العرض في الرئيسةتحليلات
اردوغان يمهد لانقلاب جذري في سياسته ويخطط لاعادة العلاقات مع روسيا وسورية ومصر واسرائيل
يمنات – صنعاء
عبد الباري عطوان
لا يعرف الرئيس التركي رجب طيب اردوغان من اين تأتيه الضربات الموجعة هذه الايام، ففي الوقت الذي كان يتواجد في كينيا في اطار محاولاته لفتح اسواق جديدة لتجارة بلاده في القارة الافريقية تعويضا لخسائرها بسبب المقاطعة الروسية، يتبنى البرلمان الالماني وبالاجماع قرارا بالاعتراف بـ”الابادة التركية” لاكثر من مليون ارمني قبل مئة عام.
الرئيس اردوغان الذي استفاق لتوه من ازمة رحيل ذراعه الايمن ومهندس سياسته الخارجية السيد احمد داوود اوغلو، رئيس الوزراء صاحب نظرية “صفر مشاكل” مع الجيران، التي اوصلت تركيا الى ما وصلت اليه من مكانة اقتصادية، واخرى سياسية، هدد الخميس من نيروبي بأن القرار الالماني سيؤثر بشكل كبير على العلاقات بين المانيا وتركيا، وتوعد بأنه سيتخذ “الخطوات اللازمة” لدى عودته الى انقرة، اما وزير العدل التركي بكير بوزواغ فقال موجها حديثه للالمان “تحرقون اليهود ثم تتهمون الشعب التركي بالابادة”.
هذه الاتهامات الغاضبة التي تزامنت مع قرار الحكومة التركية سحب سفيرها من برلين للتشاور كانت من اجل امتصاص حالة من الغضب في اوساط الحزب الحاكم وانصاره، سرعان ما جرى استبدالها بلهجة تتسم بالمرونة، حيث اكد السيد بن علي يلدريم رئيس الوزراء ان المانيا “لا تزال حليفا اساسيا وان العلاقات بين البلدين ستستمر”.
***
مهمة رئيس الوزراء التركي الجديد يلدريم باتت محصورة في اطفاء الحرائق التي اشعل نيرانها الرئيس اردوغان طوال السنوات الخمس الماضية، واعادة ترميم الجسور مع دول الجوار التي انقطعت، واجراء مراجعات سياسية شاملة قد تتضمن “انقلابا” في مواقف تركيا في ملفات على درجة كبيرة من الخطورة مثل الملفين الروسي والسوري.
قد يتم تحويل احمد داوود اوغلو صاحب نظرية “صفر مشاكل” مع الجيران التي اوصلت تركيا الى ما وصلت اليه من ازدهار اقتصادي ومكانة قيادية سياسية، الذي استقال من كل مناصبه في الحكم ورئاسة الوزراء بسبب خلافاته مع الرئيس اردوغان، قد يتحول الى كبش فداء، وتحميله مسؤولية حالة الانهيار الحالية التي تعيشها تركيا.
السيد يلدريم الحليف الجديد المطيع للرئيس اردوغان كشف في خطابه، الذي ادلى به في البرلمان قبل اسبوع لشرح سياسة حكومته، عن بعض مؤشرات هذه التراجعات الجذرية عندما قال “انه يعي حقائق الوضع المضطرب الذي يحيط بتركيا، وان حكومته ستعمل على زيادة عدد الاصدقاء وتقليص الاعداء”، في عودة كلية الى سياسة خلفه اوغلو، ولكن دون ان يسميه، لكن النقطة الاهم في الخطاب التي توقف عندها المراقبون داخل تركيا وخارجها، قوله “ان اخواننا يقتلون منذ خمس سنوات في حرب عبثية في سورية” مشيرا الى ضرورة “وقف هذه الحرب”، دون ان يتطرق مطلقا الى شرط اسقاط النظام السوري.
وصف الحرب في سورية بـ “العبثية” انعطافة مهمة في السياسة التركية، وتخل واضح عن ارث خمس سنوات من دعم المعارضة السورية المسلحة للتعجيل بسقوط النظام، والمطالبة بمناطق عازلة، او حظر جوي داخل الاراضي السورية.
السيد نعمان كورتولموش نائب رئيس الوزراء، كان اكثر وضوحا من رئيسه، عندما قال في تصريحات صحافية “ان اصلاح العلاقات مع روسيا والعراق وسورية ومصر سيعود على انقرة بعوائد تجارية قيمتها 36 مليار دولار”، واضاف “انه لا يرى مانعا في عودة العلاقات الروسية الى سابق عهدها”.
وما يؤكد اقوال السيد كورتولموش هذه حول الرغبة في اعادة العلاقات مع روسيا اللهجة التصالحية التي عبر عنها الرئيس اردوغان قبل مغادرته الى نيروبي، وتراجع فيها عن اقواله التصعيدية حول احداث اسقاط الطائرة الروسية في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، “هذا الحادث خطأ في التقدير من الطيار التركي ويجب ان لا يفسد العلاقات بين البلدين الشخصية والحكومية”، وفسر مراقبون هذا التراجع بأنه قد يكون مقدمة لتقديم الاعتذار الذي تطالب به موسكو.
الرئيس اردوغان الذي يريد تغيير النظام في تركيا من برلماني الى رئاسي يحتاج الى اجراء تغييرات رئيسية في سياساته الداخلية والخارجية لانجاز هذا الهدف، ووضع مصالح تركيا وشعبها فوق كل اعتبار، واول خطوة في مسيرة المراجعات الاعتراف بالاخطاء والعمل على تصحيحها، فتركيا باتت بلا اصدقاء، في محيط شرق اوسطي ملتهب بالحروب، والاخطر من ذلك ان هؤلاء او معظمهم تحولوا الى اعداء بسبب السياسات والتحالفات الخاطئة طوال السنوات الخمس الماضية.
***
تركيا خسرت امريكا الحليف التاريخي، مثلما خسرت روسيا القوة العظمى البديلة، بقرار غير مدروس بإسقاط احدى طائراتها، ولم تكسب الاتحاد الاوروبي الذي يشكل العمود الفقري لحلف “الناتو”، العضو المؤسس فيه، وتخوض حربا في سورية، وتعيش سلاما باردا مع الجارين العراقي والايراني.
ولعل الخطر الاكبر الذي تواجهه تركيا الرئيس اردوغان هذه الايام هو الدعم الامريكي الروسي المشترك لعدوها الاشرس المتمثل في اكراد سورية، وجيش سورية الديمقراطي الذي يمثلهم، والذي بات على وشك اعلان حكم ذاتي مستقل في المناطق الكردية السورية الشمالية الممتدة على طول الحدود الجنوبية التركية.
الرئيس اردوغان اتخذ قرارا حكيما عندما رفض كل الضغوط الامريكية للتدخل بريا في الازمة السورية دعما للمعارضة السورية المسلحة وللقضاء على “الدولة الاسلامية” ولا نستغرب ان يجد نفسه مضطرا للتدخل هذه المرة لمنع قيام الكيان الكردي الجديد في سورية الذي سيكون مقدمة لكيان آخر مماثل في جنوب شرق تركيا.
من يقارن بوضع الرئيس اردوغان وبلاده قبل خمس سنوات، ووضعها الآن، يدرك جيدا حجم المأزق الكبير الذي يعيشه، ولذلك لا نستغرب عمليات التمهيد الاعلامية والسياسية التي تجري حاليا من قبل انصاره، وبينهم عرب، للتراجع عن السياسات والمواقف التي قادت تركيا الى هذا الوضع الخطير.
هل ستعطي مثل هذه المراجعات، او التراجعات، ثمارها المرجوة ام ان الوقت بات متأخرا؟
نترك الاجابة للايام او الشهور المقبلة، وما يمكن ان تشهده من تطورات ومفاجآت، ولكل حادث حديث.
المصدر : رأي اليوم