الرأسمالية العالمية وهي تبسط يدها على كل العالم بأدواتها المادية والاستهلاكية انكمش معها مفهوم الزمن والمكان وتكثفت العلاقات والتفاعلات بين الافراد والجماعات، بين الحضارات والثقافات. و مع ذلك بقى اكثر من نصف العالم في حياته اليومية خارج مظاهر تلك الرأسمالية..
و وفقا لذلك لاتزال بأدواتها المتوحشة تقضم كل مظاهر الانسان و فضائله لتحوله بصورة كاملة الى سلعة او شيء لامجال فيه للأنسنة ومنظومتها القيمية والتعبيرية .. و هو ما يظهر واضحا من واقع الانسان خارج المركز الغربي خاصة في افريقيا والوطن العربي وامريكا اللاتينية.
نحن العرب تحولت اوطاننا الى مسرح لمعاركها وصراعاتها وجعلت من النخب الحكومية والحزبية والجهوية بيادق تحركها وفقا لأجندتها في تعميم الفوضى و الإحتراب الاهلي، و خلقت وعيا زائفا لدى هذه النخب تمثل في قناعاتهم انهم احرار في اختياراتهم، و هو امر كاذب. فهذه الرأسمالية المتوحشة لاتدع الحريات دون قيود، و نحن لا نتمكن حتى من اختيار معجون الاسنان لأن شركاتها الاعلامية هي التي تقول لنا ما هو المعجون الافضل والاجمل، ناهيك عن تفضيلات السياسات الاقتصادية و الممارسات الانتخابية.
هكذا يرسم الكارتل الصناعي (الامريكي – الغربي ) مظاهر الفوضى في بلداننا حتى من خلال الجماعات و القيادات التي تنتمي بوعيها و ثقافتها لمرحلة سابقة للرأسمالية وللحداثة .. فهذا لا يهمهم، بل استطاعت الرأسمالية ان تستفيد من دراسات الانتربولوجيا لتجعل منها معلومات صانعة لقراراتها تجاه مجتمعات لا تزال العصبوية الدينية و الجهوية ناظمة لسلوك و تفاعلات الغالبية من السكان او انها قادرة على اعادة انتاج صراعات بمبررات و نماذج ماضوية و يتم الاقتتال على اساسها وتحت راياتها.
صفوة القول .. التنظيمات القومية و اليسارية والإسلاموية لم تتمكن من تحقيق استقلال و نهضة اقتصادية لأنها اغفلت اهمية التعليم و التنوير الثقافي، بل و شوهت مؤسساته و مناهجه و لم تستطع ان تكون ديمقراطية حتى بصورتها الناشئة؛ لذا كان التسلط و الشمولية في الداخل مع الارتهان للخارج و تصعيد القوى التقليدية و رموز الجهل ليكونوا في دوائر القرار السياسي.
صحيح ان الخارج الدولي يتدخل لتحقيق مصالحه في ارجاء المعمورة، لكن الصحيح ايضا ان النخب البائسة فكرا و معرفة والتي لا تمتلك ارادة وطنية رهنت قرارها و بلادها و كرامتها للخارج لأنه يمنحها مشروعية لأنها تفتقدها في الداخل.
من هنا نفهم عدوان الحكومات والانظمة والاحزاب والمليشيات على شعوبها في حروب العبث السياسي التي اعقبت ما كنا نسميه ربيعا ثوريا..؟