الحوثيون والمملكة في الكويت .. ما بين الاحتواء والتحييد
23 أبريل، 2016
787 11 دقائق
يمنات
علي البخيتي
انطلق حوار الكويت بين الأطراف اليمنية، ومن المؤمل أن تتجاوز نتائجه فتح مسار التسوية السياسية في اليمن من جديد، الى فتح مسار جديد في العلاقات بين حركة أنصار الله (الحوثيين) في اليمن ودول مجلس التعاون الخليجي، وهذا المسار ما هو الا امتداد – علني – لحوار مدينة ظهران الجنوب السعودية –السري – بين المملكة والحوثيين، الذين ترأس وفدهم المتحدث باسم الحركة محمد عبدالسلام، وأسفر الى جانب التفاهمات السعودية الحوثية المتعلقة بالمواجهات الحدودية وقضايا أخرى لم يكشف النقاب عنها بعد، الى تفاهمات لوقف اطلاق النار بين الأطراف اليمنية في عدة جبهات.
***
السعودية تسعى الى احتواء الحوثيين، وهم يسعون الى تحييدها عن الصراع الداخلي، وكل طرف ينظر الى التفاهمات من زاويته، لكن التسوية بين الجانبين ايجابية لكل اليمنيين، لأنها المفتاح لحل الأزمة اليمنية برمتها، فمشكلة الرياض في صعدة، وليست في عدن أو في العاصمة صنعاء، مشكلتها تكمن في جماعة مسلحة قوية تربض على حدودها الجنوبية، لها علاقات مفترضة وتحالف مع ايران، وشعارات ثورية لا أفق واضح أو جغرافيا تحدها، ومشكلة الحوثيين في التدخل السعودي، الذي دعم ومول الحروب الست التي قام بها الرئيس السابق صالح وشركائه الإخوان المسلمون ضدهم، إضافة الى عشرات الحروب المحلية التي دعمتها الرياض، وأخيراً الحرب الكبرى الأخيرة ان جاز تسميتها بذلك، إضافة الى حملة نشر الوهابية والإخوانية على حد سواء – قبل أن تدرك المملكة مخاطر الأخيرة عليها وتصنفها كجماعة إرهابية – في المناطق الزيدية، في مسعى منهجي ومدروس استمر لأكثر من 40 عاماً بهدف القضاء عليه، وكاد أن يُنهي وجود الزيدية كمذهب، لولا ظهور حركة الشباب المؤمن الاحيائية له، والتي تطورت الى حركة الحوثيين العسكرية، مدفوعة بتعامل النظام القاسي والحروب التي شنها على رموز تلك الحركة، وكانت قضية وحروب صعدة بل وحركة الحوثيين بكاملها احدى نتائج وتجليات سياسة العبث في الخارطة المذهبية اليمنية الذي مارسته السعودية وحلفائها –قبليين وعسكريين ودينيين – داخل اليمن خلال عقود، إضافة الى النظام الذي حكم خلال تلك الحقبة.
***
من خلال قراءة أولية للتفاهمات الموقعة بين الحوثيين وخصومهم اليمنيين في مدينة ظهران الجنوب يتضح أن السعودية قدمت نفسها كوسيط، وان كان وسيط يحمل عصى غليظة، لكن الطرفان أكدا في الأوراق الموقعة على أن المملكة راعية للمحادثات، وأشادا بدورها الإيجابي في تقريب وجهات النظر، وهذا تأسسي لدور سعودي قادم في محادثات الكويت، واستعادة لدور تاريخي قامت به المملكة أثناء حرب الملكيين والجمهوريين، مع أنها كانت داعمة للملكيين وقتها، الذين يمثلهم اليوم الحوثيون، وهنا تكمن المفارقة، لكنها وبعد تمويلها للحرب الى جانبهم لعدة سنوات في ستينات القرن الماضي احتوت خصومهم الجمهوريين، وسعت لصلح بين الجانبين أفضى الى تسوية سياسية أوقفت الحرب، وسلمت السلطة للجمهوريين الجدد، الذين احتوتهم المملكة، بعد أن أبعدتهم عن المد والشعارات الناصرية، مع احتفاظ الملكيين ببعض السلطة، التي سرعان ما أخرجوا منها، واستقر أغلبهم في المملكة منذ ستينات القرن الماضي حتى اليوم.
***
تملك الرياض الكثير من الأوراق داخل اليمن، وتحالفاتها عميقة ومخترقة للنسيج الاجتماعي اليمني، القبلي والديني وحتى العسكري والأمني بشكل كبير، يُصَعِب على أي طرف محلي مواجهتها دون جر البلد الى احتراب داخلي، وهذا ما حذرنا منه الحوثيين مراراً وتكراراً قبل أكثر من عامين من الآن، لكنهم لم يستوعبوا تلك الحقيقة الا مؤخراً، وكان ذلك الاستيعاب المتأخر جيداً على كل حال.
***
هناك وصاية سعودية على القرار اليمني منذ عقود، ومن حقنا التحرر منها، لكن ليس على طريقة أنصار الله الحوثيين، الذين حولوا الوصاية بالمال والتأثير والعلاقات الى ما يشبه الاحتلال العسكري المباشر عبر دبابات ومدرعات، بسبب انقلابهم على السلطة، واقصائهم للجميع، حيث لم يدرك الحوثيين أن الخروج من تلك الوصاية يحتاج الى مشروع وطني، وحد أدنى من التوافق بين أهم القوى السياسية، وعدة سنوات ان لم يكن عقد كامل، كما أن الخروج من الوصاية السعودية لا يعني مطلقاً معاداتها، ولا أن يتحول اليمن خنجراً في خاصرتها، بل يعني علاقات سوية وندية بيننا وبينها، مع تقدير اليمن لمكانتها كشقيقة كبرى لها تأثير، ويجب احترامها، كما يجب تقدير مخاوفها الأمنية وتطمينها بشتى الوسائل الممكنة.
أتمنى أن يستغل أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام مؤتمر الحوار في الكويت، ويفتحوا على هامشه مزيد من الحوارات مع المملكة، وبقية دول الخليج، فلكل دولة مخاوفها الخاصة، وستكون حاضرة عبر سفيرها في اليمن، ومن المهم الانفتاح على الجميع بما فيهم الامارات العربية المتحدة وقطر، إضافة الى دولة الكويت، البلد المستضيف، الذي لا يسعنا الا شكره، كنظام وكشعب على استضافته لأشقائه اليمنيين.