المستقبل مفرداته كثيرة.. الحرب ليست مشروع المستقبل المنشود.. إن كانت الحرب هي المفردة الأهم في الحاضر فقطعا ليس هي الأهم في المستقبل..
يجب أن نضع في حساباتنا أسوأ الاحتمالات.. وأسوأ الاحتمالات هي أن يفشل الجميع، والمؤشرات تؤكد مثل هذا الفشل.. فشلت القوى والأحزاب في التنمية، كما فشلت في بناء الدولة، وفشلت في بناء الديمقراطية، بل فشلت في كل شيء، حتى وجدنا أنفسنا في مرمى حرب كونية علينا وعلى شعبنا.. إنها المآل الكارثي الذي أوصلتنا إليه تلك القوى والأحزاب والنُخب المتسلطة على رقابنا ورقاب شعبنا.
في المحصلة وجدنا أن جميع القوى والأحزاب وصلت إلى الحكم وجرّبت السلطة وفشلت فشلا ذريعاً، وعلينا كان فشلها ناراً من جهنم وقاعاً من جحيم، غير أن الأسوأ الذي لا يُطاق أن تستمر تتحاصصنا كغنيمة، وتحكمنا بالفشل الذريع، بل وتريد في حال التمكن أن تحكمنا بالفشل إلى يوم القيامة.
نعم سيكون “الفشل الذريع” عنوان المرحلة القادمة إن سمحنا له بالمرور.. الفشل أكثر الاحتمالات الواردة أو المرشحة للصعود والتصدُّر والايقاع بنا في المستقبل في ظل غياب البديل.. ما المانع أن نعد أنفسنا لنكون نحن البديل المناسب لإخفاقات تكررت وفشل يعاد انتاجه للمرة الألف.. لا يمنع من ذلك إلا إن كنتم تريدون أن نهلك في مشروع موتكم ليخلي لكم الجو وتستمرون مع الفشل على حساب المستقبل وآمال لطالما صادرتموها وتريدون أن تصادروها إلى يوم القيامة.. أي أنانية مفرطة هذه التي تتلبسكم، وتريدون أن نهلك قبل أن يأتي فجر الغد.
كان بإمكاننا أن نكون بعض منكم لو سمعتم أو قبلتم لنا رأي أو مقال، فربما جنّبناكم وجنّبنا الوطن بعض كُلفة.. ولكن أول ما بدأتم تقوون انقلبتم على سلميتنا وعلى الوطن، وسقتموه بعجل وحمق إلى الهلاك الكبير وبأس المصير..
أنتم لا نحن من صنعتم هذا الواقع المدجج بالحرب والموت.. وجميعنا وشعبنا دفع الثمن الغالي غصبا وعنوة، لخطايا لم نكن شركاء في صنعها، بل كنّا الضحايا بامتياز..
كان بإمكاننا تجنيب الوطن هذه الحرب الضروس أو التقليل من كلفتها قبل أن تصير بكلفة وطن.. ولكن كان يعتقد البعض أن الحرب مفرج لأزمته وحلا لمشكلاته ومحلا يفشي فيها غليل أحقاده، وتضخّم البعض بغرور القوة فأسأ التقدير وحل فادح البلاء.. ثم يأتي جميعهم ليلقوا بلومهم علينا وعلى الضحايا الأبرياء..
ارتكبتم في الماضي والحاضر ما اشتهيتم، ولم تشركونا في أمر حتى في حدود تجنيب الوطن الويل أو الانزلاق إلى مهاوي الرّدى.. لم تشركونا إلا في دور الضحية، واليوم تقصونا بإصرار وتصرون على إغلاق كل الأبواب بوجه المستقبل، بل تريدون أن تلعبوا دور الإله، وفي أفضل الأحوال دور الكهنة تتقربون بنا إليه..
تريدون أن تقررون خياراتنا الراهنة، بل والمستقبلية.. وتريدون أن تقولون لنا؛ ماذا يجب أن نقول وماذا علينا أن نفعل.. تريدوننا بيدق فقط في ساحة حروبكم وأنتم وحدكم فقط من يأمر وينهي ويدير، وفي المقابل تعيثون فسادا وتنتهكون الحقوق حتى صيرتمونا ضحايا مرتين، ضحية حربكم وضحية فسادكم وانتهاكاتكم.. هذا ليس عدلا وليس من العدالة أن ندفع ثمن خطاياكم.. ليس عدلا أن تحددون أنتم أولوياتنا كما تشتهون، وتحرموننا من دورنا في المستقبل وحظنا فيه وفي النبوة.