محمّد بن همام، “عملة صعبة في زمن صعب”، هكذا يصفه محبّوه. بالنسبة إليهم، هو الاستثنائي الذي يشقّ، بثقة، عباب البحر المفعم بتيّارات الزمان والمكان الجارفة؛ لا بعصا موسى، ولا بسحر فرعون، ولكن، بـ”مهنيّته، التي لم تلن له قناة في سبيل الحفاظ عليها، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، من خزائن اليمن”. خبير الاقتصاد الحضرمي أبى أن يحزم أمتعته ليغادر صنعاء، على إثر الحرب، إذ آثر البقاء، “حفاظاً على رغيف خبز المساكين، جنوباً وشمالاً”، كما يقول البعض، بعدما هرب كثيرون، وامتدّت أيادي آخرين إلى المال العام.
لست سارقاً
الرجل السبعيني، ذو القامة المتوسّطة، لا يركب السيّارات الفارهة، ولا يحبّذ مواكب الحراسات الأمنية المشدّدة. يرى فيه معاصروه رجلاً من جيل قد انقرض، جيل لديه من المروءة ما هو مفقود لدى جلّ السياسيّين اليمنيّين. ألقت عليه حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي فشلها، مؤخّراً، فجاء ردّه بعد أيّام، برسالة مطولة، مفادها: “لست سارقاً”. أما ردّ صندوق النقد الدولي فجاء منتصراً لمهنية الرجل، الذي ترك له “الحوثيّون” ملعبه، فمنحوه كافّة الصلاحيّات، وإن فضّلوا اللعب في مساحات مالية أخرى، بعيداً عن ساحته، أحياناً، تفادياً للانهيار التامّ.
السجّاد الأحمر
شخصية تجمع عليها أطراف النزاع اليمني، لمع اسمها، وذاع صيتها، خلال الفترة الأخيرة، كشخصية نزيهة ومحايدة، كانت تؤثر البقاء في الظلّ، دائماً، دون صخب أو ضجيج. تمكّن من الحفاظ على الإقتصاد اليمني من انهيار محقّق لسنوات، ففُرش له السجّاد الأحمر، واصطفّت له الجموع لتقديم التحية ورفع القبّعات. لكن ما لا يعرفه الناس عن قصّة السجاد الأحمر في صنعاء، هو أن المستقبلين لم يخرجوا بدوافع سياسية، مع أو ضدّ، بل خرجوا ردّاً لجميل بن همام، الذي اعتمد هيكلاً جديداً للترقيات والحوافز الإضافية ، شمل جميع موظّفي البنك، دون استثناء، بعد أن كانت خاضعة للمحسوبيّات، وللفساد الإداري.
غيل باوزير
محمّد عوض علي بن همام، من مواليد 1944م في مدينة غيل باوزير الساحلية، بحضرموت. نشأ وترعرع في منطقة تُسمّى دهبان، وهي معقل قبيلة آل بن همام المعروفة بالغيل، وتحديداً في بيت قديم يُعرف بـ”نقلة بن همام”، بناه جدّه لأمه، صالح محمّد بن همام. هناك كانت مرابع صباه، وهناك تفتّحت مداركه، حيث تلقّى تعليمه الأوّلي في “كتاتيب” المنطقة، التي كانت تدرّس علوم القرآن الكريم، إضافة إلى علوم الفقه والحساب، على يد شيوخ أجلّاء، دفعوا به لإتمام المرحلة الابتدائية في مدرسة المدينة، لينتقل، بعد ذلك، إلى المدرسة الوسطى التي يعادل منهاجها العملي مناهج المعاهد وكلّيّات المجتمع المتخصّصة، اليوم، إذ إنّها كانت فرعاً من مدرسة بخت الرضا في السودان، وأنشئت في إطار استراتيجية السلطنة القعيطية لتحديث نظام التعليم في حضرموت، بداية أربعينيّات القرن المنصرم.
الوسطى
تأثّرت شخصية بن همام بعدد من الأساتذة الذين درسوا له بالمدرسة الوسطى، والذين من بينهم، عبد الرحمن باوزير، سالم يعقوب، سعيد بافطيم، محمّد الحوري، فيصل بن شملان، هاشم سعد، سالم حبليل، سالم عبد العزيز.
ومن وسطى الغيل، سافر الشاب اليافع إلى مستعمرة عدن لإكمال تعليمه الثانوي، الذي أتمّه العام 1963، ليعود بعد ذلك إلى حضرموت، لأداء خدمة التدريس الإلزامي، فعمل مدرّساً في مدرسة الباغ الإعدادية الوسطى، بمدينة الشحر.
الجامعة الأمريكية
حصل بن همّام، منتصف الستينيّات، على منحة دراسية من حكومة السلطنة القعيطية، إلى الجامعة الأمريكية في بيروت، وتحديداً إلى كلّية التجارة وإدارة أعمال، التي حصل منها على درجة البكالوريوس، العام 1970م.
وفي بيروت، انفتحت أمام الطالب القادم من حضرموت أبواب علمية أخرى، عند دراسته للمناهج العلمية الأمريكية الحديثة، التي فتحت له آفاقاً واسعة نحو المستقبل، فكانت لمحاضرات البرفوسور مرمورا والبرفسورة ساندرا ريتشارد (أمريكيا الجنسية) تأثير كبير في تكوين شخصيّته المهنية، في مجال اختصاصه.
العودة لليمن
عاد خرّيج الجامعة الأمريكية في بيروت إلى اليمن العام 1970، ليلتحق بالعمل الوظيفي في مصرف اليمن، آنذاك، بوصفه كادراً مؤهّلاً يستحقّ وظيفة الدولة، التي تدرّج في سلّمها، من موظّف بسيط في دائرة البحوث، ثمّ مدير لدائرة البحوث، فوكيل للعمليّات الخارجية، العام 1990، ليتمّ اختياره لمنصب نائب محافظ البنك المركزي اليمني العام 2003، لسبع سنوات متتالية، قبل أن يتمّ تعيينه محافظاً للبنك، العام 2010.
دورات
وخلال مسيرته العملية، تلقّى بن همام العديد من الدورات المتخصّصة في علوم الإدارة المصرفية، ونظام المدفوعات والبرامج المالية، عبر صندوق النقد الدولي، في أمريكا واليابان ولبنان ومصر وتونس والكويت وليبيا، علاوة على دورات في دول عربية وأجنبية أخرى.
يوميّات وهوايات
من العمل إلى المنزل، ومن المنزل إلى المسجد، ثلاثة أماكن لا يخرج عنها البرنامج اليومي للرجل الأكثر صيتاً في اليمن. برنامج لا يخلو من تخصيص وقت للقراءة والاطلاع بين رفوف مكتبته الخاصّة. يعشق كرة القدم التي شُغف بها عندما كان لاعباً في نادي الشباب بمسقط رأسه، غيل باوزير، أمّا عشقه لكرة السلة فيعود لأيّام الدراسة الثانوية، في عدن.
القدوة
شكّلت شخصيّتا الراحلَين، فرج بن غانم، رئيس الوزراء اليمني الأسبق، وفيصل بن شملان، وزير النفط اليمني الأسبق، “أيقونة” قدوة في مسيرة الرجل الهمام، فبالرغم من أن الأوّل لم يكن مدرّساً له في “الوسطى”، كـ”شيخه” بن شملان، غير أنّه احتكّ ببن غانم بحكم علاقة العمل، والقرابة. واستلهم بن همام من حياة الرجلين صفات الصرامة والحزم، لا سيّما تجاه اتّخاذ القرارات المتعلّقة بالعمل، والتي لا تخلو من منعطفات، عادة ما تصطدم بها أمثال تلك الشخصيّات.
ولطالما حاول بن همام زراعة السنابل الخضر للسنوات العجاف، بيد أن فساد النظام في اليمن حال دون ذلك، في مجتمع تسوده ثقافة القبيلة التي تصدّ، غالباً، ثقافة السنابل.