قرأة تحليلية أولية في دلالات خروج بريطانيا من الاتحاد الاوربي
25 يونيو، 2016
388 8 دقائق
يمنات
د. فؤاد الصلاحي
القارة الاوربية تعاني من اهتزازات متعددة اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وامنيا ترتفع درجتها حينا وتنخفض حينا اخر وبفضل الليبرالية المنفتحة وحضور اليسار الاشتراكي يتم تطويع السياسات نحو الابعاد الاجتماعية التي تصب في مصلحة طبقة وسطى كبيرة وطبقة متوسطة فاعلة رغم السمة الاساسية للرأسمالية الغربية كونها رأسمالية متوحشة ذات ارث كولونيالي ..
ولانها قارة غنية وذات ارث تاريخي في الفكر السياسي الذي اسس للدولة والامة عبر مفاهيم الحكم المدني والعقد الاجتماعي والحريات الليبرالية المتعددة كما تجلت في كتابات جون لوك وروسو وهيجل وماركس ( الفكر الاشتراكي منبته اوربي ) وبروز احزاب ونقابات عمالية قوية كل ذلك اظهر دولا واقتصادا قويا في الخمسين عاما الاخيرة وقدرا كبيرا من الاستقرار ..
لكن هذا المسار من البناء السياسي الحداثي لم يمنع اروبا من تغييب عقلها في حربين كونيتين القت بمخاطرها على العالم اجمع ..
واليوم اوربا تشهد موجات من اللاجئيين وازمات اقتصادية تتفاوت درجاتها وحدتها ناهيك عن تزايد ظاهرة الهوليجنز في سياق مجتمعي وابتزاز سياسي سمح بظهور يمين متطرف مناهض للمهاجرين الى اوربا وبالتالي فان خروج بريطانيا من الاتحاد الاوربي سيكون له عواقب وخيمة على باقي الاتحاد وعلى بريطانيا نفسها بدءا من اعادة طلب اسكتلندا الاستفتاء لمطالبها بالاستقلال ومثلها اقليم كيبك في كندا واقليم كتالونيا في اسبانيا ثم تتدحرج كرة الثالج لتكبر مع قادم الايام.
لكن الاخطر من وجهة نظري هو ان السياسية عبر روافعها الحزبية اليمينية والسياقات المولدة للكراهية والعنصرية قد تؤسس لمرحلة فوز احزاب اليمين لتبداء اوربا مرحلة انظمة رافضة لاندماج المهاجرين مع ممارسات عملية عدائية هنا تظهر انظمة شمولية تختفي معها مكتسبات اوربا من الديمقراطية والمجتمع المدني الامر الذي يؤسس لنزاعات عميقة تشكل حروبا متعددة تشمل القارة الاوربية والسواحل الاخرى المطلة عليها في شمال وشرق المتوسط وربما يصل العداء نحو الصين التي تنافس اوربا وامريكا اقتصاديا ويزيد الامر في نزعات العداء نحو روسيا .وللعلم اوربا عرفت سابقا انظمة شمولية مدعومة بتطور اقتصادي ومفكرين وصحافة واحزاب برروا وشرعنوا للشمولية واقصاء بل واضطهاد الاخرين …
ازد على ذلك ان اوربا وامريكا فيها جماعات واحزاب يمينية علنية وجماعات سرية تعلي من العداء للاجانب وتمارس العنف بين الحين والاخر لكن الدولة الليبرالية وثقافة حقوق الانسان كما في فرنسا وكل اوربا تقلل من فاعلية تلك الجماعات والاحزاب ..
وهكذا لن تكون القارة العجوز في سنواتها القادمة افضل حالا ان لم تظهر سياسات وقيادات وحكومات تعلي من قيمة اوربا الموحدة بمظاهرها في العقلانية والليبرالية والديمقراطية ومن منظومتها الثقافية في المواطنة والحرية ..
صحيح ان مواقفها تجاه الخارج وازماته ضعيفة ودوها غير فاعل كما في ازمة اليمن وسوريا لانها تتاجر بهذه الازمات من ناحية وتنحني امام الحضور الامريكي من ناحية اخرى ..
ولاتهتم لامر الشعوب الفقيرة ولها علاقات قوية مع النظم اللاديمقراطية لكن اوربا الليبرالية افضل حضورا من اوربا الشمولية ذات اليمين السياسي وذات الامر ينطبق على امريكا التي اظهرت الحملات الانتخابية الراهنة قوة اليمين السياسي كافراد وقيادات واحزاب واظهرت القاعدة الاجتماعية لهذا التيار وما يتم ردعه وفرملته لصالح تيار ليبرالي يعزز من خطاب الحداثة والديمقراطية فاننا على وشك الدخول في مرحلة خطيرة من التطور السياسي يقود حتما الى انفجار كبير يصيب كل ارجاء المعمور وربما تخطط له الرأسمالية المتوحشة صاحية الكارتل الصناعي العسكري لجني محصوروافر من الارباح على جثث الضحايا من الشعوب ..؟