عبد الباري طاهر: نحن أمام انقلابات وصراعات داخل رأس الحكم والمتصارعين يريدوا أن يكونوا الماضي والحاضر والمستقبل وخارطة الطريق لم ترفض وانما تتم حولها المساومات
يمنات
يدعو إلى وقف الحرب الداخلية و”العدوان على اليمن”. يرى في خارطة الطريق الأممية خطوة في اتجاه المستقبل، وأن أطراف الصراع لا ترفضها وإنما تساوم على مصالحها.
نقيب الصحافيين الأسبق، الكاتب عبد الباري طاهر، في حوار مع “العربي”، يسبر أغوار المشهد اليمني ومآلاته المستقبلية.
المبادرة التي قدمها المبعوث الأممي .. هل تمثل مخرجاً من الحالة المتردية لليمن؟
هذه المبادرة ليست جديدة، فهم يتفاوضون عليها منذ جنيف والكويت، وكانت هذه النقاط أساس التحاور، وكان يتم النقاش بدون أن تقدم مكتوبة، وبدون موافقة نهائية عليها، ثم اجتمعت الدول الأربع: بريطانيا، أمريكا، السعودية، الإمارات، وصاغت هذه الخطة و توافقت عليها، وقدمت إلى أطراف الحوار. لكن كل طرف يريد المطالب الخاصة به، ويغيب الشعب والأمن والاستقرار وحياة الناس وما يتعلق بالوطن وسيادته واستقلاله. علي عبد الله صالح يركز على المشاركة وعلى إسقاط العقوبات والحوثيين، يركزون على مشاركة وضمانات على عدم المساءلة. عبد ربه منصور هادي يريد ضمان منصبه وموقعه في رأس السلطة وعدم وجود نائب على حسابه. كل طرف من الأطراف عنده مطامحه ومطامعه الخاصة، ولكن المطالب العامة للحياة، للشعب، غير موجودة في أذهانهم، الخارطة هي طريق للخروج من الحالة التي تعيشها البلاد، وأهم شيء مسألة وقف الحرب وقف العدوان، ووجود توافق للحفاظ على كيان الدولة أو ما تبقى من كيان الدولة، الخطة ممتازة جداً ومهمة، وهي خطوة أولى باتجاه المسقبل، وأطراف الصراع لا يرفضونها مطلقاً، لكن فقط يريدون المساومة على ما يخصهم، كل طرف يريد أن يساوم على ما يضمن بقاءه ومشاركته.
لكن الرئيس هادي وحكومته يرون أن المبادرة لا تحقق سلاماً دائماً في اليمن؟
المصيبة الكبرى التي أسكتت الناس جميعاً وضغطت على ضمائرهم، وخلقت هذا الوضع المرعب هي الحرب، عندما تسكت المدافع يعود الناس إلى عقولهم، إلى ضمائرهم، وتطرح الأسئلة الأكثر أهمية وإلحاحاً. وهؤلاء لا يريدون وقف الحرب لأنهم يريدون أن يكونوا الماضي والحاضر والمستقبل، جميع أطراف الصراع طبعاً، وحديثهم عن الأفخاخ كلها أوهام، وليست مؤامرة، المبادرة نقاط محددة كل ما فيها هي مسألة وقف الحرب، ومسألة نزع السلاح ، ونحن نطمح أن يكون هذا البلد خالياً من السلاح، وأن يخرج المسلحون من المدن، لأن كل مشاكل اليمن مرتبطة بتفشي السلاح كالسرطان، فنحن في بلد بني فيه جيش ليس لحماية الوطن، وإنما لحماية الحكم، لحماية السلطة، ميليشيات لحماية النافذين، فالزبيري يقول “والجيش يحتل البلاد وما له… في غير أكواخ الفقير مقامُ”
يعني مقام الجيش على رؤوس الناس في المدن، بينما الجيش ينبغي أن يكون لحماية السيادة والاستقلال في مواقع أخرى، الآن العالم يقول لهم أخرجو الجيش الذي يقاتل الناس من المدن، هذا يعتبروه فخاً ومؤامرة؟!
لماذا لا تتوافق أطراف الصراع دون استدعاء الخارج؟
دائماً في تأريخ اليمن الطويل، من الرومان، إلى الفرس، إلى الأحباش، إلى الأتراك، إلى الهولنديين، إلى البريطانيين… دائماً البلد هذه صراعها الداخلي يستدعي الخارج.
في ظل الصراع القائم الذي تشهده البلاد تتداخل الطائفية والجهوية والمناطقية وتصفية الحسابات سياسية… إلخ، ما توصيفك لطبيعة الصراع القائم؟
البلد متنوعة متعددة، فيها عشائر، فيها قبائل، فيها أيضاً مراكز عديدة، ومراكز حضارية متعددة، ولا يوجد فيها مركز ثابت للحضارة، للحكم، للدولة، فتلاحظ معين في قرناو، سبأ في مأرب، حمير في ظفار، أيضاً حضرموت، والقراءة العصرية تلاحظ أن الأربعينات والخمسينات وجزءاً من الستينات، مجد عدن، بعدها تعز الحديدة، منذ الثمانينات إلى الآن، هذا التعدد والتنوع والتنقل في المراكز والتأثير من مكان إلى آخر مسألة إيجابية، لكن المأساة في اليمن أن الحكم فيها منذ أمد طويل وإلى الآن قائم على الغلبة والقهر، والغلبة والقهر تمتلكهما القوى الأكثر عصبية، الأكثر تخلفاً، الأكثر ارتهانا للسلاح، ومن هنا هذه القوى لا تريد حكماً مدنياً، ولا دولة مدنية، ولا دولة عصرية، واليمن لم تشهد دولة بالمعنى الحقيقي للكلمة إلا في الفترة الوجيزة أيام الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي، وكان الرجل همه الوحيد بناء الدولة، سالم ربيع علي في الجنوب أيضاً؛ كان همه دولة، والشخصيتان الوطنيتان، ربيع والحمدي، كانا يركزان على هذه المسألة، ويطمحان إلى بناء دولة مركزية عصرية وحديثة، هذه القوى التي جاءت بعد إبراهيم الحمدي هي نفي للدولة، لأن ارتباطها بالقبيلة وولاءها للقبيلة أكثر من ولائها للدولة، من هنا في الثلاثة والثلاثين سنة، بل فترة ما بعد الحمدي، الحاكم نفسه كان ولاؤه للقبيلة أكثر من ولائه للدولة، ويحتكم إلى القبيلة أكثر مما يحتكم إلى الدولة، ووضع أقدام القبيلة على رأس الدولة، ومن هنا تلاشت الدولة، نحن الآن أمام ميليشيات مسلحة تتقاتل، ولكن ليس في ذهنها بناء دولة حقيقية في اليمن.
فكرة التنوع التاريخية تستبعد وجود الصراع الطائفي وصراع الهويات؟ ألا ترى فيما يحدث اليوم عكس ذلك؟
الصراع الطائفي يستخدم سياسياً، ولكن نحن شعب تقاليده وقيمه تستبعد الصراعات الطائفية، الصراعات الجهوية هي التي تلعب دوراً أكثر، لكن الصراع الطائفي المغلف بلباس ديني ليس له إرث كبير يستند إليه.
ماذا عن الاستغلال لهذا الصراع على المستوى الإقليمي؟
إيران تلعب باليمن ورقة تكتيكية، لأن معركتها في العراق وسوريا، وأكثر في سوريا ولبنان، لكنها تستخدم اليمن لتحسين وضعها في مكان آخر. السعودية، اليمن بالنسبة لها مسألة استراتيجية، وهي خاصرتها الجنوبية، وهي أكثر اهتماماً باليمن، ولكن نظرتها إلى اليمن نظرة الأخ الأكبر الذي يريد أن يكون له الغلبة، ويكون له السيادة، ويكون له التدخل في كل شيء، ولا تهتم أيضاً بشؤون اليمنيين، تهتم بزبائنها من اليمنيين، وتركز عليهم، وتركز أن يكون النظام دائماً موالياً لها.
عودة إلى ما ذكرت عن دور الصراع الجهوي والهيمنة، في مؤتمر الحوار طُرحت الفيدرالية… فهل تمثل مخرجاً من التسلط بالغلبة؟
اليمن أضرت بها المركزية البليدة، خلال الثلث قرن الأخير تركزت الأمور كلها في صنعاء، وتركزت في قبيلة واحدة، الجيش قيادته أكثر من أربعة عشر ضابطاً كلهم من أسرة واحدة، المالية أصبحت تسيطر على كل مؤسسات الدولة، الخدمة المدنية كذلك تسيطر على الوظيفة العامة، وتلك مركزية بليدة خنقت البلد والتنوع وأضعفت مشاركة الناس. في مؤتمر الحوار طُرِحَتْ مسألة فيدرالية من إقليمين، الجنوب والشمال، وكان هذا المطلب فيه إنصاف للجنوب، لأن الجنوب كان مركزاً، وكان قوة، ودخل الوحدة على أساس شراكة، وبطريقة سلمية وطوعية، ومع ذلك ألغي المركز، وفرضت عليه أساليب في منتهى القسوة والجبروت، ألغي جيش الجنوب، تجربته، مؤسساته، الوظيفة العامة، كل المنجزات البسيطة والمتواضعة التي تحققت في 14 أكتوبر، المناطق الأخرى أيضاً محرومة من المشاركة، هذا أدى إلى أن تطرح الفيدرالية، كما أن هناك مسألة الأقاليم، وهي معمول بها في كثير من الدول، سويسرا فيها 12 إقليماً، اليمن كبير جداً، ويحتاج إلى التنوع واحترام التعدد، واحترام الخصوصية ومشاركة الناس، في مناطق مهملة بالمطلق، على سبيل المثال تهامة التي لم تشارك لا في الأمن ولا في الجيش ولا في الوظيفة ومقصاة، وكذلك حضرموت مركز مهم جداً، فوجود الأقاليم مهم جداً، وجود كيانين اتحاديين في الأساس، شمال وجنوب، ثم وجود أقاليم مسألة مهمة أيضاً.
مشروع الأقاليم الستّة ترفضه “أنصار الله”، ما مبرر ذلك؟
حب السيطرة، حب الغلبة والرغبة في استمرار النظام القديم، الذي ورثوه عن آبائهم وأجدادهم، يظنون أنه حق مطلق، فمن حق المناطق الأخرى أن يكون لديها أنظمتها وتشريعاتها وأمنها الخاص، طبيعة حكمها الخاص، الآن ثلثا العالم يحكم بالفيدرالية، فأنت في اليمن محتاج إلى أن يتشارك الناس.
أين دور النخب اليوم؟ ولماذا غاب صوتها وأين ذهبت الثورة السلمية؟
كانت هناك فرصة في اليمن أثناء الربيع العربي، في 11 فبراير نزل الشباب ومؤسسات المجتمع المدني، والتحقت الأحزاب، وكانت احتجاجات، وهي التي أسقطت النظام البليد والغبي، ولكن حصل انقلاب، انشقاق النظام على نفسه، والتحاق علي محسن ومجموعته، كان هو الانقلاب الأول على الثورة الشعبية السلمية، وجر البلد إلى مواجهات وإلى صراعات. وطبعاً كان هو صراع في رأس السلطة التي حكمت، سواء علي محسن أو أبناء الأحمر أو عبد ربه منصور لاحقاً، هؤلاء هم كانوا أقطاب الحكم الذين حكموا، فانشقوا على أنفسهم، ثم اقتسموا الحكم، في حكومة الوفاق أو النفاق، إقتسموا الحكم من جديد، لنجد أننا في نفس المشكلة، أتى الإنقلاب الثاني، الذي هو الانقلاب الثأري الإنتقامي، انقلاب علي عبد الله صالح و”أنصار الله”، وكان أكثر دموية وبشاعة وفساداً، واستعادوا النظام القديم، وفقط ألغوا الأطراف المشاركة، والأطراف المشاركة أصبحوا شرعية، لأن عبد ربه انتخب انتخاباً، ويمثل بالفعل شرعية، لكن هذه الشرعية ليست تفويضاً إلهياً، الذين لديهم تفويض إلهي يقولون هم “أنصار الله”، وعلي عبد الله صالح حقه أخذها بالمسدس كما يقول، لكن عبد ربه انتخبه الناس، هذا الانتخاب هو إعطاء ثقة، لكن هذه الثقة ليست مطلقة، لازم ترتبط بأداء وبأمانة وبإنجاز، إذا لم يتحقق فلا توجد شرعية إلى الأبد.
ما مستقبل التحالف بين “حزب المؤتمر” وجماعة “أنصار الله”؟
يقولون إن الخلطاء “ليبغي بعضهم على بعض”، وهؤلاء اتفقوا على باطل، وسيختلفون على باطل وينقسمون، وملامح الانقسام واضحة الآن.
وماذا عن تحالف الأطراف الأخرى: عبد ربه و”الاصلاح” مع السعودية؟
لن يعود كل شيء كما كان، لازم أي مصالحة قادمة، أي توجه قادم لبناء اليمن الجديد، سيكون فيه تغير في طبيعة النظام، في الأحزاب، في كل شيء، وإذا ما طبقت الفيدرالية، وطبقت الأقاليم فستنشأ أحزاب مختلفة، وقوى مختلفة، وكل هذه القوى الشمولية التي حكمت في الماضي ستضعف بدرجة كبيرة كلها، وهو قادم لا محالة، لأنه من أجل أن تبني جديداً، لازم لهذه القوى التي شاركت في هذه المأساة أن تتوقف.
ففي ظل نظام جديد ومصالحة جديدة ستنشأ قوى، وسيكون للشباب والمرأة حضور كبير، وستعود القوى الشمولية إلى نقطة الحوار. وهم من انقلب على الحوار انقلابين، انقلاب علي محسن ومجموعته، وانقلاب علي صالح و”أنصار الله”، وهي انقلابات على الثورة الشعبية السلمية، فالعودة إلى الثورة الشعبية السلمية لا بد أن يكون على حساب هؤلاء أيضاً، ولذلك هم يصرون على الحرب، يتخوفون من السلام لأنهم يعرفون أن نتائج السلام في غير صالحهم.
هل ستتكرر ثورة 11 فبراير؟
لا يوجد شيء يتكرر، لكن سيأخذ صيغة مختلفة تماماً، وستنشأ قوى جديدة، والشعب اليمني شعب مبدع، شعب خلاق، شعب عنده قدرات تهمد، تهمد ثم عندما تنتفض تعلن عن نفسها بشكل يلفت أنظار العالم كله، سبتمبر، أكتوبر، الوحدة، الثورة الشعبية السلمية… عنده قدرات تختزل، وتعلن عن نفسها في لحظة من اللحظات مباغتة، ولكن تترك دوياً كبيراً، السلام نهاية لكل هذه القوى التي ارتكبت هذه الجرائم، ولازم يكون هناك قانون العدالة الإنتقالية.
من البديل لأمراء الصراع وتجار الحروب؟
إلى الآن الشيء الإيجابي هو أن كل هذه القوى واصلة كلها إلى لحظة يأس من الاستمرار في الحكم أو القدرة على استمرار الحرب، وإذا ما وصلت إلى لحظة اليأس ينشأ البديل، البديل أيضاً موجود في الشعب، وهم غالبية الذين يريدون دولة للنظام والقانون، دولة مؤسسات، دولة اتحادية، دولة ديمقراطية، ويريدون مواطنة متساوية وعدالة، هذه القوى في لحظة سكوت المدافع ستعلن عن نفسها بشكل كبير، وسترى حالة من النهوض، لأن الحرب دمرت عقول الناس، وألغت تفكيرهم السياسي وحريتهم، ففي لحظة سكوت الحرب سيكون في اليمن كلها حالة نور شامل، وعودة إلى المطالب المدنية، عودة إلى مخرجات الحوار، عودة إلى بناء دولة اتحادية وديمقراطية، ويعود الناس إلى مزاج وطني عام يختلف ويغاير ماهو سائد الآن.
كيف تفسر تنامي خطر التطرف والإرهاب في هذا الوقت؟
التطرف والارهاب مسألة معقدة ومتشابكة، وتتداخل فيها عوامل عديدة طبعاً، هناك مستويات للتطرف، في المنطقة العربية حصل ظلم كبير جداً في بناء الأنظمة القطرية، وفيها اصطناع لهذه الدول القطرية، واصطناع لحدودها، وركز الإستعمار على أن يبني في هذه المناطق أنظمة موالية له، وأن يحافظ على المشكلات القديمة، بحيث تبقى الدولة مرتهنة به، وتبقى في مشاكل. من الجانب الثاني، فإن هذه الأنظمة نفسها كان ولاؤها للإستعمار أكثر من ولائها للشعب، كانت دائماً في صراع وفي خصومة مع الشعب، وولاؤها للخارج أكثر من ولائها للشعوبها ولبلدها. الجانب الثالث، في الداخل أن القوى التي تصدرت كانت آتية من بيئات متخلفة، من عصبيات قبلية، آتية من اتجاهات ثقافية مختلفة، هذه العوامل الثلاث تضافرت وصنعت المأساة، ولذلك تلاحظ أنه في المنطقة العربية النظام جلاد وضحية، ضحية لمن هو أكبر منه، الأمريكان والأوروبيين بشكل خاص، المعارضة هي ضحية وجلاد أيضاً في آن واحد، ليست في مستوى المعارضة، فهي ضعيفة وهشة، وفي نفس الوقت أيضاً تراهن على الحكم أكثر من ما تراهن على الشعب، فهذه الإشكالية قائمة في المنطقة العربية بشكل عام، لكن أيضاً استجدت ظروف، في المنطقة الصراع الذي حصل… في أفغانستان، كان صراعاً دولياً، فيه اعتمد الأمريكان والأوربيين على المنطقة العربية، كانت الدول النفطية ممولة، والدول الفقيرة مجيشة، واليمن كانت ضمن الدول المجيشة، جندوا منها أعداداً هائلة جداً، يذهبون بهم إلى أفغانستان، التمويل خليجي، والدعم والتأييد أمريكي، ولكن هؤلاء بعدما انتهت معركة أفغانستان ووجدوا أنفسهم بدون عمل، وجدوا أنفسهم ضحايا، فعادوا إلى المنطقة العربية وإلى بلدانهم وحصلت المشكلة، ولذلك تعرف أن المشكلة معقدة ومركبة وتتداخل فيها عوامل عديدة، ثم إن التربية مرتبطة بذلك، فنحن أمام مناهج تعليمية سلفية جهادية، أمام خطاب مسجد محرض، أمام أزمات معيشية طاحنة، أمام غبن اجتماعي كبير يفقد معه الإنسان الضوء إلى المستقبل، هذه كلها تخلق عوامل إحباط ويأس تساعد على التطرف والإرهاب.
هل ساعد الصراع والإستقطاب الإقليمي في تأجيج العنف والتطرف؟
بالتأكيد، وخذ مثلاً دول الخليج، دول غنية بالنفط، هي تشعر بأنها مهددة داخل أنظمتها، فتشجع الحركات المتطرفة. أتى الربيع العربي من تونس، وفجأة تلاحظ، وتونس في تفكيرنا السياسي بعيدة عن المنطقة وتأثير المنطقة ولا نحس تواصلاً مباشراً مع تونس، يأتي شاب يحرق نفسه، يخرج الشعب كله يهتف “الشعب يريد إسقاط النظام”… “إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر”، والمنطقة كلها تخرج؛ في مصر وسوريا، والعراق، في السودان، في الجزائر، في اليمن، في الأردن، في عمان… ولم تكن هناك إمكانية لمواجهة ثورات الربيع العربي لأول مرة. المنطقة منطقة حروب، صراع سياسي، منطقة انقلابات عسكرية، تنتقل فيها ثورات سلمية، ويخرج الناس بمئات الآلاف وبالملايين، فهذا أدهش الحكام، ولم تكن هناك وسيلة إلا لعودتهم إلى المربع الأول، إلى الحروب، إلى الصراع، إلى الفتنة. حصل انقلاب في مصر، وهناك كان أكبر زخم للثورة، الإسلام السياسي كان جزءاً من الثورة الشعبية السلمية أو التحق بها، والثورة كانت في طابعها، في المنطق كله، كانت عفوية وتلقائية، وانطلقت من عناصر مستقلة ومن كل التركيبة المجتمعية، ولم تكن خاضعة لأحزاب، أو قيادات الأحزاب، أو توجيه حزبي أو سياسي، فانطلقت هذه الثورات، وتم الانقلاب عليها. في سوريا ظل الناس يتظاهرون ويحتجون احتجاجاً سلمياً مدنياً ستة أشهر، النظام لجأ إلى أصحاب الجرائم في السجون، وإلى المعتقلين من الإرهابيين في السجون، وأطلقهم، وأطلق الجيش، وجر الثورة السلمية إلى الصراع المسلح، وإلى الآن، في مصر نفس الطريقة، انفرد “الإخوان المسلمون” بالحكم، وبدأوا يستعيدون صيغة النظام السابق، فانقلب عليهم العسكر الذين كانوا تحالفوا معهم أيضاً، حصل انقلاب اشترك فيه “الإخوان” مع العسكر على الثورة الشعبية السلمية 25 يناير، ثم حصل انقلاب داخل الانقلاب، انقلب العسكر على حلفائهم “الإخوان المسلمين”، وتشعر أن المسألة متداخلة، الضحية جلاد والجلاد ضحية.
كيف تقيم صعود وإخفاقات تيارات الاسلام السياسي؟
الخطيئة الكبرى أنه تحالف مع العسكر في الانقلاب على الثورة التي كان جزءاً منها، فانقلبوا عليه، في اليمن الثورة الشعبية السلمية بدأت من الطلاب، والتحقت بها الأحزاب فيما بعد، والتحاق الأحزاب كان ضرورة، ولكن أيضاً ترتب عليه نتائج سيئة جداً، وهي قولبة الثورة، وتطويعها لأهداف قيادات الأحزاب، ثم حصل انشقاق داخل الحكم بعد جمعة الكرامة 18 مارس، وبعد هذا الانقلاب تحولت الثورة من شعبية سلمية إلى صراع داخل السلطة نفسها بين المنقسمين على السلطة نفسها، جاءت مبادرة مجلس التعاون الخليجي لتبارك إعادة السلطة نفسها وإعادة الانقسام، وإعادة الوفاق فيما بين النظام نفسه، وهمشت الثورة الشعبية السلمية.
المبادرة الخليجية أعادت صياغة النظام السابق، ولكن بتوازن جديد، بتوافق جديد، بصيغة جديدة، واشتركت في ذلك الأحزاب السياسية، جمعت اللقاء المشترك في الحكم.
اللقاء المشترك، هل ساهم في ذلك؟
تماماً، كلهم اشتركوا في هذه اللعبة. حصل الانقلاب الثاني الذي تحالف فيه صالح والحوثيون، يعني نحن أمام انقلابات وأمام صراعات داخل رأس الحكم، وغيبت المطالب الشعبية، مخرجات الحوار، الثورة الشعبية السلمية، الدستور، إنصاف الجنوب، كلها ضاعت، وأصبح الآن يدور الصراع بين الأطراف التي حكمت في الماضي وتريد أن تستمر في الحكم إلى ما شاء الله.