريد أن نجهش في البكاء.. بكاء حتى الأعياء..
في قاعة عزاك يا رفيقي سميح وددت أن أنفجر بالبكاء أمام الجميع.. كنت أختنق وأنا أداري بكائي عن عيون الناس.. كنت أرمق اخوانك ووالدك من بعيد أبحث في ملامحهم عن تفاصيلك لعلني أعيدك للحياة ، وغصة فراقك تذبحني بساطور قصاب..
تمردت دموعي وأغرقت عيوني وثارت.. حاولت بلياقة بلهاء أن أداريها وأمسحها ولم أحسن التمثيل.. أعذرني يا صديقي فنحن الحالمين لا نجيد التمثيل..
أعذرني وأغفر لي يا صديقي .. لقد تحولت اليوم إلى مستبد بلغ الطغيان فيه حده..
لقد قمعت بكائي حتى لا يسخر الناس مني ولا بأس أن ظنّوا إنني مصنوع من حجر الصوان..
أكتشفت يا صديقي أن لدي طاقة كبيرة جدا للبكاء المرير.. ولكن للمجتمع يا صديقي قوانينه الصارمة .. قوانين يحتاج أن نناضل لهدمها أو ردمها سنوات طوال وأحيانا حقباً وردحاً من زمان..
نعم يا صديقي ولك أعترف.. كنت أنانيا ومستبد وأنا أحبس بكائي في محبس من حديد و أحوّله إلى نشيج مكتوم وتنهُّدات ثكلى في مخزن أعماقي.. ولكن ثمة دموع رفضت أن تستسلم لقمعي فساحت وتمردت وثارت..
أعذرني يا صديقي أنني أنشغلت بمغالبة حزني وبكائي ودموعي ولم أقرأ في عزاك سورة الفاتحة..
من حائط الكاتب على الفيسبوك