العرض في الرئيسةتحليلات
هل من سبيل لإرساء السلام في اليمن..؟
يمنات – صنعاء
سلطان بركات*
بعد عام على الحرب التي تشنها قوات التحالف بقيادة السعودية في اليمن، اجتمعت أطراف الصراع في الكويت (..) في أحدث المساعي لحلّ الأزمة. رغم بعض الخروقات المتفرقة، يبدو أنّ الهدنة الهشّة، التي توسّط فيها مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد والتي دخلت حيّز التنفيذ في 10 أبريل، ما زالت صامدة.
هذه أخبار سارة لليمنيين والمنطقة ككل، فعلى ما يبدو ثمة إدراك متزايد بأن استمرار العنف كوسيلة لتحقيق أهداف سياسية في اليمن لا يجدي نفعاً.
رغم غياب التقدم، إنّ إجراء المحادثات خارج الرياض يُعتبر بحدّ ذاته تنازل إيجابي وخطوة مهمة من الجانب السعودي. و لكي تكون المحادثات فعالة، تحتاج المملكة العربية السعودية إلى مراجعة استراتيجيتها بشكلٍ كاملٍ الآن وقد فشلت حملتها العسكرية على مدى عام في حلّ الأزمة التي طال أمدها في اليمن.
علاوةً على ذلك، ومن أجل تحسين عمليات وقف إطلاق النار الفاشلة التي تمّت في يوليو وديسمبر 2015، يتعين على الوفود المشاركة في محادثات الكويت أن تأخذ بعين الاعتبار العوامل التالية التي قد توفّر أرضية مشتركة إلى حدّ ما يمكن الاعتماد عليها لإرساء سلام دائم في اليمن.
أزمة تضرّ بالطرفين
أولاً، تحوّل الصراع إلى أزمة تضرّ بالطرفين. يواجه اليمن اليوم كارثة إنسانية سيطارد شبحها المنطقة لسنوات عدة قادمة. فبالإضافة إلى سقوط 6,000 قتيل و30,000 جريج، لا يزال أكثر من 2,5 مليون شخصاً نازحين داخلياً ويعاني 14,4 مليون شخصاً انعدام الأمن الغذائي، حتى إنّ العديد من المحافظات أصبحت على شفير المجاعة.
معظم اليمنيين لا يستطيعون الحصول على المياه النظيفة والصرف الصحي الملائم. في غضون ذلك، مع وصول تكلفة الحملة العسكرية إلى نحو 200 مليون دولار يومياً، سيجد الائتلاف الذي يدعم الرئيس عبد ربه منصور هادي ضدّ الحوثيين صعوبةً متزايدة لاستمرارية الحملة نتيجة هبوط أسعار النفط.
بالإضافة إلى ذلك، من مصلحة المملكة العربية السعودية، بعد إعلانها عن رؤيتها التنموية للعام 2030، إنهاء حربها في اليمن في أسرع وقتٍ ممكن.
ثانياً، سيكون من المستحيل تقريباً تحقيق اتفاقية سلام في اليمن من دون نموذج مبتكر يكرّس تقاسم السلطة المحلية الشاملة من شأنه معالجة مخاوف الأطراف كافة.
يعتبر العديد من المراقبين الحرب في اليمن بشكلٍ خاطئ صراعاً بين التحالف بقيادة السعودية و الحوثيين، إلا أنها في الواقع مأزق متعدد الوجوه سقطت فيه مجموعة من الجهات الفاعلة المحلية والإقليمية والدولية، جميعها مسلحة لديها مصالح كبيرة ومتنافسة في مستقبل البلاد.
فشلت العملية الانتقالية السياسية التي أطلقها مجلس التعاون الخليجي في العام 2011 في دمج الأقسام الرئيسة من المجتمع اليمني ضمن عملية اتخاذ القرار، كتيار الحراك الجنوبي الانفصالي والحوثيين والشباب اليمني والمرأة اليمنية.
نتيجةً لذلك، اعتُبِرت حكومة هادي الانتقالية حكومة غير شرعية بشكلٍ متزايد ولا تمثل مطالب الشعب اليمني ومخاوفه.
اتفاقية تقاسم السلطة
إنّ بناء عملية صنع القرار تكون شاملة بالفعل من أجل متابعة ما بدأه مؤتمر الحوار الوطني هو أمرٌ أساسي للتوصل إلى أي اتفاقية تقاسم السلطة.
و في هذا الصدد، يواصل الحوثيون مهاجمة حكومة هادي، إذ يربطون هادي بفساد نظام صالح الذي زاد من حدة المشاكل السياسية في اليمن لعقود. لقد احتجوا على الطريقة الحصرية التي اعتمدها هادي للإشراف على العملية الانتقالية في اليمن، مما أدى إلى قرارات أحادية الجانب في ما يتعلق بمسائل وطنية مهمة وبوضع مسودة لدستور جديد وتطبيقه.
يبدو أن السعوديين أيضاً لا يثقون تماماً بهادي وحكومته؛ فاستناداً لحوار خاص مع عضو بارز في حكومة هادي، لم يوافق السعوديون بعد على الموازنة التشغيلية التي اقترحها لحكمه في عدن وفي مناطق أخرى.
كتسوية، لا بدّ أن يفكر السعوديون بالعمل مع الحوثيين للتوصل إلى تفاهم حول وقف الاعتداءات وحلّ الخلافات السياسية بانفتاح وتعقّل كالخلاف القائم حول الشخص الذي سيتولى القيادة. قد يكون ذلك نقطة التقاء أخرى تبرز بسرعة.
رابعاً، لا بدّ من إعادة النظر في مشروع تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم الذي أقره الرئيس هادي وتقييمه بدقة من أجل التوصل إلى اتفاق فعال حول تقاسم السلطة.
من دون التوصل إلى توافق حقيقي من فصائل كالحراك والحوثيين، ستهدد هذه القرارات أي آفاق لتحقيق سلام دائم في اليمن.
أحد أكبر المخاوف هو أنّ الفدرالية المطروحة قد تزيد من المطالبات الداعية إلى الانفصال في المستقبل.
من بين مؤيدي الحراك، تقول بعض الفصائل إنها لن توافق على أقل من الانفصال التام عن الجنوب، في حين رحّبت فصائل أخرى بخطة الفدراليات الستة كخطوة تجاه انفصال محتمل في المستقبل القريب.
منفذ إلى البحر
سيطر الخوف من الحصول على منفذ إلى البحر وامتلاك موارد طبيعية على الحوارات التي تناولت الحدود الإقليمية. ومن المفارقات، قد يكون هذا نقطة توحد الحوثيين واليمنيين الجنوبيين لا سيما وأن كلاهما يرفض النظام الفدرالي كما هو مقترح حالياً.
أخيراً، لقد عززت حرب اليمن وجود تنظيم القاعدة ومجموعات إرهابية أخرى، بما في ذلك الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش). يسيطر تنظيم القاعدة اليوم على مساحات واسعة من الأراضي وقد تغلغل في عمق تركيبة الدولة اليمنية، حتى أصبح شريكاً معترفاً به في جمع الضرائب محلياً وتخصيص النفقات المركزية ودفع الرواتب المحلية.
وبينما ينشغل أعداء تنظيم القاعدة و داعش – الحوثيون والائتلاف الذي تقوده المملكة العربية السعودية – بمقاتلة بعضهم بعضاً، تعمل المنظمات المتطرفة بحرية ومن دون أن تخشى العقاب. إن من مصلحة الأطراف المتوجهة إلى الكويت أن تضمن عدم استمرار الحال على ما هي عليه.
ستقدم محادثات السلام في الكويت للسعوديين فرصة لتقديم استراتيجية لوقف الاعتداءات في اليمن من دون الحاجة بالضرورة إلى التضحية بأهدافهم السياسية.
يستحق اليمن وشعبه أن يتم تحسين أوضاعهم الإنسانية والتوصل إلى اتفاق سلام يشجع على تشكيل نظام سياسي شامل في أقرب وقت ممكن.
من شأن الفشل في التوصل إلى ذلك أن يديم العجز الأخلاقي من جانب السعوديين وشركائهم في التحالف، ويهدد بزعزعة الاستقرار أكثر في اليمن وشبه الجزيرة العربية، مما يمكّن تنظيم القاعدة وداعش من الازدهار أكثر فأكثر.
*مدير الأبحاث بمركز بروكنجز الدوحة وزميل أول، قسم السياسات الخارجية، مركز سياسات الشرق الأوسط..